بقلم: محمود عبد الرازق جمعة
اليوم تنتهي مهلة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، التي حددها بنفسه، لتسليم ملف يتضمّن أدلة إدانة الأستاذ فتح الله كولن، الأب الروحي لحركة الخدمة، في التخطيط لانقلاب 15 يوليو الفاشل.
كان جاويش أوغلو يتحدث لقناة “إن تي في” بكل ثقة، ويقول إن الأمر سيستغرق أسبوعًا، أو عشرة أيام فقط، لإعداد ملف كامل يقنع أمريكا بترحيل كولن إلى تركيا. واليوم انتهت هذه المهلة التي بدأت يوم 23 يوليو الماضي، وحتى الآن لا نجد من أوغلو ولا من الرئيس التركي أردوغان إلا الخطب الجوفاء، التي ليس فيها إلا إلقاء التهم بلا دليل، وتحريك الجماهير بالجُمَل الرنَّانة، كعادته منذ ظهرت أدلّة فساده هو وابنه وحكومته في 17 ديسمبر 2013.
إذا دققنا في ردود فعل أردوغان فسوف نجد أنه لا يستغني عن أمور ثلاثة:
أولًا: تخوين المعارضين ونعتهم بالعمالة للغرب وإسرائيل، في الوقت نفسه الذي يسعى هو فيه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتعاون مع أمريكا، ويطبِّع العلاقات مع إسرائيل.
ثانيًا: قطع كل طريق يُثبِت أنه فاسد، فيغلق وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتقل المعارضين، ويطرد الصحفيين، ويغلق الصحف والقنوات التليفزيونية، في الوقت الذي يتّهم فيه غيره من الرؤساء بأنه بعيد عن الديمقراطية.
ثالثًا: يخطب في الجماهير بمناسبة وبلا مناسبة، بكلمات متناقضة لا معنى لها، بأسلوبه وكاريزمته المعروفَين، فيصفّق له أعضاء حزبه وأتباعه وأتباعهم، وإذا وُجد بين المستمعين إليه معارض واحد أظهر أي شكل من أشكال الاعتراض، فإن قوات أمنه تحاصره وتشلّ حركته، ودومًا تجد منهم مَن يضع كفه على فم المعترض حتى لا يخرج صوته بأي كلمة تُدِين وليّ النِّعَم أردوغان.
هذه الأمور الثلاثة يفعلها أردوغان منذ ظهر فسادُه، وقد تَعلّم منها رجالُه كثيرًا، لهذا فإن وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أصابته العنترية فأعطى نفسه مهلة لمدة عشرة أيام، سيجمع فيها ملفًّا كاملًا يقنع أمريكا بضرورة تسليم الأستاذ فتح الله كولن… طيب، اليوم انتهت الأيام العشرة، فأين الملف؟
بالطبع مهلة الأيام العشرة ليست كافيةً، ولكن هل بالفعل بدأت المهلة منذ عشرة أيام؟
مطلب إظهار دليل إدانة ضد كولن ليس مطلبًا جديدًا، فأردوغان يطالب أمريكا منذ 2013 بتسليمه لتركيا، وطلبت واشنطن منه أن يأتيها بدليل لأنها بلد قانون، ليست عزبة ولا تكيَّة، وحتى الآن وبعد مرور نحو ألف يوم على طلبه تسليم كولن، فإن أردوغان لم يقدم أي دليل، ووزير خارجيته لم يجد أي دليل، ولن يجدا، فالإنسان الذي يعتمد على الأدلّة المنطقية والفعلية لا يحتاج إلى الجعجعة بالصوت، والإنسان الذي يلجأ دومًا إلى الجعجعة بالصوت هو شخص فقير الحُجَّة.
وإذا نظرنا إلى الصورة الأوسع فسنجد أن هذا هو ما يحدث مع حركة الخدمة في العالَم كله، فأكثر من 150 دولة رفضت إغلاق مدارس الخدمة لعدم وجود أي ضرر منها، بل لوجود فائدة كبيرة من وجودها لديهم، في حين أُغلِقَت في بضع دول أخرى، كالأردن، وحتى الآن فإن المسؤولين الأردنيين لم يذكروا أي سبب لإغلاق مدرسة الخدمة، وقد جاء في مواقع إعلامية إخبارية أن وزارة التربية والتعليم الأردنية قررت إغلاق مدرسة تابعة لغولن في العاصمة عمّان، في وقت تضاربت فيه المعلومات حول الأسباب وراء القرار. وأوردت صحيفة “الغد” الأردنية في 20 يوليو/ تموز 2016، أن الوزارة أمرت محافظ العاصمة بإغلاق المدرسة بعد أيام من سحب ترخيصها. ونقلت الصحيفة عن مدير التعليم الخاص في الوزارة أمين شديفات قوله إن إغلاق المدرسة يعود إلى مخالفات ارتكبتها إدارتها، دون توضيح طبيعة هذه المخالفات. وأشار أيضا إلى سبب آخر هو طلب تقدمت به السفارة التركية في عمّان إلى الوزارة من أجل إغلاق المدرسة…
“مخالفات”، كلمة مطاطة رنانة لا تعني شيئًا، ولم يحدث معها تحقيق ولا تدقيق ولا أي شيء، وكانت -ويا للعجب- تاليةً مباشرةً لطلب السفارة التركية إغلاق المدرسة… سبحان الله!
في النهاية قد تسلّم أمريكا الأستاذ فتح الله كولن لتركيا، فالمصالح الدولية والسياسية لا تعرف المنطق الإنساني، وتطأ القوانين والحقوق بأقدام السياسة القذرة، ولكن إذا حدث هذا فإن الأستاذ سيبقى قامة عالية، والسياسيين سيبقون سياسيين، والسياسة نجاسة.