بقلم: ويسل أيهان
عندما تكتشف جريمة أي لص أو حرامي أو مرتشي نجد أنه يهرب من الجهات الأمنية هذا هو الواقع، لكن عندما يكون هذا اللص أو الحرامي ذو منصب رفيع في الدولة ويستند إلى قوة الدولة نجده في الغالب لا يختار الهروب عندما تكتشف جرائمه بل يهاجم الجهات الأمنية والقضاة ومدعي العموم وكأنهم هم الذين قاموا بهذه الجريمة، هذا ما فعله المتورطون في أعمال الفساد والرشوة من رجال الحكومة في تركيا أثناء عمليات مكافحة الفساد التي أطلقها رجال الأمن في ديسمبر عام 2013، حيث وجدنا المتهمين في القضية أطلقوا حملة اعتقالات في صفوف رجال الشرطة والقضاة والمدعين العموم للتستر على الفساد والرشوة بتهمة الانقلاب على الحكومة، والغريب في الأمر أنهم لم يكتفوا باعتقال وابعاد عشرات رجال الشرطة وقضاة المحكمة ومدعي العموم بل حطموا الآلاف من مدعي العموم ورجال الشرطة والقضاء بتصنيفهم ضمن الكيان الموازي ثم أقصوهم من وظائفهم، وابعدوا الآلاف من الموظفين الحكوميين المخلصين عن مناصبهم، كما قاموا أيضا بإغلاق كليات الشرطة وانتهاك حقوق آلاف الطلاب في تلك الكليات من خلال طردهم من مدارسهم بتهمة صلتهم بالكيان الموازي دون تقديم أي دليل على صحة هذه التهم، وهكذا دفعوا تركيا إلى عصر جديد من تاريخ السرقة العالمي بارتكابهم أمورا تُصنّف كجرائم في القانون الدولي.
وفي البداية اعتقدنا أن غضبهم وجبروتهم نابع من كشف فضائحهم أمام الرأي العام ولكن يبدو أننا خُدعنا إذ أن كل الأحداث غير القانونية التي يمارسونها ما هي إلاجزء من الأساليب القمعية التي يتبعونها في إدارة البلاد.
سبق وأن اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنهم راغبون في عمليات مطاردة الساحرات في صفوف أجهزة الدولة عشية تحقيقات ديسمبر التي اكتشفت فيها عمليات الفساد والرشوة داخل الحكومة على نطاق واسع، ولا شك في أن هذه التحقيقات التي اعتبرتها الحكومة محاولة للانقلاب عليها ما هي إلا ذريعة للسيطرة على جميع أجهزة الدولة منها الجهاز القضائي والأمن، والوعود التي قطعتها الحكومة في مجلس الأمن القومي عام 2004 بتوقيعها على قرارات القضاء على حركة الخدمة، لم يصدق أحد منا عندما اكتشف عام 2013 بل قلنا إنهم وقعوا على هذه القرارات شكليا لن تدخل حيز التنفيذ، فلنتذكر الآن بنود هذه القرارات معا:
1- مراقبة مدارس جماعة الخدمة وكتابة تقارير بحقها.
2- تتولى وزارة الداخلية التركية مراقبة المساكن الطلابية للخدمة وإغلاقها.
3- مراقبة التبرعات عبر مجلس التحقيق في الجريمة المالية.
4- سحب التعليمات الموجة من وزارة الخارجية التركية إلى السفراء الأتراك الخاصة بتقديم الدعم لأنشطة
مدارس الخدمة بالخارج.
هذه هي البنود الأربعة التي سبق أن نفتها الحكومة وقالت إنها لم تدخلها حيز التنفيذ، لكن تبين اليوم أن الحكومة برئاسة أردوغان تحملت مسؤولية تحقيق هذه البنود وغيرها التي تنص على القضاء على الحركة، حيث أن الاجراءات التي تمارسها الحكومة ضد أفراد الخدمة تؤكد ما قلناه.
وفي الحقيقة فإن هذا الظلم الممنهج لم يقتصر على من كشفوا فساد حكومة العدالة والتنمية، لأن المهمة الرئيسة التي حملتها الحكومة على عاتقها كانت القضاء على الحركة بشكل تام.
يا ترى ما الجرم الذي قد ترتكبه مدارس تربي طلابًا يحصلون على ميداليات على جميع المستويات وأنجح طلاب وأكثرهم خلقًا باعتراف أعضاء حزب العدالة والتنمية بأنفسهم؟ هل هناك تفسير منطقي لتلقيب المدرس بالإرهابي؟ لا يمكن ذلك ولكن المهمة التي حملوها على عاتقهم أجبرتهم على الصاق مثل هذه التهم غير المنطقية.
هناك مثل تركي يقول “القطة تأكل صغيرها بعد أن أقنعت نفسها أنه من الجرزان”، وما نراه اليوم من الحكومة من مساعي القضاء على أفراد الخدمة وإغلاق مؤسساتهم التعليمية والاعلامية شبيه بحال هذه القطة لأن أفراد الحركة هم أبناء هذا الشعب.
من الواضح أن نواب حزب العدالة والتنمية والجماهير المؤيدة للحزب رهنوا عقولهم ولا أحد منهم يحاول تحليل الأحداث الجارية في البلاد بمنطق سليم، والدليل على ذلك أنه لا يمكن أن ينزعج أحد من مدارس تقدم فعاليات تعليمية وثقافية في 160 دولة حول العالم، من قد يتضرر من مستشفى تخدم آلاف المرضى في المدينة الواحدة وتوظف المئات من الأطباء وطواقم العمل؟
وكيف يمكن الانزعاج من تقديم جمعية “هل من مغيث”؟ (Kimse yok mu?)” الخيرية المساعدات لمئات الآلاف من المحتاجين داخل تركيا وخارجها؟ ومن ينزعج من إجراء جراحات لآلاف المصابين؟ أجيبوني! لكن طالما أنه هناك إعلاما يكرر ما يقوله أعضاء الحكومة كالبغبغاوات فبإمكانهم تصنيف الطبيب والممرضة وفاعل الخير كإرهابي ومهاجمتهم,
وشاهدنا في هذه الفترة إعلان الحرب على الفئة التي سبق وأن وصفوها بأنهم أبرياء من الحركة، وكبلوا المحجبات وزجوا بالنساء في الشهر الثامن من الحمل وكبار السن في السجون، بل وهاجموا أيضا ذوي الاحتياجات الخاصة، جميعها أمور قد لا تشهدها أي دولة قمعية في العالم.
وفي هذه الفترة شهدت البلاد استغلال الحجاب في تحقيق الطموحات السياسة في الميادين خلال الخطابات والقضاء على الحجاب الاسلامي.
قضى هؤلاء على هاجس الحلال رغم استخدام البسملة في جميع المناسبات، كما شهدنا أيضا أناسا منهم يرتدون العمائم ويأكلون المال الحرام ويقبضون الرشاوى بدعوى أنها العشر، وبهذه التصرفات أبعدوا الملايين من الشعب عن الدين فضلًا عن نفور البعض منه، وتربّحوا من مكانة التقوى والتدين في النفوس، وبات الحجاب سلعة لعروض الأزياء، فضلا عن تلطيخ جميع القيم الدينية لإخفاء الأكاذيب والافتراءت.
نعم إنهم نجحوا في مهمتهم وأصبحوا شركاء في المهمة مع دوغو برينيشيك (رئيس حزب الوطن اليساري التركي وعضو منظمة أرجينكون الانقلابية) أحد قادة الدولة العميقة، وقد أثبت هذه الشراكة أن كلا من أردوغان وبرينيشيك يسعيان لتحقيق نفس المهمة وهي القضاء على حركة الخدمة.
وفي هذه الفترة تبين بوضوح الشمس عقب الاتفاق مع إسرائيل أن موقفهم العدائي لسلطات الإسرائيلية والموقف المتضامن مع القضية الفليسطينية خلال السنوات الطويلة واستغلالها لجلب أصوات الناس لم تكن إلا موقفا صوريا وشكليا لا علاقة له بالحقيقة،لا شك في أن نواياهم الحقيقية انكشفت ولم يعد أمامهم ما يستخدمونه لاخفاء ذنوبهم سوى مصطلح الكيان الموازي، وعندما باتت هذه الكلمة تفقد بريقها يومًا بعد يوم، وجدناهم يتهمون الحركة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد ليلة الجمعة الماضية دون أن تتبين ملابسات الأحداث، فأنا متأكد أن هذه الكلمة السحرية بالنسبة إليهم، لن تنفعهم في الفترة القادمة مهما استخدموها.
يبدوا أنهم اعتقدوا في بادئ الأمر أن أنصار حركة الخدمة كأنصار حزب الرفاة الذين أعلنوا مساندة حزب العدالة والتنمية بعد إقصاء أربكان عن الساحة السياسية على يد السيد أردوغان، وفي الواقع لم يتمكنوا من اكتساب دعم من أنصار الحركة سوى شرمذة قليلة من البائسين أو ثلاثة مطرودين من الجماعة، فكلما هاجمت الحكومة الجماعة ازدادت قوة واتجهت إلى المولى عز وجل، ولم ينزلوا إلى الشوارع،وهناك أمر مهم أيضًا أن الحزب الحاكم اعتقد أن قوة الجماعة وقيمتها تنبع من أمتعتها ومبانيها، في حين أن هناك قيمة للجماعة لم تنهدم على مدار التاريخ ولم يتمكن أحد من إنهائها ألا وهى الإيمان والاخلاص في العمل والدعوة،، لم تطلها أياديهم الملوثة، وعجزوا عن تحطيم شخص واحد مرابط، بل إن ظلمهم أصبح تعويذة سحرية بالنسبة للحركة للمضي قدما لتحقيق آمالها والتي تتلخص في تربية أجيال متعلمة.