أردم جول – صحيفة” جمهوريت” التركية
لا شك في أن المسؤولين الحقيقيين وأصحاب الرأي والقرار بحزب العدالة والتنمية لم يعجبهم تنصيب داود أوغلو كرئيس للوزراء ورئيس للحزب بسبب أسلوبه الإداري والذي لم يدم سوى عشرين شهرًا فقط.وكان أكثر ما أحبه أصحاب القوى والمناصب داخل الحزب في داودأوغلو هو رحيله.
وقد أعرب جميع أعضاء حزب العدالة والتنمية من وزير العدل بكير بوزداغ وحتى أصغر عضو بالحزب، الذين شاركوا في المؤتمر العام الاستثنائي للحزب الذي عقد مؤخرا عن ترحيبهم برحيل داود أوغلو مؤكدين أن السيد رجب طيب أردوغان هو الرئيس الفعلي لهذا الحزب.
وفي الواقع، هذه الحقيقة لم تظهر للمرة الأولى أثناء هذا المؤتمر، بل إنها إعلان صريح بعد تهيئة الأجواء داخل الحزب عقب الإنتخابات التي أجريت عام 2011، ولا شك في أن تصريحات أرطغرول جوناي الذي شغل منصب وزير في حكومة أردوغان تلقي الضوء على هذا المشهد حيث يقول جوناي:
” لدى العدالة والتنمية 20 مليون ناخب فضلا عن ملايين الأعضاء. وكان الشعار الوحيد المرفوع في أي اجتماع أو لقاء جماهري هو رجب… طيب… أردوغان. لم يرفعوا شعارات أخرى. لا للعدالة ولا للتنمية ولا للحرية ولا لأي شئ آخر. ولذا من السهل جدا إحلال الديكتاتورية في مجموعة كهذه”.
عندما أدرك جوناي هذا المشهد كان لايزال هناك سنوات عدة على تنصيب داودأوغلو في وظيفته الجديدة، يمكن القول هنا أن وجود السيد داود أوغلو في الحزب له تأثير كبير على تأخير إعلان أردوغان صراحة أنه رئيس الوزراء رئيس الحزب الفعلي،ولأن داود أوغلو كان سببًا في تأخير هذا الإعلان قام أعضاء الحزب بابعاد السيد داوود أوغلو من منصبه بطرق لا تليق برئيس حزب أو حتى بكونه بيروقراطيا بارزا في الحكومة بل عاملوه وكأنه يشغل منصب مدير شعبة في المديرية العامة لشؤون المياه أو المديرية العامة للطرق.
ولم يتوقف الأمر عند داودأوغلو فقط، بل تم تصفية كل من اعترض على رحيل داودأوغلو وجميع المطالبين بتنفيذ القوانين التي تنظم عملية ترك المنصب في الحزب، هل هذه التصفية تمت في الحزب للمرة الأولى؟ بالتأكيد لا، بل إن الأسماء البارزة وحتى مؤسسي هذا الحزب تعرضوا للمصير نفسه في وقت سابق فعبدالله جول وبولنت أرينتش وعبداللطيف شنر وحسين تشليك ونهاد أرجون وسعد الله أرجين ونعمت باش ليسوا إلا بعض من هؤلاء.
وفي الواقع فإن السيد داوود أوغلو وغيره ممن تم ابعادهم عن إدارة الحزب أعرضوا عن الفكرة الشائعة داخل الحزب” إما أن تقبل الوضع الجديد أو ترحل”، فأرينتش وتشليك أعربا في وقت سابق عن استيائهما بشكل علني من الوضع الجديد في الحزب حيث قالا إن العدالة والتنمية لم يكن مساره السياسي على هذا النحو عند تأسيسه، ونحن نريد الحالة السابقة التي كان عليها الحزب”. أما عبد الله جول رئيس الجمهورية السابق فنجده يعرب عن مخاوفه بشأن الحزب على نطاق أضيق.
وقد حدث نوع من التوتر بين جول وداودأوغلو خلال فترة الانتخابات الرئاسية التي انتهت بانتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية حيث استاء جول من داودأوغلو بسبب توليه رئاسة الوزراء دون انتظار انتهاء فترة حكم جول برئاسة الجمهورية إذ شاعت في هذه الفترة أن السيد جول يتطلع إلى العودة لرئاسة الوزراء بعد انتهاء فترة حكمه. لكن خلال المرحلة التالية قلل جول تلك المسافة وأقترب من داودأوغلو بدلًا عن أردوغان.
صحيح أنه ليس هناك في أجندة هؤلاء المعارضين، أو ما يعرفون إعلاميا بالمستائين من أساليب إدارة أردوغان، تشكيل حزب جديد ولكن يبدو أن لقاءات ستتزايد فيما بين هؤلاء المعارضين خاصة بعد المؤتمر الأخير للحزب والذي انتخب فيه بن علي يلدريم، المقرب من أردوغان، رئيسا للحزب.
. ففي الأروقة الخلفية لحزب العدالة والتنمية يُلفت الانتباه إلى الرسائل التي بعثها داودأوغلو في لقاءاته عقب تركه منصب رئاسة الوزراء. حيث يُقال إن داودأوغلو حتى هذه اللحظة لم يذكر أنه سيعود إلى التدريس الأكاديمي أو أنه سيغادر البلاد ويتجنب العمل السياسي كليا بل أشار إلى مواصلته العمل السياسي. أعتقد أن هذه النقطة مهمة جدا، فداودأوغلو بهذه التصريحات يشير أنه ما زال يريد أن يلعب دورًا في مستقبل الحزب.
ولاشك في أن كلمة الوداع التي ألقاها دواود أوغلو أمام مؤتمر الحزب والتي لم يذكر فيها أردوغان أو النظام الرئاسي سوى مرة واحدة فقط يؤكد على ما قلناه آنفا، كما أن كلماته بشأن رحيله “والتي قال فيها:”إنني أعي جيدا مدى الإنزعاج الذي يشعر به أعضاء العدالة والتنمية والشعب التركي في ضمائرهم بسبب رحيلي عن الحكم”مهمة للغاية، لكن أعتقد أن قوله ” إنني حملت على عاتقي هذه المسؤولية عشرين شهرًا، وسأكمل مساري لخدمة هذا الحزب معكم”أكثر أهمية إذ تعطينا فكرة بشأن طرق جديدة قد يتوجه إليها الحزب في المستقبل.
لهذا إن كان داودأوغلو قد أحدث حالة من الفرحة لدى إدارة العدالة والتنمية برحيله فإن تصريحاته هذه أحدثت حالة من القلق بالقدر نفسه.
وختاما لا بد من أن أشير إلى نقطة مهمة إذ أن السيد داودأوغلو قد اكتسب في أيامه الأخيرة في الحزب وصفا وهو “أنه بات ضحية” مما سيساعده في مستقبل مسيرته السياسية.