القاهرة (الزمان التركية) :نشر موقع صحيفة “المصري اليوم” مقالًا للكاتب الصحفي ناجح إبراهيم، يتناول فيه العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومؤسس حركة الخدمة محمد فتح الله كولن، منذ بدايتها حتى انهيارها.
وأوضح إبراهيم أن بديع الزمان سعيد النورسي إمام صوفي تركي أعاد التدين والإيمان إلى تركيا العلمانية المتطرفة أما رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان فهو الأب الروحي للإسلام السياسي التركي، ويعد فتح الله كولن الأب الروحي للإسلام الاجتماعي والحضاري، أما أردوغان فهو الأب الروحي للديمقراطية التركية المحافظة التي لا تصطدم مع قيم المجتمع وتقاليده وتعاليم دينه.
واستطرد أن هؤلاء جميعا شربوا من معين واحد، وتضلعوا منه ولكن لكل منهم وجهته في الإصلاح وقبلته نحو تطوير تركيا الدولة والمجتمع.
■ وقد كان «كولن» الذي قارب على الثمانين الآن بمثابة الأستاذ والرائد «لأردوغان» في شبابه، ولكن السياسة فرقت بينهما كما فرقت بين كل الأصدقاء والأحبة حتى قتل المأمون شقيقه الأمين، وقتل عبدالرحمن الداخل تلميذه الذي أدخله الأندلس، وانتحر أو نحر المشير عبد الحكم عامر في عهد صديق عمره ناصر، وباع ضباط الثورة أستاذهم محمد نجيب بثمن بخس وأهانوه بقسوة.
■ كولن حظي بأجمل الألقاب في تاريخ تركيا قبل أن يصطدم بأردوغان، لقبوه بـ«الواعظ المتجول» و«الدرويش العملاق» و«خوميني الأتراك» و«صاحب العولمة الإسلامية الجديدة».
■ كانت كتلة أتباعه التصويتية في الانتخابات التي تبلغ 7% من إجمالي الناخبين في تركيا تصب لصالح حزب أردوغان، تفرغ كولن لخدمة المجتمع دون الدخول في السياسة.
■ أطلقوا على مؤسساته اسم «جماعة الخدمة»، رفض بذكائه أن يسمي أتباعه بأي اسم هروبا من الاستقطابات والصراعات والخلافات، اهتم بالعلم والتعليم، ألف 60 كتابا ترجمت إلى 30 لغة، أسس 300 مدرسة في تركيا و200 خارجها انتشرت من تنزانيا وحتى الصين، وأكثرها في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وإحداها في مصر وجميعها في قمة الرقي، وكانوا يصدرون جريدة” زمان” التركية التي كانت توزع نحو مليون نسخة، وكانت تترجم إلى لغات عدة، أغلقها أردوغان منذ فترة بعد مشاركة أتباع كولن في مظاهرات ميدان تقسيم، وكانت لديهم عدة قنوات فضائية.
■ وقد ساعد كولن أردوغان من قبل على تحييد الجيش وإجهاض انقلابات ضده، كما أسست جماعة الخدمة بنك آسيا وهو بنك لا يهدف للربح ولا يقرض بالفائدة ورأس ماله 125 مليون دولار.
■ وجماعة «الخدمة أو كولن» تجمع بين فكرتي الصوفية والعصرية فالأولى فيها التسامح وقبول الآخر وعدم التعصب، وعندما تضاف إليها العصرية تجمع خيرات كثيرة، وهذه الأفكار هي التي جعلت كولن يقابل بابا الفاتيكان الأسبق المعتدل «يوحنا بولس» ويلتقي رجال دين يهود دون حرج.
■ أما أردوغان فقد تعلم الإسلام الاجتماعي والخدمي من كولن، وتعلم الإسلام السياسي من أربكان، وتعلم الديمقراطية المحافظة من تورجوت أوزال، وقد ساعده كولن على الانشقاق على أربكان وتطليق فكرة الدولة الضيقة عند أربكان وخلع قميصها، فقد كانت تركيا أوسع من علمانية أتاتورك وفكر أربكان.
■ لقد كان فكر«كولن وأردوغان وجول» مناسبا لتكوين دولة ديمقراطية حديثة محافظة ومتوافقة ومتناغمة محليًا ودوليًا.
■ أحب الجميع نموذج أردوغان في البداية لأن تركيا وقتها كانت تساوي «صفر مشاكل»، وكانت وسيطًا مقبولًا لحل المشاكل الداخلية التركية ومشاكل الإقليم أيضًا، تصالحت مع الجميع داخليًا وخارجيًا وحلت أعتى المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى رأسها مشكلة الأكراد والأتراك، ووصلت إلى أعلى معدلات الرفاهية.
■ وبعد سنوات طويلة إذا بأردوغان يريد تقليد النظام الروسي في تبادل المواقع الرئاسية، وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، ويتدخل في الدول المجاورة ويخرج من نموذج الديمقراطية المحافظة المتسع نسبيًا إلى نموذج آخر أضيق منه بكثير وأقرب إلى نموذج أربكان الذي طلقه من قبل، ناسيًا أخطاء الأخير، ويدخل في صراعات مفتوحة مع سوريا والعراق وإيران وروسيا واليونان وأرمينيا، ومصر، ويمارس السلطة كزعيم وليس كموظف، ويريد إطالة عمره في السلطة أكثر مما ينبغي مما يضر مشروعه في المقام الأول ويصطدم بجماعة الخدمة «كولن» حليفته السابقة.
■ لا شك أن أردوغان قائد عظيم ورئيس محنك وسياسي شجاع، استطاع بتليفون محمول وقناة فضائية واحدة أن يهزم هذا الانقلاب العسكري الشرس والمنظم، ولكن عليه أن يحذر أن يكرر خطيئة عبدالناصر مع الإخوان فيوسع دوائر الاشتباه أو يأخذ جماعة «كولن» بغير حق، أو يعمم العقاب عليهم ويصادر حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويخلق صراعًا غير مسبوق بين أكبر فصيلين إسلاميين العدالة والتنمية وجماعة «كولن».
■ تعميم العقاب أو الأحكام وتصفية فصيل اجتماعي كامل سيحول تركيا من نموذج يحتذى إلى دولة شرق أوسطية، وقد يحول جماعة «كولن» تحت الضغط إلى التشدد أو العنف.
■ أردوغان قائد عظيم ولكن البقاء الكثير في السلطة يضر الحاكم والدولة والمشروع والنموذج.
■ بين قهر الحاكم لخصومه السياسيين وقهره لشعبه ووطنه شعرة دقيقة لا يراها الحكام أبدًا، وخاصة التي تطول مدتهم في الحكم عن 8 سنوات.