[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]المجتمع التركي مجتمَع متماسك مهما كان حال سياسيِّيه، وهو مجتمع واعٍ مهما تأخَّرَت مظاهر هذا الوعي أو أُجِّلَت، وهذا التماسُك وهذا الوعي واضحان في تمكُّن هذا المجتمع من النهوض بوطنه في سنوات قليلة لا تُذكَر في عمر الزمان، فقد استطاع أن يُخرِج وطنه من أتون الفساد والاضطرابات والانقلابات، ويضعه على طريق النموّ والازدهار.[/box][/one_third]إذا كنت تعيش مع أناس غيرك في دائرة واحدة، وكلما صدر من أحدهم أمْرٌ أزعَجَكَ طردتَه خارج الدائرة، فلن يمرّ وقت طويل حتى تجد نفسك وحيدًا فيها كأنك نقطة وحيدة، وجميع مَن كانوا معك أصبحوا يحاصرونك. هذا من البديهيات أو المسلَّمات التي لا يُنكِرها عقل ولا عاقل.
المجتمع التركي مجتمَع متماسك مهما كان حال سياسيِّيه، وهو مجتمع واعٍ مهما تأخَّرَت مظاهر هذا الوعي أو أُجِّلَت، وهذا التماسُك وهذا الوعي واضحان في تمكُّن هذا المجتمع من النهوض بوطنه في سنوات قليلة لا تُذكَر في عمر الزمان، فقد استطاع أن يُخرِج وطنه من أتون الفساد والاضطرابات والانقلابات، ويضعه على طريق النموّ والازدهار، لينافس اقتصاده ووضعه السياسي والاجتماعي دول الغرب المتقدِّم… كل هذا عن طريق التضافر والتماسُك داخل دائرة واحدة تضمّ كل أطياف المجتمع مِن حكومة ومعارَضة واقتصاديين ورجال أعمال وإعلام، ومواطنين عاديِّين. وكذلك عن طريق تعاوُن هذه الدائرة الشاملة، مع دوائر أخرى في الدول الأخرى، من أجل علاقات طيبة مع دول العالَم تعضِّد النموّ والتقدُّم والازدهار المرجوّ من وراء كل هذا، والذي يعود بالنفع على المجتمع وأفراده حاكمين ومحكومين ومُعارِضين.
وإذا تَأمَّلنا ما يحدث في تركيا منذ فضائح السابع عشر من ديسمبر الماضي حتى اليوم، فسوف نجد أن حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة رئيسه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، بدأ يخرج من كل هذه الدوائر، ويتحوَّل إلى نقطة وحيدة مُحاصَرة! ففي الدائرة الداخلية للمجتمع التركي أصبح خطاب الحزب خطاب كراهيةٍ صريحًا، أصبح الحزب يتَّهم كل مُعارِض له بالخيانة والعمالة للأعداء (؟) وبأنه كارهٌ للوطن، وبالانتماء إلى “الدولة الموازية”، إلى آخر الاتهامات التي ملؤوا بها وسائل إعلامهم حتى باتت يمجُّها الجميع. وينطبق هذا على المجتمع ككل، بأحزابه ومؤسساته وإعلامه وقضائه ونيابته العامة ورجال أعماله، إلخ، أضف إلى هذا أنهم عمُّوا بهذه الاتهامات كل مَن يعارضهم، وخصُّوا بها أفراد حركة “الخدمة” الذين لم يُعلَم عنهم أي فساد أو شر أو عمالة، بل لم يُعلَم عنهم إلا الانضباط الأخلاقي والديني.
وفي دائرة الدول العربية والإسلامية بدأت صورة رئيس الوزراء التركي تتغيَّر سلبًا، منذ خروجه الفَجِّ عن آداب الحوار واللغة السياسية، فأصبح يتدخَّل في خطاباته في الشؤون السياسية لبعض الدول العربية والإسلامية، وينحاز إلى بعض التيارات دون بعض في هذه الدول، مِمَّا جعل الإعلام العربي والإسلامي يسلِّط الضوء على فضائحه وفساده وفساد حزبه وحكومته، فأصبح من الثوابت في نشرات الأخبار العربية الحديث عن تسريبات مكالماته مع ابنه حول غسل الأموال وتهريب الأموال وعدم السماح للشرطة بالعثور على الأموال، بالإضافة إلى أموال الرشوة التي يحصل عليها من رجال الأعمال. فأصبح كثيرون من العرب والمسلمين يراجعون أنفسهم في ما كانوا يُكِنُّونه له من احترام وتقدير لدوره في رُقِيّ تركيا خلال السنوات العشر الماضية، ويرون في كل ما فعله فيها وسيلة للنهب والسرقة لا وسيلة للتطوير والتقدُّم.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]كل هذا الذي يقترفه أردوغان وحزبه وحكومته جعل الجميع، في داخل تركيا وفي خارجها، يسخرون منهم ويغيِّرون آراءهم فيهم، ويتخذون منهم مواقف مغايرة لِمَا كانوا عليه. كل هذا جعل هذه الدوائر جميعًا تبتعد عن أردوغان وحزبه وحكومته، لأن مَن يقترب من الفساد يُلوَّث به.[/box][/one_third]أيضًا في الدائرة العالَمية ومكانة تركيا عند الغرب، أصبحت حكومات دول الاتحاد الأوروبي توجِّه بشكل دائمٍ انتقاداتٍ للنظام التركي ومخالفاته المستمرة لمبادئ الديموقراطية والعدالة والحريات، خصوصًا أن هذه المخالفات تحدث على ملأ من الجميع، ومن ذلك مثلاً طرد الصحفي بجريدة “زمان” التركية أوصال أوغلو من مؤتمر “الاستثمار في تركيا” دون سبب، اللهم إلا أن رجال أمن الوفد التركي طلبوا ذلك من القائمين على المؤتمر. والأمر نفسه يحدث بأشكال أخرى، تبدأ من تجاهُل أسئلة صحفيِّي الصحف الْمُعارِضة للنظام التركي، وتصل إلى سَبِّ الصحفي الذي يسأل واتهامه بالخيانة وبالانتماء إلى الدولة الموازية… وكل هذا على مرأى ومَسْمَع من العالَم.
ويسبق كلَّ هذا دعوةُ رئيس الوزراء التركي أردوغان دولَ العالَم إلى إغلاق المدارس التركية فيها، التي أنشأتها حركة “الخدمة” لنشر اللغة العربية وتعاليم الإسلام والفِكْر الإسلامي السَّمْح. كذلك دعوته أمريكا إلى تسليم الداعية والمفكِّر الإسلامي محمد فتح الله كولن لتركيا رغم أنه لم يصدر بحقه أي حكم قضائي تستند إليه الحكومة في طلبها! بالإضافة إلى موقف الحكومة المُخزِي من مأساة انفجار منجم الفحم في بلدة سوما، الذي أودى بحياة أكثر من ثلاثمئة عامل، إذ نفَت الحكومة عن نفسها وعن شركة التنقيب عن الفحم المسؤولية، وذلك قبل انتهاء التحقيق في الحادثة، وربما قبل بدئه. وفي الوقت نفسه يصفع أردوغان عاملاً لم يَلْقَ حتفه كان يتظاهر من أجل زملائه الذين ماتوا في الكارثة، ويركل أحد نائبي أردوغان بحذائه متظاهرًا آخَر ساقطًا على الأرض يمسكه رَجُلاَ شرطة… كل هذا أمام عدسات وسائل الإعلام المحلِّية والعالمية… وغيرها كثير من الحوادث والمواقف التي باتت أكثر من أن نحصرها، والتي بات الجميع في غِنًى عن ذكرها.
كل هذا الذي يقترفه أردوغان وحزبه وحكومته جعل الجميع، في داخل تركيا وفي خارجها، يسخرون منهم ويغيِّرون آراءهم فيهم، ويتخذون منهم مواقف مغايرة لِمَا كانوا عليه. كل هذا جعل هذه الدوائر جميعًا تبتعد عن أردوغان وحزبه وحكومته، لأن مَن يقترب من الفساد يُلوَّث به. ومع الوقت تتحوَّل دائرة حزب العدالة والتنمية إلى نقطة وحيدة تحاصرها دوائر عديدة، وعندما تتحوَّل الدائرة إلى نقطة، فإنها تؤول في النهاية إلى لا شيء.