بقلم: جومالي أونال
في الوقت الذي يتدهور فيه الوضع الاقتصادي في تركيا على نحو سريع وتتوالي الزيادات في الأسعار والضرائب الواحدة تلو الأخرى وأصبحت الدولة في عزلة لم يبق لها أي صديق في العالم وتتزايد بسرعة حالات السرقة والاحتيال والإرهاب والمخدرات في المجتمع، يتبادر إلى الأذهان السؤال عن الأسباب التي تقف وراء استمرار الشعب التركي في إبداء الحب والتأييد للرئيس رجب طيب أردوغان؟
من الممكن أن نذكر عشرات الأسباب للإجابة عن هذا السؤال إلا أنه يمكن الحديث هنا عن بعض الأسباب الرئيسية التي تلفت الأنظار للوهلة الأولى:
- عدم وجود معارضة فعّالة في تركيا:
فأكبر أحزاب المعارضة في تركيا هو حزب الشعب الجمهوري. ولأنه حزب يساريّ، وأسَّسه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، الذي تنظر الشريحة المحافظة والمتدينة في البلاد إليه باعتباره عدواً للدين، ونظراً لأن 99 من السكان يدينون بالإسلام، فإن مجال حركة هذا الحزب وقوته يضيق ويتقلص جداً.
أما حزب الحركة القومية، ثاني أكبر أحزاب المعارضة،فيمكن القول بأن عجزه عن إيجاد حلول لأية مشكلة، ونظرة الرأي العام إليه على أنه الحزب الاحتياطي لحزب العدالة والتنمية الحاكم ويملأ ثغراته عند الحاجة، وعدم ترك زعيم الحزب دولت بهشلي زعامة الحزب، بالرغم من الكثير من الهزائم الانتخابية التي مُني بها، يخرج هذا الحزب أيضًا من دور الحزب البديل أو المنافس.
أما حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، فهو حزب قومي كردي يخاطب الأكراد الذين يشكّلون 15 في المئة فقط من السكان في تركيا.
- براعة أردوغان في استخدام الخطابات الدينية، وخروجه في الميادين الانتخابية حاملًا المصحف في يده عند اللزوم، وقوله “يا الله.. بسم الله” في جل خطاباته، وإدلائه بتصريحات للصحفيين عقب كل صلاة جمعة، تولِّد حالة كبيرة من التعاطف له لدى الشعب.
- إدارة تركيا من قِبَل حكومات ائتلافية فاشلة باستمرار قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2003، وتعرض الاقتصاد لضربة كبيرة، أتاح للعدالة والتنمية فرصة فريدة من نوعها. وعلى الرغم من أن متوسط النمو الاقتصادي لتركيا في عهد العدالة والتنمية أقل من متوسط نمو تركيا على مدى 90 عامًا إلا أن ذلك تسبب في تشكيل فكرة بين الشعب مفادها “أن الحزب يعمل حتى لو كان يسرقنا” وذلك بسبب تشييده الطرق والمستشفيات والمدارس التي تلفت انتباه الناس.
- كون أردوغان خطيبًا مُفوّهًا، وطول قامته، ووسامته؛ هي أسباب تؤثر في الشعب.
- إن الصورة الذهنية التي يشكّلها أردوغان عبر كثرة حديثه عن العمليات الناجحة التي ينفذها ضد الدولة العميقة والحد من صلاحيات الجيش، تؤثر أيضًا في الشعب.
- تقديم فشل أردوغان الذي يسيطر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على أكثر من 90 في المئة من وسائل الإعلام تقريبًا، على أنه نجاحات. على سبيل المثال؛فأردوغان الذي جلس على طاولة مفاوضات مع مسؤولي منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية وغض الطرف عن حشد المنظمة للأسلحة وتخزينها على مدى عامين، سُرعان ما كسب دعم الشعب إلى صفوفه عن طريق شن عمليات أمنية ضد المنظمة الإرهابية بمجرد تراجع أصواته.
وجملة القول هي أن أردوغان- الذي يُعد أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ التركي- جعل تركيا واحدة من أكثر الدول احترامًا في العالم بعدما كانت تشهد انحطاطًا في المجالات كافة؛ الاقتصادية والسياسية والثقافية والدبلوماسية، إلا أنه بدأ يقود البلاد بعد أحداث الربيع العربي وأعمال الفساد التي تكشفت وقائعها في ديسمبر/ كانون الأول 2013 التي طالت رموزًا كبيرة في حكومته آنذاك إلى الهاوية والانهيار.