فهيم إيشيك
بعد أن سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على سد تشرين واجتازته إلى غرب الفرات توقفت قبل وصولها إلى منبج. ومن المعروف أن هذه العمليات توقفت قبل الوصول إلى جرابلس كما كان مخططا له، بسبب توقف دعم القوى العالمية ولاسيما الدعم الجوي من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا التي لم تشأ تقدم هذه العمليات بقيادة قوات سوريا الديمقراطية إلى جرابلس، لكنها في الوقت نفسه لاتريد أيضا أن تدخل القوات التي تدعمها تركيا المناطق البينية وتسيطر عليها وتسيطر بعدها على منبج وجرابلس.
وبدأت في هذه الفترة مناقشات حول تحديد مصير مؤتمر جنيف الثالث، والأطراف التي ستشارك في الاجتماعات. وقد بذلت تركيا قصارى جهدها كي لا يشارك الاتحاد الديمقراطي في هذه الاجتماعات. وأخيرا بدأت اجتماعات جنيف في غياب الاتحاد الديمقراطي ولكنها لم تسجل أي تقدم يُذكر، وقد انسحبت قوات سوريا الديمقراطية أيضا.
في حين أن النقاشات حول حرب الأهلية الكبرى في المنطقة لم تقتصر على مؤتمر جنيف. حيث عُقد مؤتمر ميونخ الأمني للمرة 52 هذا العام، وتناول البحث في الأزمة السورية والمكافحة الدولية لداعش. ويمكن اعتبار قرار وقف الاشتباكات هو أوضح ما ورد في هذا المؤتمر، ولكن الحدث اللافت هو تأكيد أن داعش والنصرة تنظيمان إرهابيان.
وإن تقدم قوات سوريا الديمقراطية في ريف أعزاز جاء بالتزامن مع هذه المناقشات. فهذه القوات التي تقدمت نحو سد تشرين عن طريق كانتون كوباني وكانتون الجزيرة، ووصلت إلى مشارف منبج وتوقفت عن التقدم. ولكن عندما أخذت جبهة النصرة التي تكفلت بمضايقة كانتون عفرين حاولت خنق هذا الكانتون عن طريق قواتها المتواجدة في أعزاز، بغية قطع التواصل بينها وبين حلب، قامت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب بتنفيذ عمليات في مثلث عفرين وأعزاز وحلب. وقد سيطرت هذه القوات في مدة قصيرة على قرية مريمية بالقرب من مطار منغ العسكري جنوب أعزاز، ما أدى إلى ازدياد مخاوف تركيا.
وثمة عامل آخر يزيد من مخاوف تركيا، وهو سيطرة قوات النظام السوري على مناطق واسعة من ريف حلب الجنوبي. هذا بالإضافة إلى أن تقدم قوات النظام المدعومة من قبل روسيا في منطقة باير بوجاق (جبل التركمان) قد وضع تركيا في مأزق.
وإن كل هذه التطورات قد أججت المناقشات مجددا حول إمكانية دخول تركيا إلى سويا. بيد أنني لا أعتبر نشر الصحف الموالية للحكومة أخبارا متعاقبة حول العمليات التي استهدفت الاتحاد الديمقراطي، جزءا من هذه المناقشات الساخنة. فهذه الصحف نشرت أخبارا من هذا القبيل عندما توجهت القوات التركية إلى بعشيقة. حتى إن إحدى هذه الصحف بدأت تحلم بتحرير الموصل من داعش خلال ساعات. وبعد ذلك لم تر هذه الصحف كيف انسحب الجيش التركي، أو أوردت خبرا صغيرا في الصفحة 12.
فواضح أن هذه الصحف تمارس حربا نفسية في الداخل والخارج. وقد فعلت هذا مرارا. وما زالت مستمرة في ذلك من خلال الأخبار الكاذبة في بلدتي جيزره وسور.
ويبدو جليا أن هذه الأخبار الفانتازية التي تُعتبر جزءا من الحرب النفسية، لن تحدد ما إذا كانت تركيا ستدخل إلى سوريا أم لا.
وإن سلوك الحكومة التي يتأزم وضعها باستمرار في الشرق الأوسط، وسلوك أردوغان على وجه الخصوص هو الذي سيحدد دور تركيا في الحرب السورية بشكل أوضح.
فإذا حللنا الموضوع من هذا الجانب فإن أردوغان المقتنع بالعملية العسكرية لن يتوانى عن التدخل في سوريا.
ولا ندري إذا كانت قيادة الجيش مقتنعة بذلك أم لا. ولكن هناك من يرى أن الجيش لا ينوي دخول سوريا من دون موافقة القوى الدولية وبقرار من الأمم المتحدة.
ونحن نعلم بأن القوى الدولية والأمم المتحدة لا توافق على مثل هذا القرار بسهولة. ولا نتوقع أنهم يتخذون قرارا سيكون في مصلحة تركيا ويكون الجيش التركي هو من يلعب دور المحدد في تنفيذ ذلك القرار. لذا يُحتمل أن تكون هناك استفزازات جادة لدفع الجيش على الدخول في مغامرة لا تحمد عقباها.
كما يبدو مما يحدث أن هناك من يبحث عن مسوغ لدخول الجيش التركي سوريا. ولذلك قد يلجأون إلى الاستفزاز. علما بأن الجيش أطلق مجموعة من القذائف على مواقع للاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب في الشمال السوري منذ 3 أشهر، وكان آخرها قصف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية في منغ ومريمية. وثمة ادعاءات بأن كل القوى التي تقصف التجمعات البشرية في روج افا وجبل التركمان وأعزاز وجرابلس هي قوات تلقت تدريبا في تركيا وفيها عناصر من الضباط الأتراك والمجموعات الخاصة التركية. ولاشك في أن إرسال هذه القوات يهدف خلق أسباب ومسوغات لدخول الجيش إلى سوريا.
ويبدو أنه يُنتظر هجوم من الطرف المقابل ليكون ذلك مسوغا لدخول الجيش إلى سوريا. إن هذه العقلية التي ترغب إلى هذه الدرجة بالهجوم، وتقصف التجمعات البشرية، من دون أن تُطلق عليها طلقة واحدة، لا بد أنها لن تتوانى عن احتلال روج افا بمجرد أن تُطلق عليها طلقة واحدة.
فلماذا يقدمون على ذلك؟
أولا من أجل القضاء على المكاسب التي حققها الأكراد في روج افا، وكسر شوكتهم، وبعبارة أدق من أجل إخضاعهم للفكر البعثي.
ثانيا يضطرون إلى ذلك بعد هزيمة جميع القوات التي تدعمها تركيا والسعودية وقطر.