القاهرة – (الزمان التركية): قال الكاتب الصحفي المصري أحمد عبد التواب، في مقال له نُشر في موقع “التحرير” الإخباري، إن بعض المعلّقين الغربيين وضع التطورات الراهنة في تركيا في صيغة سؤال: هل علينا الآن أن نؤيد انقلابًا عسكريًا ضد الديمقراطية، أم أن نساعد رئيسًا يُدمِّر الديمقراطية؟
وعلى كل حال، فإن من فاته أن يتابع جريمة الإخوان المسلمين بحق أنفسهم في مصر بسبب حماقات تخاريف التمكين، واستفزازهم الشعب المصري حتى أصر على الإطاحة بحكمهم، فيمكنه أن يُعوِّض ما فاته بمتابعة ما يفعله أردوغان هذه الأيام في تركيا، بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل الساذج. وكأنها صورة طبق الأصل معتمدة من جهة ما.
حتى إذا أعرضنا عن التقديرات عن عدد المعتقلين الأتراك بقرارات من إدارة أردوغان، والذي يصل به البعض في الدول الغربية إلى نحو 70 ألفًا، من قضاة، وجنود وضباط جيش، منهم أكثر من مئة جنرال، إضافة إلى شرطة، وموظفين عموميين، وأكاديميين، وصحفيين، وإعلاميين، وحكام محليين، فإن رسميين أتراك من أنصار أردوغان يعترفون بأن الرقم يدور بين 18 و19 ألفًا، وقد أصدروا بيانات رسمية بأنه، في يوم واحد الأسبوع الماضي، تم اعتقال أكثر من 40 صحفيًا، مع إغلاق 45 صحيفة يومية، و15 مجلة، و29 دار نشر، و3 وكالات أنباء، و16 قناة تليفزيونية، و23 محطة إذاعية! وكان أردوغان شخصيًا قد أعلن قبلها بأيام بأن 131 وسيلة إعلام تدور حولها شبهات بالتعاون مع الإنقلاب.
هذا جزء من صورة الواقع المتصاعد، أو المتدهور، يوميًا إلى حدود تضع الكثيرين في حالة دهشة، ليس مما يفكر فيه أردوغان، ولا من دوافعه ولا أغراضه، وإنما من جسارته على تخطي خطوط حمراء واتخاذ خطوات بعيدة إلى مدى يصعب عليه أن يصمد فيه، بعد أن خلق لنفسه أعداء بمبادرات شخصية منه، كما أنه يزيد من دوائر الأعداء الجدد بقرارت تخلو من الرشد حتى في حساب مصلحته الشخصية ومصلحة حزبه.
ثم انظر إلى سياسته الخارجية التي تسير على نفس المنوال، دون أن يضع في اعتباره أن المتغيرات ليست في صالحه، ولكنه يتعامى عن أن المزايا التي كانت تسمح له ببعض التدلل في علاقته بأوروبا وأمريكا، تبددت، غالبًا لأسباب موضوعية، فلم يعد لموقعه الجغرافي الميزة السابقة، كجار على تخوم المنطقة العربية التي لهم فيها مصالح ضخمة، لأنه لم ينتبه إلى أن التغيرات التي طرأت سمحت للغرب أن يتواجد بقواته في دول الجوار، العراق وسوريا، بما قلل من أهميته في هذا المضمار، إلا بقدر قليل. كما أن القاعدة الأمريكية التي توفرها بلاده لأمريكا في الجنوب، لتكون قريبة من سوريا، لم يعد لها ذات القدر من الأهمية بعد أن أسست أمريكا قاعدة لها شمالي سوريا.
إضافة إلى نقطة مهمة، حتى مع فشل الانقلاب العسكري، الذي أدانته القيادة الرسمية للجيش، إلا أن المحاولة قد أثبتت أن الجيش لم يعد كيانًا واحدًا يمكن أن يُشكِّل أرضية ثابتة لحلف الناتو، الذي يرى أردوغان أن خدمات جيشه في الحلف تعزز من قوة حكمه ونظامه. ولكنه، وفي سبيل السيطرة على الجيش، من أجل خرافة التمكين، وبضرباته في صميم الجيش واتهام قياداته بالتمرد والمروق، يقلل من قوة بند من بنود كانت تزكيه في تعامله مع الغرب!
ولكنه بعد كل هذا يستمر، بل يزيد، من ثقته في قوته وقدراته، إلى حد أن يتوهم أنه يملك أن يخاطب أمريكا بهذه الجسارة ويطالبها بتسليم منافسه العتيد فتح الله جولن! وبغض النظر عن تعقيدات القبول الأمريكي بالتسليم بهذه الصيغة، بافتراض أن الموافقة على طلبه مطروحة أصلًا، حتى إذا كان لديه أدلة دامغة على تورط جولن في محاول الانقلاب، فإن هناك روادع قوية تمنع أمريكا، منها أنها ستصير سابقة تؤخذ عليها وتُشجِّع على أن يطالب آخرون في المستقبل بالمثل، في تجاهل تام إلى أن أمريكا لديها حالات مشابهة لجولن من دول شتى، ومن الوارد أن يزيدوا، لأن أمريكا، كقوة كونية، يهمها ألا تقطع علاقاتها بطرف مهم من المحتمل أن يكون له دور مستقبلي في أي بلد في العالم.
وفي حالة جولن بالذات، فإن للرجل استثمارات بالمليارات، لابد أن تكون في حسبان أمريكا بخصوص بقائه أو مغادرته، أما طلب ترحيله، فهذا خيال كبير.
لقد صار أداء أردوغان مادة مغذية للسخرية منه، تجاوزت صورة النرجسي المستبد، إلى أن تكون أشبه بمن يهذي، ولكن كل من حوله أعجز عن أن يصححوا له أخطاءه أو أن يُبدوا اي قدر من الاختلاف معه.
وهذا يعزز من صحة نتائج التحليلات التي كانت ترى أنه يُصفِّي، عبر سنوات، داخل حزبه وجهاز حكمه، كل صاحب راي مخالف لرأيه أو حتى من يحرص على أن لا يتماهى في شخص الزعيم أردوغان!
لاحظ أن الإخوان المسلمين في مصر، عبر تاريخهم التليد، كانوا أحرص ما يكون على تطهير صفوفهم من كل صاحب رؤية، حتى من أشد المتحمسين والمخلصين لخطهم، ولم يبقوا إلا على من استعبدوا أنفسهم التزامًا بالسمع والطاعة، وهؤلاء هم الذين كانت القيادة تحتضنهم وتدفع بهم إلى الأمام وإلى أعلى، وكان الدكتور محمد مرسي نموذجًا لهذه السياسة.
ليست مصادَفة أن تتشابه الأحوال في مصر وتركيا إلى هذا الحد، مما يرجح أن تكون النهايات متشابهة.