بقلم د. أحمد فؤاد أنور
فى تصريحات لفتت الانتباه لأوجه التشابه بين الحالتين، حذرت عضو الكنيست اتسيبى لفنيب مطلع الأسبوع الجارى من وصول إسرائيل على المدى البعيد لمصير تركيا لكون التعاطى الشمولى مع الإعلام واحدا فى الدولتين.
وإذا بدأنا بالوضع فى تركيا باعتباره الأكثر التهابا سنجد أن قمع أردوغان الذى وصل إلى حد الجنون الهتلرى ارتكز على احتكار كامل للإعلام تابعنا فى ظله ما حدث ليلة 15 يوليو فى اسطنبول فقط من خلال كاميرات أردوغانية لم تستطع سد ثغرات فى سيناريو «الانقلاب» فى تركيا، رغم أننا لم نر «انقلابيا» واحدا يتحدث (رأينا فقط من قيل لنا إنه انقلابى مقطوع الرأس، أو مُعرى، أو يتعرض للتعذيب والتنكيل)، قبل أو بعد الأحداث، ولم تنقل قناة، أو صحيفة رأى الانقلابيين الافتراضيين الذين لم يطلبوا عبر الإعلام من الشارع أو الساسة أى دعم.
ببساطة انفرد أردوغان ومعسكره بتصدير الصورة التى يرغب فيها فى الوقت الذى يرغب فيه، باستثناء «بيان» غامض سرعان ما تم استغلاله بشكل عكسي، وتنصلت المحطة التى بثته من مسئولية بثه بانفراد أردوغان بالإعلام استتب الأمر له فى ساعات رغم مشاركة مزعومة لقادة ألوية، وفرق، وأسراب طيران، وقطع بحرية، ومدرعات. الإعلام الاحتكارى لم يشرح سر تخوف اردوغان من طلبة مدارس تم إغلاقها، ومرضى مستشفيات تم إغلاقها، لكنه على الأقل قلل من أهمية تلك الجريمة أو تجاهلها، ولأن الإعلام التركى تحت السيطرة تجاهل عدم منطقية اتهام أردوغان لمئات من حرسه الرئاسى بالمشاركة فى «الانقلاب». وقد كان يمكن لفرد واحد منهم أن يرديه قتيلا بكل سهولة!
منذ سنوات بعيدة صار الركض فى ميادين القتال مقرونا دوما بالأسلحة وبعدسات الكاميرات، وكثيراً ما يكون التخطيط لموقع وزوايا التصوير أهم من زوايا التصويب وحجم إطلاق النار ذاته السباق على بث كل ما يقنع الرأى العام الداخلى والخارجى بعدالة القضية التى من أجلها تم فتح النار أصبح حقيقة لا يمكن إغفالها، وعمليات ضخ أكبر عدد من المتحدثين الموالين فى كل المحطات المؤثرة باتت جزءاً لا يتجزأ من أى عملية عسكرية.. وبالتطبيق على تركيا نجد أنه لولا قمع الإعلام ما فلت أردوغان بجرائم الفساد التى تورط فيها هو وأسرته، ولولا قمع الإعلام ما فلت من ثبوت تسليحه لداعش، وتعاونه العلنى مع داعش، ومع إسرائيل، وقد شمل هذا القمع دون تحقيقات وقبل إعلان الطواريء سحب تراخيص 25 محطة تليفزيونية وإذاعية.
النموذج الأردوغانى فى قمع ومصادرة الإعلام استفاد فى الأغلب من منظومة أكثر حنكة ودهاء وخبرة قائمة -مثلما هو الحال فى تركيا الآن- على القمع، والإقصاء، والتخوين، واستغلال الدين، وهو النموذج الإسرائيلى الذى كما هو الحال فى تركيا يقدم نفسه على أنه نظام ديمقراطى ناجح، وهو ما يمكن ترجيحه نظرا لوجود أوجه تشابه فى التطبيق ولأسباب أخرى عديدة منها: وجود تعاون استخباراتى وعسكرى واقتصادى كامل مع إسرائيل، وقمع متزامن للجمعيات الأهلية فى إسرائيل وفى تركيا حيث بلغ ذروته بإغلاق 1125 جمعية كانت تنظم فعاليات بديلة للإعلام التقليدي.
فيما يتعلق بالإعلام فى إسرائيل نلاحظ أن الرقابة هى الأساس، فقد تأسست هيئة الرقابة العسكرية على الإعلام قبل قيام الدولة عام 1948، ورغم هذا لا يمل المتحدثون باسمها عن ترديد عبارات واكليشيهات تتحول إلى مسلمات بديهية نتيجة التكرار والتعتيم على الحقائق، والطريف أن الدعوة التى صدرت فى العام الماضى داعية فقط لتطوير وإعادة هيكلة الرقابة (وليس إلغاؤها) قابلها رفض شديد من صحفيين روجوا إلى أن التعديل من شأنه محاكمه أعداد أكبر من الصحفيين! بل وتم وصف الرقيبة الأولى السابقة بأنها رقيبة ليبرالية، رغم أن من داخل البرج الذى تقبع فيه هيئة الرقابة -فى قلب تل أبيب- تم الاستقرار على عشرات «الموضوعات» (تحديدا 38) التى يجب حين تناولها عرضها أولا على الرقابة قبل النشر.
وفقا لاعتراف الرقابة ذاتها فإن المنع يتم لأى موضوع يعتقد فيه الرقيب أن أمن إسرائيل سيتهدد بسببه مما يعنى أن الأمور مطاطة فضفاضة تقوم على تقدير ضابط برتبة متوسطة وربما مجند شاب لا علاقة له بالإعلام سواء بالدراسة أو الممارسة. الأمر وصل إلى متابعة دقيقة للحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى خاصة للصحفيين.
الغريب أن نتنياهو اعتبر مؤخرا أن ما تفعله الرقابة على مدار عقود صار -كما هو الحال حاليا لدى أردوغان- غير كافٍ فقرر كوزير للإعلام أن يصادر الأخبار والإعلام من المنبع بخطة محكمة فبعد سيطرة على القناة الثانية الإسرائيلية، وترصد ومضايقات مالية خانقة للقناة العاشرة المستقلة، حل الدور على قناة الكنيست، حيث شرع فى ضم إدارتها لمالك موقع إلكترونى مقرب منه، وإذا وضعنا فى الحسبان أنه يعمل بكل همة على ضرب صحيفة يديعوت أحرونوت ذات معدلات التوزيع الكبيرة لصالح صحيفة «اسرائيل هايوم» التى يملكها صديقه شلدون ادلسون، ويعتبرها البعض «مجلة حائط بيت نتنياهو» وهى توزع مجانا وتنشر الإعلانات بأسعار زهيدة تؤثر بالسلب على بقية الصحف، وتبث دعاية لنتنياهو فى وقت حظر الدعاية قبيل الانتخابات، مع ملاحظة أن نفس المالك اشترى جريدة ماقور ريشون الدينية، والموقع الإلكترونى السابق لجريدة معاريف أيضا، وعلى نفس المنوال تدخل نتنياهو فى أوضاع شبكة ايسب لقنوات الكوابل، مما دفع البعض للتقدم للتذمر من تعارض المصالح بتوظيف الإعلام بشكل فج وخشن لخدمة أهداف سياسية ضيقة ومنع توجيه انتقادات تمثل خطرا على استمرارية نتنياهو فى منصبه. الخلاصة أن كلا من إردوغان ونتنياهو بالفعل قمعا، ولا يزالان الإعلام بطريقة متشابهه لكبح غضب القوى الداخلية والخارجية أو على الأقل تضليلهم بقدر الإمكان فى ظل محيط إقليمى غير مستقر، ومحيط عربى ينزف.وصمت مريب لمن يدعم نموذج الدولة الدينية دوليا.
موقع ahram