في ديسمبر2014 أعلن الكاتب والناشط التركي عبد الرحمن ديليباك, الذي كان أحد المقربين من أردوغان والمدافعين عنه, شهادة صادمة عن كيفية نشأة وتأسيس حزب العدالة التركي, من أن الحزب أسسته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل كمشروع سياسي.
وأن القوي التي دعمت تأسيسه قدمت ثلاثة وعود, هي: تمكين الحزب من الحكم في تركيا. وإزاحة كل المشاكل أو من يتسبب فيها من أمام الحزب الجديد, مع تقديم الدعم المالي اللازم. أما المقابل الذي يتوجب الوفاء به فيتمثل بدوره في ثلاث قضايا أساسية كالتالي: تعزيز أمن إسرائيل وإزالة العوائق التي تعترضها.
ودعم تنفيذ أهداف مشروع الشرق الأوسط الكبير أي تغيير الحدود وإعادة رسم الخرائط عبر الأحداث والصراعات التي تمر بها المنطقة. وأخيرا المساعدة في إعادة تفسير الإسلام في المنطقة, وبمعني أدق تقديم نموذج جديد.
هذا المشروع كان مطروحا منذ عام 1998 في عهد تولي نجم الدين أربكان حيث كان من الواضح أن العناصر المحافظة وذات التوجهات الإسلامية أخذت تلعب دورا حاسما في التوجهات التركية. وقد قام أردوغان بتبرير قبوله لهذا المشروع بأنهم يجب أن يحصلوا علي الدعم اللازم وبعد ذلك يمكن التحول لخدمة الأهداف الأصلية سواء كانت وطنية أو قومية أو ايدلوجية, أمر يفتقر إلي البعد العملي, فكل من يدخل الحلبة مع الفيل يخرج منها مسحوقا, وأن الأمريكان لا يفعلون شيئا إلا لخدمة أنفسهم. علي ضوء هذه الوقائع والشهادات, يمكن فهم تناقضات مواقف وسياسات أردوغان الداخلية والخارجية وتحالفاته المتقلبة وانتهازيته السافرة التي يسعي لتغطيتها بخطاباته المطولة.. والأمثلة حاضرة وظاهرة علي كل الأصعدة.
الآن ينقلب أردوغان علي حركة الخدمة التي تمثل الإسلام الاجتماعي الحضاري في تركيا بعد أن استفاد من تأييدها ودعمها لأكثر من عشر سنوات, ويحملها بشكل كامل مسئولية الانقلاب الفاشل ويصفها بالكيان الموازي ويقوم باعتقال وفصل عشرات الآلاف من وظائفهم عبر قوائم تم إعدادها سلفا, في حين انه يستضيف ويدعم التنظيم الإخواني الذي لم يكن فقط تنظيما موازيا للدولة ومناقضا لها, بل كان أيضا يسعي لخلق مجتمع مواز منعزل شعوريا حسب مقولاتهم التأسيسية, في حين أن حركة الخدمة تقوم علي العكس من ذلك علي الانفتاح علي العالم ورفض فكرة الفسطاطين والثنائيات المغلقة جميعها التي يرتكز عليها تيار الإسلام السياسي.
اللافت أن تنظيم الإخوان وداعموه يهللون لأردوغان وإجراءاته الرامية إلي تكريس سلطويته ونقلها إلي مرحلة جديدة سوف تدفع بتركيا الي أتون انقسامات متداخلة ومتقاطعة, ويتشدقون بما يعني أن ما حدث في تركيا من خروج شعبي هو دفاع عن الديمقراطية ( وكأن الإخوان ديمقراطيين).. في الوقت الذي يتشبثون فيه بأن ما حدث من خروج شعبي ضدهم في ثورة30 يونيو كان انقلابا, مع أنه كان يقينا أكبر وأكثر زخما مما حدث في تركيا.. إن ما قامت به الدولة المصرية من إجراءات ضد إرهاب الإخوان وسعيهم لتقويض الدولة وإنشاء كيان مواز لا يمثل شيئا يذكر بالمقارنة مع ما يفعله أردوغان الآن, إن صحت اتهاماته لحركة الخدمة.. وهو أمر مشكوك فيه إلي حد كبير لأسباب موضوعية فليس ممكنا أن تجند الحركة ثلث جنرالات الجيش التركي الذي هو حصن العلمانية هكذا فجأة بين يوم وليلة ودون أن يدري أحد..!!, وأيضا لأن أردوغان ليس إلا مزيجا من الانتهازية والزيف كما هي كل حركات الإسلام السياسي التي تأخذ المنطقة كلها الآن إلي موجة عاتية من الدمار والتخريب.