انطلق البث التجريبي لقناة حراء، كأول قناة تركية خاصة ناطقة باللغة العربية، وبشعار “لسان الحقيقة”، بالتزامن مع بدء فعاليات المؤتمر الدولي “الاجتهاد والقياس” في إسطنبول منتصف الشهر الماضي.
وقد اختارت قناة حراء أن تخاطب جمهوراً يتجاوز تعداده ٤٠٠ مليون على مستوى الوطن العربي. وفي في هذا الحوار يتحدث لنا المدير العام لقناة حراء “يوسف أجار” عن مسار تأسيس قناة حراء وآفاقها المستقبلية.
س: هل يمكنكم أن تحدثونا عن سياق تأسيس قناة حراء؟
لا بد أن أتحدث أولا عن مجموعة “سمانيولو” للإعلام التي انطلقت منها قناة حراء، فمجموعة سمانيولو هي واحدة من المجموعات الإعلامية المهمة في تركيا؛ وذلك لأن لها تجربة تتجاوز عشرين عاما في هذا المجال، ولكونها تملك ثلاث عشر قناة تبث بخمس لغات مختلفة. ومنذ أن بدأ الإخوة العرب بزيارتنا والتعرف علينا كانوا يسألوننا دائما عن سبب عدم وجود قناة باللغة العربية بين هذه المجموعة، بل بعضهم يقول إن هناك الكثير مما يمكن أن نفيدهم به، لذلك كانوا يصرون علينا أن نقدم لهم أنفسنا بلسان عربي. هذا الانتظار والإصرار كان تكليفا ومسؤولية بالنسبة لنا.
س: هذا المشروع إذاً ليس وليد اليوم؟
طبعا، مشروع تأسيس القناة العربية كان قديما، فكرة وأهمية تأسيس القناة كانت تراودنا منذ ٣ أو ٥ سنوات، لكن يبدو أن الشروط لم تكن متوفرة، و الظروف لم تكن تساعد على ذلك.
س: من الذين ستخاطبونهم؟
في الحقيقة، غايتنا هي بناء جسور للمحبة والتعارف بين الشعوب، وأريد أن أؤكد على نقطة مهمة هنا؛ وهي أن القناة لن تخاطب البلدان العربية فحسب، بل ستخاطب كل الناطقين بلغة القرآن، بدءا من إيران وجنوب شرق تركيا، مرورا بحدود سورية ولبنان وحتى جنوب السودان وغرب أفريقيا، سنعمل على أن يصل بثنا كل هذه الجغرافيا التي تتحدث وتتابع القنوات العربية والتي يصل تعداد سكانها إلى ٤٠٠ مليون نسمة، وهذه الجغرافيا سميناها “جغرافية حراء”. ومن الملاحظ أنه عند انتهاء نطاق خدمة قناة حراء، ينطلق نطاق خدمة قناة “إبرو أفريقيا” ضمن مجموعة سمانيولو، الأمر الذي سيمكّننا من تغطية كلّ القارة الأفريقية.
س: ما الذي ستقدمونه من خلال قناة حراء؟
قناة حراء، لن تكون قناة متخصصة في الفن أو الثقافة أو الأخبار فقط، بل ستكون لنا برامج تتناول مختلف مجالات الحياة وتعالجها انطلاقاً من ثقافة مجتمعاتنا، ستكون هناك برامج موجهة للمرأة والطفل، ومسلسلات مدبلجة كمسلسل “هضبة الأمل” و”الدولة العميقة في العهد العثماني”، وبرامج فنية وثقافية وتعليمية أخرى، إضافة إلى هذا سنقدم مواعظ ودروس الأستاذ محمد فتح الله كولن باللغة العربية، وإشراقات من تجربة أبناء الخدمة. ستكون لنا شبكة من البرامج المتنوعة والمميزة بإذن الله. تعالى
س: هل ستكون لكم برامج حصرية؟
حتى يبدأ أي بث تلفزيوني لا بد أن يكون لدينا مخزون لا بأس به من البرامج، ونحن نملك هذا المخزون ولله الحمد بفضل الرصيد السابق لقنوات سمانيولو. في البداية سنعتمد على برامج مجموعة سمانيولو بعد أن تتم دبلجتها. وبعد أن نسجّل تطورات ملحوظة في هذا المسير، كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، سنعمل على إنتاج برامج خاصة بنا، وستكون برامج عربية وبمذيعين ومقدمين عرب. مثلا نفكر أن يكون لنا برنامج يقدم مختلف الثقافات الشعبية باللغة العربية.
س: إذاً من الممكن أن يكون لكم مسلسلات عربية كذلك؟
ممكن، سنسعى لإنتاج مسلسلات متنوعة من هذه المناطق العربية.
س: كيف استقبل الإخوة العرب هذا المشروع؟
لقد أعجبهم كثيرا، هناك تشجيع كبير لنا سواء من تركيا أو من العالم العربي، وردود الأفعال التي تلقيناها كانت مبعث أمل بالنسبة لنا.
س: معروف أن البث من تركيا باللغة العربية من الصعوبة بمكان، يبدو أنكم ستحتاجون إلى موارد بشرية في هذا المجال.
من الطبيعي أن يواجه كل عمل جدي بعض الصعوبات. والمجال التلفزيوني هو مجال يركز على الدقة والاعتناء الشديد بالتفاصيل، كما أنه مجال يقوم على عنصر التكنولوجيا بالأساس. تشكل الموارد البشرية عنصرا مهما بالنسبة لنا، هناك الكثير من إخوتنا ممن هاجروا إلى البلدان العربية قبل عشرات السنين، لربط وشائج المحبة والأخوة، وقد كان منهم من درس الجامعة هناك وتعلم اللغة العربية جيدا، بل منهم من تزوج من هذه البلدان. نريد أن نعتمد على هؤلاء ليشكلوا أساس مواردنا البشرية، لأنهم درسوا هناك وتعلموا العربية من جهة، ولأنهم يعرفون طبيعة وثقافة هذه المناطق من جهة ثانية. سنعتمد عليهم وسنعتمد كذلك على كل من يسعى لنثر بذور المحبة بين الشعوب.
س: كيف مضت الأيام الأولى لانطلاق بثكم التجريبي؟
تجربة عشرين سنة التي تملكها مجموعة سمانيولو كانت ملهمة لنا، وجعلتنا كذلك نحس بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا.
س: شعار القناة وهويتها البصرية جميلة، لكننا لم نر فيها أي أثر للغة التركية!
قناة حراء هي قناة عربية خالصة، ولا نفكر في أن نقدم برامج بالتركية، لذا من العبث البحث عن أمارات دالة على اللغة التركية.
س: مازلتم تقومون بالبث التجريبي انطلاقا من شبكة الإنترنت، متى ستنتقلون إلى البث الفضائي؟
أريد أن أنبه إلى أننا لم نكن نفكر بالبث لمخاطبة المواطنين في تركيا. وإذا لاحظنا أن البثّ باللغة العربية صعبة حتى عبر الإنترنت، فارتأينا أنه ليس من الصواب أن نبدأ البث الفضائي دون أن نكون جاهزين لذلك بما فيه الكفاية، لذلك سنكتفي بالبثّ عبر الإنترنت، ثم سنسعى إلى أن ننتقل للأقمار الاصطناعية في أقرب وقت ممكن.
س: كيف وقع عليكم الاختيار لتكونوا على رأس هذه القناة العربية؟
قضيت عشر سنوات أشتغل في مجال الإعلام، وقبل أن أنتقل إلى قناة حراء كنت في قسم الأخبار بقناة سمانيولو الإخبارية.
أن أكون مديرا عاما لقناة حراء، في الحقيقة كان مثيرا للدهشة بالنسبة لي. إني ولدت في تركيا إلا أن والديّ ينحدران من أصول عربية. بالرغم من ذلك، فإنني ما كنت أتحدث إلا التركية على الدوام. أنا من أصول عربية وعائلتي هربت من الحروب خلال الحقبة العثمانية لتستقر في مدينة أضنة جنوب تركيا، أنا بدوري نشأت في أسرة تفهم العربية لكنها كانت تتحدث بالتركية. يبدو أن قناة حراء ستكون وسيلة لأعود إلى لغتي الأم، وستكون فرصة كذلك لأتحدث باللغة العربية، نقطة قدرية تثير الانتباه حقا.
س: في ظل وجود الآلاف من القنوات التلفزيونية العربية، أليس من المجازفة تأسيس قناة عربية تتخذ من تركيا مقرا لها؟
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم، وبالضبط في الأية الـ٢٧ من سورة الحج مخاطبا سيدنا إبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، فحين تساءل إبراهيم عليه السلام قائلا: يارب! ما يبلغهم صوتي؟ أجابه تبارك وتعالى: أذّن، وعليّ الإبلاغ. هذا هو الدستور الذي نسير به. فوسط هذا الكم من القنوات عبر العالم، سنقوم بما يقع علينا من واجب وسنرسل نور قناة حراء إلى الفضاء، بعد هذا لا ندري في أي بيت يشرق هذا النور، أو من سيجلس ليتابعه. نحن سنقوم بما يمليه علينا الواجب تجاه الإنسانية بإخلاص وتفان، ملتزمين بالدقة والإبداع وبالقيم والمعايير الكونية، بعد ذلك يبقى أمر وصول صوت حراء إلى كل بيت في جغرافية حراء من تقدير ومشيئة الله عز وجل وحده.