علي يورتاجول
إن هذه الأيام التي ستكمل فيها الأزمة السورية عامها الخامس تثير الكثير من التوترات. ولم يبدأ وقف إطلاق النار الذي كان من المفترض أن يبدأ في شهر يناير الماضي. بل إن المواجهات تزداد عنفا في هذه الحرب. كما أن كل المعطيات تشير إلى أن الأزمة السورية ستتعمق وستستمر لسنوات. بحيث ستصبح مثل أفغانستان جديدة، لتكون مركز الصراعات الإقليمية والدولية.
فالغرب بقيادة أمريكا يفتقر إلى إيجاد حل شامل في سوريا. فهو عاجز يكتفي بالمشاهدة. ولا يفعل شيئا سوى مكافحة التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة. حتى إنه يتفق مع روسيا لأنه يرى أن حل الأزمة السورية سيتحقق من خلال القوى العلمانية. كما أنه يدعم الاتحاد الديمقراطي، ويعتبر الأسد جزءا من الحل. والعالم العربي أيضا يبدو عاجزا، إذ إنه يفتقر إلى سياسة مشتركة في سوريا. فالسعودية ودول الخليج تنظر إلى الأزمة بمنظور إيراني وتعتبرها تهديدا شيعيا. في حين أن تركيا تنظر إلى الأزمة بمنظور دولة كردية تُقام على حدودها الجنوبية بقيادة العمال الكردستاني. فهي ليست على وفاق مع حلفائها حول الاتحاد الديمقراطي. أما الأكراد فهم يحاولون الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية. كما أنهم يحظون بالدعم الغربي، وفي الوقت نفسه يتحالفون مع الأسد وروسيا. ولكن ما الذي تريده إيران وروسيا في سوريا؟ ليس من السهولة فهم ما تريده الدولتان اللتان حافظتا على بقاء نظام الأسد من خلال الدعم الجوي الذي توفره روسيا، والمعارك البرية التي تخوضها إيران مع الآلاف من مسلحيها. فهما موجودتان في سوريا لإحياء نظام الأسد المتداعي. فهما من مفاتيح الحل في سوريا، إلا أنهما لا تمتلكان مشروعا للحل.
علما بأن نظام الأسد قد انهار لأنه نظام قمعي لا يلقى دعما اجتماعيا في سوريا. فهو جزء من المشكلة لا الحل، بل هو مصدر المشكلة. ويجب استمرار الوجود الإيراني والروسي في سوريا كي يستمر النظام في بقائه. ولذلك فمن المهم معرفة أهداف كل من إيران وروسيا في سوريا.
فلننظر إلى الأمر من وجهة نظر اقتصادية، ولنتساءل ما الذي لا تريده إيران وروسيا في سوريا. فالمصالح الروسية والإيرانية لا تواجه تهديدا في سوريا. علما بأن الجانب الاقتصادي في العلاقات السورية الإيرانية يكاد يكون مهملا. فالصادرات الإيرانية المحدودة موجود في سوريا أيضا وهي النفط والفستق الحلبي. وليس من الممكن زيادة حجم التبادل التجاري. في حين أن العلاقات التجارية بين سوريا وروسيا تكاد تكون مهملة إذا استثنينا الأسلحة التي تستوردها سوريا من روسيا.
فعلاقة إيران بسوريا هي علاقة دفاعية قبل أن تكون علاقة مصالح مشتركة. ولكن الغاية الأساسية من هذا الدفاع الاضطراري داخلية. فعلاقة بوتين والملالي الراديكاليين بسوريا جزء من الصراع على السلطة. فبعد أن رأت القوى الراديكالية الإيرانية بأنها لم تستطع نشر ثورتها في العالم الإسلامي، وبعد أن اضطرت إلى التراجع في موضوع المفاعل النووي، انتقل الصراع على السلطة في طهران إلى سوريا. فهذه القوى تعتبر انهيار نظام الأسد ولو بشكل جزئي، هزيمة بالنسبة لها. إذ إن القوى الراديكالية التي تنظر بعين الريبة إلى العلاقات مع الغرب، تعتبر سوريا مسرحا مهما للصراع، بل تعدها القلعة الأخيرة. فهم لا يدافعون عن الثورة الشيعية في سوريا فقط بل عن سلطتهم في إيران أيضا. أي إن إيران موجودة في سوريا لأن الحرب في سوريا هي صراع على السلطة في طهران، وليس لتحقيق مصلحة ما في سوريا. وبالتالي فإن مشروعهم لا يقتضي أن تكون سوريا دولة علمانية موحدة. حيث إن أزمة سوريا تشكل مصدر تهديد لإيران الغنية بالتنوع العرقي والديني. ولكن هذه الحقيقة لا تهم القوى الراديكالية. فهم يظنون بأنهم سيستمرون في السلطة من خلال تنفيذ الإعدامات.
ويمكن لأوباما أن يكسب إيران من خلال تعميق الحوار الذي بدأه حول المفاعل النووي. وكانت الرسالة الأولى والأهم هي الاتفاق على أن الاستقرار السياسي في إيران سيكون في صالح السلام في المنطقة والعالم، وفي صالح الغرب وتركيا.
في حين أن الرسالة الثانية هي حقيقة أن التناحرات والصراعات المبنية على أساس عرقي أو ديني في المنطقة برمتها هي مصدر تهديد لإيران.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن روسيا قوة أساسية في الأزمة السورية. ولكن ينبغي معرفة أنها لا تملك مشروعا سلميا. فإيران يهمها السلام في سوريا من أجل الحفاظ على وجود الأقلية النصيرية. فقد تكون طرفا في اللعبة، وفي صالح السلام.
ولكن ما الذي تريده روسيا؟ أود أن أجيب على هذا السؤال يوم الأحد.