ممتاز أر توركونه
يكفي دليلا على وجود حرب كبيرة في بلدتي سور وجيزرة عددُ الشهداء والمدنيين المفقودين وخسائر منظمة حزب العمال الكردستاني والمباني المدمرة.
الجمهورية التركية هي التي انتصرت في هذه الحرب. فالحرب هي محاولة فرض إرادة طرف بالقوة على طرف آخر. فإرادة من هي التي انتصرت؟ ولمعرفة الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال يجب النظر إلى كامل الجبهة لا إلى ميدان القتال فقط. فالدولة والعمال الكردستاني يتحاربان منذ وقت طويل على جبهتين. فحرب الخنادق كانت حرب الدمار التي كانت وراء الجبهة الأساسية. علما بأن الجبهة الأساسية في سوريا. فبعد توتر دام طويلا سيطر الاتحاد الديمقراطي على مطار منغ العسكري، وبالتالي بدأت تركيا بقصف المطار، ما أشعل حربا كبيرة بين الطرفين. فالكردستاني خاض حرب الخنادق في سور وجيزرة للضغط على الدولة، وإحراجها على الصعيد الدولي. إلا أنه لم يحقق أيا من أهدافه من هذه الحرب التي خاضها لغايات تكتيكية. وصحيح أن الدولة انتصرت في هذه الحرب، ولكن الدمار لا يزال مستمرا. لم يساند الرأي العام العالمي العمال الكردستاني في سور وجيزرة. وحتى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية لم تكترث بالكردستاني الذي بدأ يفقد دعم القاعدة الشعبية. فحين صرح وزير الداخلية بأن الدولة ستقوم بردم الخنادق في بلدة نصيبين بدأالأهالي بالنزوح عن بلدتهم. فالأهالي النازحون يتساءلون: “لو لم يحفر الكردستاني الخنادق، فما الذي كان سيجلب الجيش والشرطة إلى هذه المناطق”؟
وكان”كلاوسيفيتس” مؤسس نظرية الحرب التي لا تزال سارية المفعول عالميا، قد رأى أن الحرب التي ليس لها أهداف سياسية عبارة عن إراقة دماء بلا فائدة. وينبغي التأكد من صحة هدف سياسي معقول من حرب الخنادق التي يسعى الكردستاني إلى توزيعها على مساحات واسعة بعد عيد النيروز (الربيع) في مارس/ آذار المقبل.
أولا إن حرب الخنادق لم تدعم تكتيكيا الحرب الأساسية في سوريا. ثانيا القوى العالمية لم تأبه بادعاءات الكردستاني بأن الشعب الكردي يتعرض لمجزرة. حتى إنه خسر الكثير في سوريا من الدعم الأمريكي. ثالثا القوى التي قدمت الدعم الكبير للكردستاني بدأت تستجوبه عن نواياه.
لكن ما الذي يمكن أن يحدث بعد عيد النيروز؟ حتى يستطيع الكردستاني توسيع نطاق حرب الخنادق، ينبغي عليه إيجاد ذريعة مناسبة في سوريا. ولكن إذا بدأت المفاوضات حول الشأن السوري في الربيع كما هو متوقع، فإن الاتحاد الديمقراطي قد يخوض حملته الأخيرة للسيطرة على غرب نهر الفرات. وحينها يمكن إجراء حسابات حول ما إذا كانت حرب المدن التي قد تنتشر على نطاق واسع في جنوب شرق تركيا، ستدعم هذه الحملة أم لا.
في حين أن الخسائر السياسية التي مُني بها الكردستاني في سور وجيزرة، أكبر بكثير من خسائره للعناصر والمواقع. وكنت قد ذهبت إلى مدينة ديار بكر بعد انتخابات 1 نوفمبر، وحول تحليل حرب الخنادق التي بدأت في أواسط يوليو، وتوقفت مؤقتا قبيل الانتخابات، كان معظم أهل المنطقة يرون بأنه مهما حارب الكردستاني، فإن الدولة سترد عليه بالمثل حتى لو استمرت الحرب مئة سنة. وقد أثبتت الدولة صحة هذه الرؤية رغم سقوط العديد من الشهداء. ولو أن الكردستاني خاض حرب خنادق في مراكز 35 مدينة في نفس الوقت، فإن الدولة من خلال خبرتها تنظف بهدوء كل تلك الخنادق. حيث إنها تستخدم الأسلوب التقليدي في قمع الثورات. وهذه سياسة خاصة للدول في هذه المنطقة. فالدولة حين تقمع ثورة، فإنها تغير المنظومة وترسخ استمرار سلطتها. أي إنها تحول الثورات إلى فرص لتعزيز حكمها. ولا يمكن للكردستاني أن يحقق أية نتيجة سياسية ما لم يكن هناك تدخل خارجي.
عليكم ألا تظنوا بأن الأمور تسير كما هي منذ 32 سنة. فقد تغير الكردستاني كما تغير الشعب وتغيرت الدولة. وانتهت المشكلة الكردية التي تعتبر مشكلة إنسانية. وبات الكردستاني تحت سيطرة اليسار التركي المهمش، وهو يسعى إلى تحصيل مكاسب تنظيمية لاسيما في المناطق التي سيحكمهما،كما أنه أصبح وكيل القوى الدولية.
علما بأن فترة مسيرة السلام كشفت بما فيه الكفاية عن نوايا الكردستاني الذي اتخذ من هذه الفترة وسيلة تكتيكية بسيطة أمام الأكراد رغم أن ثمن ذلك كان باهظا.
إذن فالعمال الكردستاني خسر حرب الخنادق سياسيا وعسكريا.