الرباط (الزمان التركية) – في هذا البحث المختصر يحاول الباحث من خلاله تسليط الأضواء على بعض الأفكار الرئيسية التي وردت في كتاب تحليل سوسيولوجي لحركة مدنية جذروها الإسلام المعتدل للمؤلفة “هليلين روز ايبو”، الذي تحاول فيه دراسة وتتبع وتفسير أسباب نجاح حركة الخدمة و فكر الأستاذ فتح الله كولن في تركيا والعالم، من خلال تتبع تاريخ الحركة منذ نشأتها إلى وقتنا الحاضر.
قراءة في كتاب:
حركة كولن
تحليل سوسيولوجي لحركة مدنية جذورها الإسلام المعتدل
تأليف: هليلين روز ايبو ترجمة: مروة يوسف
العنوان الأصلي للكتاب:
The Gülen Movement
A Sociological Analysis of a Civic Movement Rooted in Moderate Islam
By
Helen Rose Ebaugh |
إعداد: عبد العزيز الإدريسي
باحث في الفكر والحضارة |
توطئة:
الكتاب الذي بين أيدينا من إصدار “مركز نماء للبحوث والدراسات” في طبعته الأولى،سنة 2015 والذي يقع في 304 صفحة، من تأليف الكاتبة الأمريكية: هيلين روز ايبو ( Helen Rose Ebaugh)، و ترجمة الأكاديمي المصري مروة يوسف ومراجعة الباحث أحمد العزبي.
تكمن أهمية الدراسة التي يتضمنها هذا الكتاب في مقاربتها المنهجية للإطار السوسيولوجي والمعنوي لحركة الخدمة وملهمها الأستاذ محمد فتح الله كولن، ودور هذه الحركة في إعادة الاعتبار للتعليم والإعلام وحوار الأديان في تعزيز قيم التعارف والتعايش والتسامح وإبراز حقائق الإسلام المعتدل، بالإضافة إلى بيان مدى تأثر الملايين في تركيا وعبر العالم بأفكار ومشاريع الأستاذ فتح الله كولن.
وفي هذا العمل الرائد حاولت المؤلفة دراسة وتتبع وتفسير أسباب نجاح “حركة الخدمة” و”فكر كولن” في تركيا والعالم، من خلال إعمال الأطر النظرية السوسيولوجية، والمتمثلة في:
أ- نظرية تعبئة الموارد. ب- نظرية الالتزام التنظيمي.
جاءت الدراسة في مقدمة وستة فصول وملخص و ملحق للنقاد، بالإضافة إلى لائحة المصادر والمراجع المعتمدة، و قد اعتمدت الكاتبة المنهج الوصفي والمنهج التحليلي والمقارن لصياغة المادة العلمية والمعرفية، وقد ركزت الباحثة كثيرا على الزيارات الميدانية والمقابلات المباشرة سواء لمؤسسات الخدمة أو رجالاتها.
المقدمة:
في بداية الكتاب تحكي هيلين روز قصة تعرفها على حركة الخدمة، وذلك أثناء مشاركتها في مؤتمر”حران” الدولي الثالث في غوتنبورغ بالسويد في ماي سنة 2005 ،في موضوع حوار الأديان بين القادة الدينيين الإبراهيميين، لتكتشف أن الأستاذ فتح الله كولن أحد المؤسسين العالميين للحوار بين الأديان والحضارات والثقافات والأعراق، وذلك بشهادة زميلها في الجامعة”لن ميتشل“،لتتعرف بعد ذلك على طلبة الخدمة بالجامعة-هيوستن- التي تشتغل بها.
ثم قامت بزيارة ميدانية أولى سنة 2006 لمشاريع ومؤسسات حركة الخدمة بتركيا:(مدارس، جامعات مستشفيات، صحف ومراكز، منتديات…) ولقد سجلت جملة من الملاحظات دفعتها إلى الاهتمام بهذه الحركة الدينية المزدهرة العابرة للحدود القومية، على حد تعبير الباحثة.
رجعت الباحثة لموقف فتح الله كولن الحاسم والواضح اتجاه أحداث 11شتنبر 2001،حيث عبر عن إدانته لهذه الأعمال الإرهابية،وأن هؤلاء الجناة لا يمثلون الإسلام،لتؤكد بأن حركة كولن تعد مثالا قويا على الإسلام المعتدل المعاصر، وقد لاحظت الباحثة وقتئذ الاهتمام الواسع والمستمر لوسائل الإعلام الكبرى والصحف العالمية بفكر فتح الله كولن ومشاريعه الناجحة في كل البلدان.
وقد توسلت الباحثة في دراستها لتفسير أسباب نجاح الحركة بنظريتين في علم اجتماع التنظيمات والحركات الاجتماعية:
-الأولى:نظرية تعبئة الموارد:والتي تلقي الضوء على شبكات الموارد البشرية والمالية اللازمة لنمو واستمرار التنظيمات وضمان تحقيق الأهداف.
-الثانية:نظرية الالتزام التنظيمي:والتي تركز على الاستراتيجيات الحركية لحث الأعضاء على الالتزام والولاء للمشروع.
وذلك من خلال طرح ثلاثة أسئلة بحثية موجهة للبحث:
1-ما هي الآليات التنظيمية للالتزام التي تجذب الأعضاء إلى الحركة وتبقي عليهم، سواء داخل تركيا أو خارجها؟
2-ما هي الكيفيات التي تروج بها الديناميكيات المالية في تمويل المشاريع الخدمية للمشاركة والحماس والالتزام عند أعضاء الحركة؟ وكيف يتم تحفيز الأنصار للتبرع؟
3-ما هي الترتيبات المالية المرتبطة بالمؤسسات المتصلة بحركة كولن؟ وما هي الطرق التي تربط أنصار الحركة بمشاريعها؟
الفصل الأول: الإسلام والدولة عبر التاريخ التركي
تبدأ المؤلفة هذا الفصل بالتأكيد على أهمية وضع حركة كولن في سياقها التاريخي، وتنطلق في تحديد هذا السياق أولا بالحديث عن بنية الدولة العثمانية (1300م-1923م)،و العلاقة الوثيقة والتكافلية بين السلاطين (الحكام السياسيين) والخلفاء(القواد الإسلاميين)،مع ذكر بعض الإصلاحات التي عرفتها الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر.
ثم عرجت إلى مكانة الإسلام في الدولة التركية الحديثة ابتداء من1913م ،و ذكرت بعض الإشكالات الناجمة عن علاقة الدين بالدولة،حيث نهجت جمعية الإتحاد والترقي نهج تحييد الإسلام عن الحياة العامة،و إخضاع المؤسسات الدينية للسلطة الحكومية،ففي سنة1915 وضعت المحاكم الدينية تحت سلطة المحاكم العلمانية،وفي سنة 1924 ألغيت الخلافة، وهذا الأمر مهد الطريق أمام مصطفى كمال أتاتورك(1881-1938) لتكريس مبادئ الجمهورية العلمانية،ففي سنة1928 أزيل الإسلام من الدستور باعتباره الدين الرسمي لدولة تركيا، وكل ماله علاقة بالهوية العثمانية الشرقية،وقد نتج عن هذا الوضع إشكالات واختلافات وصراعات داخل النسيج التركي.
في ذات السياق ذكرت الكاتبة بتحول تركيا إلى نظام التعدد الحزبي ابتداء من عام 1946م وأثره في إعادة تموقع الإسلام في الدولة التركية،فمثلا بوصول الحزب الديمقراطي للسلطة سنة1950م سمح لرفع الآذان باللغة العربية، وأزال الموانع التي تحظر ممارسة الدين وتدريسه وبناء المساجد، ولكنه عارض الإسلام السياسي لأنه يهدد علمانية الدولة في نظره، بعد الإطاحة بهذا الحزب عبر انقلاب عسكري عام1960، دخل نجم الدين أربكان المعترك السياسي بخلفية إسلامية، حيث هدفه أربكان توحيد الجماعات الإسلامية تحت قيادته السياسية وخلق تغيير في النظام السياسي عن طريق العملية الانتخابية،مما عرضه للمنع لمدة خمس سنوات تحت طائلة المادة136.وحصل انقلاب عسكري سنة1980، وهكذا ظلت الحياة السياسية التركية بين انتخاب وانقلاب.
كل هذه الأحداث المتعاقبة والقضايا المعقدة كان يتابعها فتح الله كولن ويدرسها ويحللها ويطور إمكاناته لاستيعابها وتجاوزها.
الفصل الثاني: فتح الله كولن: حياته ومعتقداته والحركة التي ألهمها:
قسمت الباحثة هذا الفصل إلى ثلاث فقرات كبرى،الأولى:جوانب من بدايات حياة كولن،أما الفقرة الثانية فخصصتها لقناعاته وأولوياته، أما الفقرة الثالثة فتتبعت فيها نشأة الحركة وانتشارها في أنحاء المعمور.
أوردت الباحثة سنة ولادة فتح الله كولن (1941م) دون تحقيق أو تدقيق[1]، بمحافظة أرزو روم (أرض روم )من أسرة علم وشرف وكرم وإمامة، ما جعله يتأثر بهذا المناخ العلمي والروحاني حيث تعلم مبادئ الإسلام وحفظ القرآن وتعلم اللغة العربية والفارسية، بالإضافة غلى تأثره ببعض المشايخ في طفولته من قبيل الشيخ لطفي أفندي و الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي،وقد كان تعليمه في مجالات الأدب والتاريخ والفلسفة وغيرها من المعارف تعليما عصاميا وتكوينا ذاتيا.
ونظرا لتأثره الشديد بالأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، فقد انخرط في سلك الوعظ والإرشاد منذ شبابه الباكر متنقلا من أرضروم شرقا إلى أدرنة شرقا ،فأصبح له نفوذ وتأثير عجيب على الشباب،ليستثمر ذلك في إطلاق أول مشاريعه التعليمية بتنظيم معسكرات صيفية لطلاب المدارس بدعم من رجال الأعمال المحليين.
غير أن الانقلاب العسكري سنة 1970 زج بالعديد من الدعاة البارزين والفاعلين المجتمعيين في السجون، حيث ظل فتح الله كولن رهن الاعتقال لمدة ستة أشهر دون اتهام،وأخلي سبيله بشرط عدم إلقاء المحاضرات العامة.
وقد كان للبيوتات التي أنشأها خصيصا للطلاب لخدمتهم المعرفية ورعاية مصالحهم المادية وتوفير بعض المنح لهم، الأثر البالغ في نشر أفكاره وقناعاته بين الناس،ومع الانفتاح الذي عرفته تركيا سنة 1982 أسس كولن أول ثانويتين الأولى في أزمير والثانية في اسطنبول،لتنتشر مدارس الخدمة بعد ذلك في كل تركيا،ومع سقوط الإتحاد السوفياتي تم تأسيس مدارس بالجمهوريات المستقلة، ونظرا لتميز هذه المدارس ورياديتها فإن الطلب ازداد عليها في كل أصقاع العالم.
ثم كان الاهتمام بالنوافذ الإعلامية الملهمة بفكر كولن،فكان تأسيس مجلة “سيزينتي“سنة 1979[2]،وهي المجلة الأكثر انتشارا ومبيعا بتركيا،وكانت مهمتها ربط العلم بالإيمان، والوحي بالعقل، بالإضافة إلى جريدة “زمان”، وتلفزيون المجرة(سمنيولوSTV)، و وكالة أخبار العالم ومواقع إلكترونية بكل لغات العالم الحية، وحيث إن النجاح يدفع إلى مزيد من العطاء والإبداع وفتح فرص جديدة لتنزيل أفكار فتح الله كولن على أرض الواقع،فقد جلب له انتقادات كثيرة[3].
تؤكد الباحثة أن خلاصة القول في هذا الفصل هي أن محمد فتح الله كولن شخصية ملهمة وملهمة.
الفصل الثالث: الأفكار الأساسية التي روج لها كولن
من عالم الأشخاص والأحداث تنتقل الكاتبة إلى عالم الأفكار، الذي يعد فتح الله فارسه ورائده بامتياز،وفي مقاربة تكاملية تؤكد هيلين أن حركة كولن تقدم مثالا للعالم الإسلامي بل وللعالم في الجمع بين التليد والجديد،بين الأصالة والمعاصرة،بين العلم والإيمان،بين الوحي والعقل،كل ذلك لبناء وتعزيز مجتمع أخلاقي وعادل،وفتح فرص لشباب الجيل الجديد في إطار شبكات خدماتية ذاتية منفتحة، وليس من خلال منظمة مركزية منغلقة، وفي مايلي أهم الأفكار التي أثارت الكاتبة:
1-بناء الجسور بين الإسلام والغرب:وهذه المهمة الصعبة والإستراتيجية لن يقوم بها إلا“الجيل الذهبي“.
2-جودة التعليم:لأن أكبر مشاكل العالم اليوم هو نقص المعرفة، ولا لمعالجة لهذه المعضلة إلا بجودة التعليم بأشكاله الثلاثة:(العلمي، الإنساني، الديني).
3-تمويل المشروعات الخدمية بروح العطاء الخدمة: هنا تتفتق عبقرية كولن في قدرته على تعبئة الموارد البشرية و المالية لتزيل الأفكار على أرض الواقع، وتحقيق المقاصد الكبرى،حيث شجع باستمرار النخبة الاجتماعية والقادة والأثرياء ورجال الأعمال الكبار والصغار،كل من موقعه ومسؤوليته.
4-الحوار بين الأديان والثقافات: حيث يركز كولن على المشترك الإنساني وتناغم الأديان، لإسعاد الإنسان،فوظف مفاهيم الشفقة والحب والتلطف والتسامح والعفو والتواضع في حوار المنفتح مع جميع الطوائف،توج ذلك الحوار بلقاء بابا الفاتيكان فبراير1998م.
5-الإسلام لا يروج للإرهاب ولايتسامح معه:وهذه قناعة راسخة لا تتزعزع عند كولن،وقد عبر عن هذه القناعة في مناسبات كثيرة أهمها أحداث 11شتنبر2001م بقوله:”لا يمكن أن يكون الإرهابي مسلما،ولا يمكن أن يكون المسلم الحقيقي إرهابيا”.
6-العلاقة بين الدولة والدين: هذه القضية من أعقد القضايا بتركيا المعاصرة بل وفي العالم الإسلامي، وقد أسالت الكثير من المداد بل والدماء في بعض الأحيان، لذا نجد الكاتبة تؤكد بأن كولن لا يدعو إلى تأسيس كيان أو نظام سياسي إسلامي،بل يدعو إلى فصل الدين عن السياسة وليس عن الحياة،وينصص على أن سلطة الدولة على الشؤون الدينية يضر بالإسلام،لذا وجب تحرير الإسلام من سيطرة الدولة،وهذه القضية تحتاج إلى تدقيق.
هذه الأفكار وغيرها ألهمت العديد من فئات الشعب وطبقاته ما جعل حركة كولن تتطور وتنتشر بشكل كبير في كل أنحاء العالم،مركزة على أربعة أنشطة كبرى:المؤسسات التعليمية،المشاريع الاقتصادية،المطبوعات والإذاعة،التجمعات الدينية.
الفصل الرابع: التنظيم الاجتماعي في الحركة(شبكة من الحلقات المحلية)
استقت الكاتبة معلومات هذا الفصل من مقابلات شخصية للمنخرطين في الحركة أو الداعمين لها سواء فردية أو جماعية ،في تركيا أو هيوستن بتكساس، وتنوعت هذه اللقاءات من رجال أعمال إلى أطباء إلى إداريين وعمال من ذوي الياقات الزرقاء وصحفين ومهندسين..،خلاصة هذه اللقاءات أن فتح الله كولن ملهم، وأن هذه الحلقات(الصحب) تحقق المعنى.
وتنتظم هذه الحلقات المحلية بشكل أسبوعي تبعا للمكان أو الوظيفة،لمدارسة القرآن والسنة ومناقشة أمور حياتهم أو متابعة مشاريع الخدمة ودورهم في إنجاحها، ومن القصص التي تحكيها الكاتبة هو سفر مجموعة من رجال الأعمال من مدينة بورصا إلى دارفور حيث اشتروا ثلاثة ثيران وذبحوا وأطعموا الفقراء، وأقنعوا رجال أعمال آخرين لبناء مدرسة هناك وهو ماكان.
تؤكد الباحثة على مناخ الثقة المتبادلة الذي يسود هذه الحلقات،فقد علق أحد رجال الأعمال في هيوستن ممن يمولون مشاريع الخدمة:”حتى وإن لم أعرف تفاصيل تلك الأنشطة،فأنا أعرف هؤلاء الناس معرفة جيدة وأثق بهم لذلك فأنا أقدم التبرعات أنا على ثقة أنه سيحسن استخدامها“. هذه الثقة جعلت المساهمات المالية صفة متأصلة في المشاركين في حركة كولن،هذه المساهمات من “الفاعلين واسعي الحيلة” لا حدود لها،حتى إن الباحثة بخلفيتها الرأسمالية اندهشت من حجم إنفاق أهل الخدمة، وهذا طبيعي لأنها لا تدرك البواعث الإيمانية للأنفاق والعطاء،وهي تورد بنوع من الإعجاب والاستغراب إنفاق وتبرع المشاركين بنصف أو ثلث ثروتهم قلت أم كثرت؟ وهو ما دفعها إلى طرح السؤال: ماهي الدوافع المحركة للمساهمات المالية؟ فكان الأجوبة:
-لتحسين شؤون الإنسانية كما يشجع كولن
-لتعليم شبابنا
-لرضا الله
-للحصول على الثواب في الآخرة
-ليكونوا جزء من حركة أكبر لعالم أفضل
-لإعطاء الأمل لشعبنا في تركيا وحول العالم.
هذه الثقة و هذا الاطمئنان السائدين في حلقات الخدمة، والنابعة من المثل الإسلامية والمفاهيم الحضارية تولد الالتزام واستدامة المشاركة الجماعية، ويضمن فعالية المجموعة، وتوطد العلاقة الإيجابية بين التضحية والاستثمار، وترسخ مبادئ تنظيمية سليمة وتوفر الدافع الروحي للعطاء والانبعاث.
الفصل الخامس: ثقافة العطاء الإسلامية التركية
هذا الفصل كتبته هيلين روز بالاشتراك مع د.ذاكراي باسكال، وهو يبحث أساسا في الثقافة الإحسانية والممارسات التطوعية في المجتمع التركي ودوافعها الروحية العميقة، وكيف استطاع فتح الله كولن بعث هذه الروح التطوعية والممارسة الإحسانية من جديد لتمويل مشاريع الخدمة الممتدة والمتنامية، سواء تعلق الأمر بالمال أو الوقت أو الطاقة أو العمل،وقد أجملت الباحثة المفاهيم الأساسية في الثقافة التركية المرتبطة بالعطاء في:1-الصدقة، 2-الزكاة، 3- الأضحية، 4-الوقف، 5-منظمات آهي[4]، 6-البركة، 7-حسن الجوار، 8-القرض الحسن،لتدلف بعد ذلك إلى المنهجية المجددة التي أحيا بها فتح الله كولن لإحسان الإسلامي التركي،من خلال استثمار الشبكة الخيرية الموجودة بالفعل في المجتمع التركي، فعلى سبيل المثال عندما أوجز كولن رؤيته في توفير تعليم جيد لكل الشباب التركي بتأسيس بيوت طلبة و دورات تحضيرية و مدارس ثانوية و أخيرا جامعات، كان ذلك انعكاسا لثقافة العطاء والإحسان المركوزة في وجدان كل تركي.
الفصل السادس:إمداد الطاحونة بالماء تمويل: مشروعات كولن الخدمية
بهذه العبارة الواضعة- الموارد المالية ضرورية لبناء و صيانة العدد الهائل من المشاريع المرتبطة بحركة كولن- تؤكد هيلين أهمية تعبئة الموارد المالية في المشروع الإصلاحي لفتح الله كولن،وقد أجاب الأستاذ فتح الله على السؤال: ” من أين يأتي الماء لهذه الطاحونة؟ بقوله: هؤلاء قومنا الذين يعطون و يعطون، و يمكنك القول إنهم مدمنون على العطاء، ولو قلت لا تعطوا ستجدهم محبطين و غير سعداء،ويبرر كولن هذا الانفاق المعجز بثقافة الثقة وخاصية النزاهة المستدامتين داخل الهيئات وفي المشاريع.
ناقشت المؤلفة مؤسسات مستوحاة من فكر كولن خاصة في تركيا والولايات المتحدة الأمريكية محددة الأنماط المؤسسة والسائدة داخل هذه المؤسسات والمشاريع:
1-بنك أسيا،2- محطة المجرة، 3-صحيفة الزمان، 4-مؤسسة الكتاب والصحفيين، 5-جامعة الفاتح ، 6-مستشفيات الخدمة(سما،بهار) 7-بيوت الطلبة، 8-مدارس تعليمية، 9- جمعية ” كمسي يوك مو” ( هل هناك من أحد) للتضامن و المساعدة،9-مؤسسة حوار الأديان من أجل السلام العالمي(IID) بتكساس. وبعد تتبع نشأتها وتمويلها وانشطتها وآفاقها تؤكد بأن التزام المتطوعين و الداعمين الذين يعطون من أوقاتهم و قدراتهم و مواردهم المالية اللازمة هو الذي يضمن لها الاستمرارية والريادة في مجالها وتخصصها.
وهذه الأنماط واضحة داخل المؤسسات المختلفة المستوحاة من فكر كولن المذكورة أعلاه ، والمتمثلة في:
- الإلهام الأصيل: من خلال أفكار كولن و تعاليمه ورؤاه التي تفتح آفاقا ارتيادية للإبداع والعطاء و التحفيز لتأسيس المؤسسات، الإيمان الحتمي بالتعليم هو الحل للفقر و الصراعات الداخلية في تركيا و حول العالم.
- نشر الأفكار:بما هي مثل عليا وقيم أخلاقية تتمحور حول تربية الأجيال بمنهجية الجمع بين الروحانية و التدريب الفكري و توفير التعليم الحديث في كل مناحي الحياة و التأكيد على القومية التركية، و تقدير الماضي التركي، و المشاركة في الحوار بين الثقافات و التسامح مع الأفكار و الآراء المختلفة و حب و احترام البشرية جمعاء و المنظور المالي و حسن الجوار و إعطاء الخدمة و مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان.
- الالتزام الوظيفي: ” إنهم لا يعملون من أجل المال فقط و لكنهم يؤمنون بما يفعلون”،هذا هو النفس العام عند متطوعي الخدمة في كل المجالات والمؤسسات.
- الدعم المالي: وذلك بالاعتماد على دعم المتبرعين للمباني و العمليات الأساسية للمؤسسة، و في كل الحالات تصبح تلك المشاريع داعمة لنفسها خلال سنوات قليلة، إذ تستطيع معظم المدارس توفير دعم لنفسها من خلال الرسوم الدراسية والتبرعات.
- المؤسسات ذات الجودة: بغض النظر عن القطاع التي تعمل فيه، تشترك المؤسسات المستوحاة من فكر كولن في الحرص الحثيث للوصول لأعلى مرتبة و الجودة، وهو ما يلحظه أي زائر ودارس.
ملخص ونتائج البحث:
في هذا الملخص تؤكد هيلين باعتبارها باحثة سوسيولوجية أن حركة الخدمة مستوحاة من أفكار الأستاذ محمد فتح الله كولن لم تنظم رسميا أو تهيكل هرميا، و إنما هي شبكة دعم منسقة متراخية من الدوائر المحلية و لكل منها حكمها الذاتي من حيث المحتوي وتواتر الاجتماعات و تنوع الأعضاء و المشاريع، و تلك البنية موجودة على مستوي القاعدة لتعزيز الالتزام و المشاركة حيث لا يتم إنجاز شيء لا يبدأه و ينفذه الأعضاء، بمشاركة الأعضاء و الشعور بالمسؤولية من جانب ملايين من المشاركين الذين لديهم رؤية وطموح والتزام.
لتؤكد بأن الأسئلة البحثية الموجهة التي طرحتها في بداية الكتاب قد أجابت عليها بشكل علمي وميداني من خلال الزيارات والمقابلات والحوارات، لستستنج أن: حركة الخدمة مبادرة مدنية بدأت أولا في تركيا في الستينات من قبل فتح الله كولن، و حاليا ما انتشرت حول العالم عن طريق الهجرة التركية. و تدعو الحركة إلى تعليم حديث و جيد لكل الشباب، و إلى الحوار بين الأديان و الثقافات. و تلك الأهداف الأساسية بجانب مساهمات العديد من المشاريع الخدمية نتج عنها الاعتراف بحركة كولن كلاعب هام في الترويج للتعايش السلمي و السلام العالمي.
الملحق: أصوات النقاد
وقد كانت الباحثة هيلين روز موفقة عندما التفت إلى بعض النقاد الذين وجهوا بعض الانتقادات إلى حركة كولن، واستطاعت تفنيدها من خلال إيراد النقد و الرد عليه، وفي مايلي أهم الاعتراضات:
1.الخوف من الدولة الإسلامية: تقول هيلين روز:” ولم أر دليلا على أن كولن ينوي الاستيلاء على الدولة التركية و استبدال دولة إسلامية بالحكومة العلمانية بعد قراءة مئات الصفحات من خطب كولن و كتاباته، و بعد التحدث إلى أكثر من مئة من أتباعه أدركت أنه في الحقيقة ينفر كولن من المناقشات السياسية”.
2.كولن بوصفه عميلا لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية:تؤكد الباحثة بان اتهام الحركة بأنها مدعومة ماليا من بعض الحكومات و من ضمنها وكالة الاستخبارات المركزية للولايات المتحدة الأمريكية لا دليل تطبيقي يدعمه، و هناك بعض البيانات التي تتحدى هذا الافتراض المطروح من قبل النقاد، فخلال العقود الماضية فكولن و المنظمات المرتبطة به و حركته تم فحصها و مراجعتها من العديد من الوكالات الحكومية مثل وزارة الخزانة التركية و مكتب المدعي العام للدولة. و كل عام تستعرض وزارة المالية الدفاتر المالية للشركات الربحية و غير الربحية على حد سواء،و هكذا يطلب من كل صحفية زمان و بنك آسيا و تليفزيون المجرة و مؤسسة الصحفيين و الكتاب و فتح دفاترهم المالية لمفتشي الحكومة، و لم يجدوا أي أموال مشبوهة أو غير محسوبة و لا مرة واحدة، و بالمثل لم يتم اكتشاف أي مخالفات مالية تثير الشكوك بأن حكومات أجنبية تمول عملياتها.
3.غسيل مخ للفقراء الأميين: بل نجد هذه الفئة ممتنة لحركة الخدمة لما توفره من لأقربائهم و لأصدقائهم من فرص وفضاءات للهرب من الفقر الريفي و نظم التعليم الفقيرة و إحلال محلها المنح الدراسية للدورات التحضيرية و الجامعة و كليات القانون و الطب و فرصه العيش في بيوت الطلبة بالإضافة إلى الفرص المهنية.
4.تأخير تركيا عن موكب الحداثة: تعبر هلين عن دهشتها لما وجدته تقدم تكنولوجي وتجهيزات متطورة:” فكل من خطب و كتابات كولن فضلا عما تحقق في المدارس و المستشفيات المرتبطة به تظهر الاتجاه المعاكس لذلك تماما، فكولن شجع أتباعه مرارا على الحصول على تعليم أفضل و أكثر تقدما قدر ما استطاعوا خاصة في العلوم من أجل المساهمة في تحديث تركيا، و لقد انبهرت بمختبرات العلوم في المدارس التي زرتها فضلا عن العديد من الجوائز المعروضة في الردهات من الطلاب الذين تنافسوا في الأولمبياد العلمي الدولي.
5.حركة كولن تدعم أتباعها فقط: هذه التهمة لا تستند إلى بيانات، بل إن مشاريع الخدمة الإغاثية مثلا جمعية ” كمسي يوك مو” ( هل هناك من أحد)، تستهدف كل البشر داخل تركيا وخارجها بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللسان…
6.الحركة بوصفها جمعية سرية أو طائفة: إن أهم عنصر تخشاه الحركات السرية هو تعاملاتها المالية، في حين أن حركة الخدمة تضع حساباتها المالية رهن إشارة أجهزة المحاسبة والرقابة، فالحركة شفافة من الناحية المالية، و في الواقع و في حالة البنك و الصحفية و محطة التليفزيون فإن بياناتهم المالية عامة و متاحة على الانترنيت، كذلك يمكن الوصول خطب كولن و مقالاته عبر المواقع الإلكترونية. و بالنسبة لهيلين روز يعتمد الاتهام بالسرية على الخيال حول الأنشطة السرية أكثر من تركيزه على البيانات التجريبية التي تشير أن أهداف و تدخلات الحركة لم تتح علنا.
وتأبى هيلين روز إلا تعضد ردودها بمزيد من الأدلة والبراهين والتي تفند الاتهامات السابقة، والتي تميز حركة الخدمة ،و المتمثلة في:
- الاندماج في المجتمع (عكس العزلة)
- الشفافية و الوضوح
- التحديث(رفض العلم لصالح القيم التقليدية)
- اللاعنف
خاتمة القول فإن الكاتبة هيلين روز ايبوا تدعو بطريقة أو بأخرى إلى استلهام أفكار محمد فتح الله كولن لمواجهة العديد من التحديات المعاصرة التي تهدد الفرد والمجتمع والبشرية، باعتبارها حركة مدنية عالمية جذورها الإسلام الوسطي المعتدل، تهدف تحقيق التعايش والسلم العالمي.
[1] – فتح الله كولن،رائد النهضة الراشدة في تركيا المعاصر. د.عبد الحليم عويس، حيث أكد بالدليل أن تاريخ ولادة فتح الله كولن ليس 1942و لا 1941، وإنما11نونبر1938م، ص30 و31.
[2] -في الكتاب خطأ مطبعي،حيث أوردت الكاتبة أن تأسيسها كان سنة1997م ،ص80.
[3] -خصصت الكاتبة ملحقا خاصا لأصوات النقاد، وفندت أهم اعتراضاتهم كما سنرى.
[4] – منظمات أنشأها الأتراك الذين يعيشون في البلقان و التركمان بين القرنين الثالث عشر و التاسع عشر ميلاديا و تؤدي خدمات عديدة و ترجع تسمتها بالا آهي إلى مؤسسها آهي عرفان و كان اقتصاديا و معلما في الآداب و عاش في القرنين الثاني عشر و الثالث عشر وولد في أذربيجان.