بقلم: عبد السلام كمال أبو حسن
في نهاية 2013 وبعد قضايا الفساد والرشوة وغسيل الأموال في تركيا، أطلق رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لقب الكيان الموازي على حركة الخدمة -التي تستمد فكرها من المفكر والعالم التركي الأستاذ “محمد فتح الله كولن”- وذلك للتغطية على هذه القضايا واشغال الرأي العام بشيئ جديد ينسى به هذه القضايا.
وكان سبب هذه التسمية من وجهة نظر أردوغان، أن المحبين والمتعاطفين مع حركة الخدمة موجودون في كل مؤسسات الدولة سواء الخدمية أو الشرطية أو العسكرية، وأنهم من يقفون خلف هذه القضايا.
وإذا سرنا من هذا المنطلق وهذا المفهوم لوجدنا أنفسنا جميعا ندخل تحت هذا المسمى من وجهة نظر أردوغان، فكل شخص منا يؤمن بفكرة ويسعى إلى تطبيق هذه الفكرة -سواء كانت صالحة أو كانت طالحة-، وجميعنا تأثر بشخص معين في مجال تخصصه، فنجد أتباع المذاهب الفقهية موجودون إلى الآن ومنتشرون في بقاع الأرض وكذلك أتباع المذهب الإشتراكي أو العلماني، وكل منهم له توجهه ورؤيته في إصلاح الدولة، فهذا يرى أن الدولة العسكرية هي الحل وغيره يرى أن الدولة الإسلامية هي الحل، وآخر يرى أن الدولة العلمانية هي الحل….
ولذلك لو أخذنا منطق أردوغان وطبقنا هذا المنطق على كل شخص يختلف معنا فكريًا أو سياسيًا، وفعلنا كما فعل أردوغان من أقصاء لهذا الشخص أو هذه الفئة وصنفنا الناس بناء على قناعاتهم الفكرية، لو جدنا العالم بأسره كيانًا موازيًا.
هذا ما فعله أردوغان مع حركة الخدمة فبعد الانقلاب الفاشل في تركيا، وجد أردوغان أنّ هذه فرصة للقضاء على حركة الخدمة، وبدأت الحكومة التركية في اليوم التالي حملات اعتقالات لأناس لم يشاركوا في الانقلاب، بل أعلنوا رفضهم لأي انقلاب يحدث وكان موقفهم واضحًا في هذا الأمر، ولكن التهم ليست أنهم شاركوا في الانقلاب أو دعموه بل لكونهم ينتمون إلى كيان موازٍ والمقصود به حركة الخدمة، وتم توقيف ما يقرب 65000 شخص بنفس التهمة وكذلك إقالة ما يقرب من 100.000 شخص لكونهم ينتمون إلى كيان موازٍ.
وكان هذا المصطلح الذي استخدمه أردوغان من وجهة نظره، فرصة للقضاء على كل خصومه في الدولة والقضاء على أي معارض، وهذا ما حدث مع الصحفيين في تركيا.
لذلك أقول لأردوغان: “إن كل من يعمل من حزبك ويؤمن بفكرة الحزب أو برؤيتك في اصلاح الدولة، يجب أن يحاكم لأنه يشكل كيانًا موازيًا”.
ويجب على كل رئيس في كل دولة أن يحاكم الإخوان المسلمين أو أي جماعة أخرى أو أي حزب يؤمن بفكرة مغايرة لفكرة الحاكم، لأنهم بذلك يشكلون كيانًا موازيًا حسب تعريف أردوغان لمصطلح الكيان الموازي.
إن الدساتير الموضوعة في كل دول العالم لا تنظر إلى انتماءات الناس الفكرية، بل دائمًا تنص على أن كل شخص يتمتع بحق المواطنة عندها، يجب عليه أن يلتزم بالقوانين التي تحكم هذه الدولة، ولا تنظر أبدًا إلى قناعته الفكرية، ولا يوجد دولة في العالم تحاكم شخصا على قناعته الفكرية إلا الدول المتخلفة أو كما تلقب بدول العالم الثالث.
وبالتالي بين يد سيادة الرئيس رجب طيب أردوغان خياران؛ إما أن يعيد النظر في كل قرارته التي اتخذها ويعود إلى الحق، وإما أن تعود تركيا إلى أحضان العالم الثالث والعَودُ ليس أحمدُ.