بقلم تونجاي أوبجين
خلال ساعات الليل في تركيا وبالتزامن مع وقت خروج صلاة الجمعة في الولايات المتحدة، حلّقت المقاتلات في السماء وخرجت الدبابات إلى الشوارع في تركيا، وجميعنا شاهدنا ومازلنا نشاهد سويا ما يحدث في تركيا من تطورات مثيرة.
إن هناك الكثير من الجدل حول التفاصيل التقنية لمحاولة الإنقلاب، إذ أنه ليس هناك تفسير منطقي لمحاولة إنقلاب باستخدام مقاتلتين وأربع مروحيات وعشرين دبابة فقط لإطاحة سلطة قوية تحكم البلاد منذ خمسة عشر عاما، لكنني أريد أن أنحي هذه النقاشات جانبا لأبحث قضية جماعة الخدمة المستهدفة منذ الساعات الأولى لمحاولة الإنقلاب.
دعونا نطرح السؤال صراحة:”هل بإمكان جماعة الخدمة القيام بإنقلاب؟”كيف تتمكن حركة تعرف بتدينها أن يتوغل أتباعها في أعلى الرتب في القوات المسلحة التي تعرف بهويتها العلمانية منذ تأسيس؟ عندما نحلل المسألة من الجانب النظري يتبين لنا أنه يمكن لمجموعة بلغت عددا ورتبا محددة داخل الجيش، القيام بإنقلاب والإطاحة بالسلطة، لكن هذا الأمر غير سار لحركة الخدمة، إذ أن هذه الحركة تتبنى مبدأ بنّاء، وفي السطور التالية سأحاول تحليل هذه النقطة المهمة. إن هذه الحركة تتخذ مبادئها الأساسية من كتب الرسائل النور وكتب الشيخ فتح الله كولن بعد القرآن الكريم والسنة المطهرة، وعندما ندقق في هذه الكتب نجد أنها تفسر وتقيم القرآن الكريم والأسس الإسلامية من منظور محدد كسائر الجماعات الإسلامية الأخرى في تركيا.
إن حركة الخدمة التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى حركة عالمية هي في الواقع تتكون من كتلة متدينة وتسعى لتربية جيل متدين مثلها، وتعتمد هذه الحركة كل عمل تقوم بها على أساس مبدأ “الاقناع بالقول اللين وليس الإجبار بالشدة”وبمعنى آخر أنها تدافع عن إمكانية شرح الأفكار إلى الناس وليس فرضها في ظل العالم المتحضر الذي نعيش فيه اليوم. ولهذا فإنها تحظى بقبول على نطاق واسع في الدول الديمقراطية بشكل خاص.
ولاشك في أن الهدف الأساسي للحركة هو الإنسان في المجتمع الإسلامي وليس السلطة، حيث أنها تؤمن بأن المجتمع المؤلف من أناس متدينين وعلى خلق حسن سينعم بالهدوء والراحة والرفاهية، ولهذا السبب تؤمن الحركة بأنها ستتمكن من تحقق مبتغاها عبر الاهتمام بالأفراد وشرح أفكارها لكل فرد على حده. كما ترفض أن يُدفع المجتمع إلى التدين على يد السلطة لأن هذا الأمر سيخلق منافقين.
في ظل ارتكاز الكتب والمقالات والخطابات، التي تشرح نظرية الحركة، على تدين الأفراد فقط هل يعقل أن تتورط حركة كهذه إلى انقلاب عسكري؟ أي هل بإمكان جماعة تتحرك وفقا لهذه المبادئ القيام بإنقلاب؟ بالتاكيد لا.
هناك سؤال يتبادر إلى أذهان كثير من الناس في الوقت الراهن وهو ماذا يعني تغلغل أفراد الخدمة داخل مؤسسات الدولة؟ والجواب بسيط جدا إن الحركة لا تريد لأتباعها أن ينعزلوا عن المجتمع، بل تطالبهم أن يكونوا نماذج يحتذى بهم في المواقع التي يتواجدون فيها داخل الدولة، وتمانع في إظهار هويات الأفراد الذين يحبونها في الأماكن التي لا يُرغب تواجدها فيها، هذا هو خلاصة الوضع.
ولاشك في أن لجوء الحركة إلى الانقلاب لإعادة هيكلة المجتمع يعني معارضتها لنفسها وتخليها عن جميع مبادئها، فمن المعلوم أن الحركة نمت وتقدمت تدريجيا على عكس أتباع الإسلام السياسي، أما الإسلام السياسي فهو نهج يعمل على أسلمة المجتمع تدريجيا ويرى أن كل شئ مباح لتحقيق هذا، إن تطلب الأمر، مثلما يُلاحظ في نموذج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، لهذا من المستحيل أن تبلغ الحركة هذه النقطة وتلتقي بأتباع الإسلام السياسي فيها لان هذه يعني إنكار وجودها.