بقلم: علي أونال
إذ يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إنهم خانوني” يبوح في الوقت ذاته بـ”سبب” الحرب التي يقودها ضد حركة الخدمة بكل إمكانيات الدولة وقوتها الغاشمة. وهذا يعني أن أردوغان يسوّي بينه وبين السلطة الحاكمة بل تركيا برمتها.
في تركيا “الجديدة” التي بناها حزب العدالة والتنمية يمكن للشرطة أن تطارد شاباً سرق البقلاوة من محل للحلويات وتُعاقبَه؛ لكن إذا ما نُفِّذ القانون ضد الوزراء وأبنائهم يكون ذلك خيانة! بينما القانون ضروري للجمبع، والناس كافة أمامه متساوون. لو كان ظهر جزء قليل جداً من المشهد الذي أظهرته فضائح الفساد والرشوة في 17/25 عام 2013 في بلدٍ يسوده القانون لاسْتقلّ المسؤولون وسلموا أنفسهم للقانون. أما هذا الأمر في تركيا أردوغان فيعد خيانة موجهة ضد الحكومة!
يصف أردوغان الاستيلاء على المؤسسات التابعة للخدمة بـ”إعادة ما أُخذ من الشعب إليه مجدداً”. بينما الحقيقة أن هذه المؤسسات لم تُنشَأ بالأموال المنتزعة من الشعب، بل بالأموال التي قدمها الشعب طواعية. في حين أن ذلك الشعب لا ينعت الاستيلاء على تلك المؤسسات عبر تعيين أوصياء عليها برواتبَ مأخوذةٍ من أمواله تبلغ قيمتها 105 آلاف ليرة (نحو 35 ألف دولار) بـ”الإعادة” وإنما ينعتها بـ”الاغتصاب”. فبأي قانون من السماء أو الأرض يبادر أردوغان إلى مصادرة ثروةِ رجلِ أعمالٍ كسبها بالحلال وعرق الجبين والكدّ والعمل والإتقان والاحتراف، دون اللجوء إلى أية طرق شائبة قانوناً وشرعاً، باعتراف التقارير المحلية والدولية، ومن ثم يمنحها إلى أشخاص غير معنيين؟
والحال أن أردوغان إذ يفسّر حربه على الخدمة بـ”التعرض للخيانة” يكشف عن الحقيقة بكاملها في الوقت ذاته. لأن أردوغان، كما أثبتت التقارير الرسمية التي نشرتها صحيفة “طرف” من قبلُ، واعترف به نفسه وأعضاءُ حكومته، وقّع على قرار “القضاء على الخدمة” عام 2004 في اجتماع لمجلس الأمن القومي، وأعلن أنه كان يخطّط لإغلاق مراكز دروس التقوية منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2002.
كان الكاتب الصحفي المخضرم فهمي كورو يفسّر كثرة الحديث عن الخدمة وتضخيم قوتها عمداً وبشكل مبالغ فيه بـ”وضع البعض مخططات من أجل إجراء تصفية حسابات ومواجهة خطيرة عبر حركة الخدمة”، في مقال كتبه في 4 مايو / أيار عام 2009. إذن ألا يكون تحالفُ أردوغان اليوم مع البؤر التي كانت تضع مخططات مماثلة للإطاحة بحكومته أيضاً وإعلانُه الحرب على حركة الخدمة، مع أنها من أعدّت الأرضية التي وضع أردوغان قدميه عليها وقفز منها إلى درجات العلا في البلاد، بمثابة خيانة للدعم الصادق الذي قدمته له الخدمة؟
حسناً، هل يمكن أن يكسب أردوغان هذه الحرب ويقضي على الخدمة؟
- إن أردوغان يدير هذه الحرب وكأنه قد نسي الله؛ مدبر كل شيء، لكن العاقبة للتقوى دائماً.
- إن أردوغان شخص فانٍ زائلٌ، بينما الخدمة تيار اجتماعي ديني فكري علمي معنوي.. وهذا النوع من التيارات لم يُمكنِ القضاءُ عليها حتى اليوم ولا يمكن بعد اليوم أيضاً.
- كانت سلطات الحزب الحاكم في الربع الأول من عمر الجمهورية التركية، وكذلك الانقلابات العسكرية بعدها، قد خاضت غمار الكفاح مع حركات رسائل النور وتيارات فكرية أخرى مشابهة لها، فما هي النتيجة؟!
- يتحدث أحد المواطنين قائلاً: “والدتي كانت تكيل كل المدح والثناء على أردوغان وتنزهه عن كل خطأ. ثم عندما ذهبت لسحب معاش الشيخوخة لها من البنك قدمته لها ناقصاً 100 ليرة. وعندما استفسرتْ عن سبب هذا النقص قلتُ إن أردوغان اقتطع هذا الشهر 100 ليرة من رواتب كل المتقاعدين من أجل الانتخابات. عندها راحت والدتي تستخدم كل ما تعرفه من ألفاظ الدعاء على أردوغان!”
نخلص من ذلك إلى أن أردوغان يستند إلى أرضية واهية يمكن للموجودين فيها أن يبيعوا دينهم وآخرتهم وبلدهم في سبيل الحصول على 100 ليرة؛ بينما تقوم الخدمة على مبدأ العطاء والسخاء والإنفاق وتجنّب انتظار أي شيء، وعلى أبطالٍ مستعدين لـ”منح كل ثروتهم من أجل بسمة واحدة للأستاذ كولن”، من أمثال رجل الأعمال أكين إيباك المصادَرة جميع شركاته من قبل أردوغان.
- وليام روسل وإدوارد جيبون ونظراؤهما من العلماء والمفكرين الغربيين الآخرين يُرجعون سبب تغلّب النصارى على روما الوثنية إلى فضائل الأخلاق والتضحية والصبر والعفة التي كانوا يتحلّون بها؛ كما يعزون سبب هزيممتهم فيما بعد أمام المسلمين إلى فقدانهم هذه الفضائل وتحلّي المسلمين بها. وأبناء حركة الخدمة مجهزون بهذه الفضائل ولله الحمد.
- يستند أردوغان إلى 100 وقف “إسلامي” تعجز – باعترافه هو – عن إعداد 5 عناصر مؤهلين لتسلّم وظيفة معينة في مؤسسات الدولة؛ وإلى الذين يتغذّون على مال القطاع العام والعطاءات والمناقصات الحكومية، والذين يرون الدولة باباً للرزق؛ وإلى قاعدة حملت حزب الرفاه الإسلامي إلى سدة الحكم عام 1995 بعد الحصول على 22% من الأصوات، لكن بعد 7 سنوات انخفضت نسبة دعمها لحزبها إلى 2% فقط. أما حركة الخدمة فتقوم على أرضية تستطيع إخراج 100 إنسان مؤهلين من كل النواحي مستعدين لتسلم أية وظيفة وتعتبر كل المناصب والمواقع فرصة ووسيلة لمزاولة خدمته والاضطلاع برسالته السامية.
لندَعْ أردوغان يواصل حربه على حركة الخدمة مع حلفائه الجدد.. فهو سيمد يده إلى الخدمة للاستعانة والاستنجاد، بالضبط في النقطة التي سيزعم فيها أنه “قضى عليها”، عندما سيغرق في مستنقع المخططات المشؤومة لحلفائه في هذه الحرب، لكن اليد الحكيمة والعادلة للقدر سترفض هذه اليد.