علي بولاج
نعيش عهدا مشؤوما تطحن فيه حرب المذاهب عالمنا الإسلامي. ويلعب الكتّاب وقادة الفكر، والعلماء والمثقفون الذين يُجرون حسابات جيوسياسية ويعملون كامتداد لدول المنطقة، وينظرون في العالم وفي مشاكل المسلمين من خلال النظرة التاريخية التي تترك أثرا عميقا في العالم؛ والقوى الخارجية دورا كبيرا في تعميق واستمرار هذا الصراع إلى أن ينهار العالم الإسلامي.
وإن دول المنطقة دول قومية. في حين أن كل حركة سياسية منظمة في تشكيلة قومية، تسعى بطبيعة الحال إلى استجماع القوة، والنفوذ إلى المواقع القريبة والبعيدة. أما الدولة فهي جهاز نرجسي يعبد ذاته. ولا تتوانى عن استغلال أي شيء في سبيل نشر قوتها وتوسيعها. ونجد في التاريخ أن الدول والأنظمة والحكومات التقليدية التي تتشكل على أساس شعبي حديث، لا تتوانى عن استغلال أي شيء كمجرد أدوات. أما الدين فيأمر أتباعه بأن يجعلوا الدين خالصا لوجه الله، ويضع حدا لاستخدامه واستغلاله بشكل سلبي. ولكن دول المنطقة المتنافسة اليوم تتقنع بقناع الدين والمذهب مرة أخرى. وبالتالي تعرض الدين والمذهب وطبعا الناس للأذى. فيسفك المسلمون دماء بعضهم.
وكان الحاج علي قيسي الذي زار تركيا للمشاركة في “أمسية التعاون مع الشعب العراقي” في 25 مارس/ آذار 2006 قد قال: “عندما زُجَّ بي في سجن أبو غريب، كان أوَّل سؤال يوجَّه إليَّ هو “هل أنت شيعي أم سني” مع أني لم أواجه مثل هذا السؤال مرةً في حياتي. لا أحد يسألكم هذا السؤال في العراق. وكان عدد المعتقلين في سجن “أبو غريب” 400 شخص من العراقيين السنة والشيعة. وكان يصلي بنا إمام شيعي. وذات يوم أخرجه الجنود إلى الخارج بعد الصلاة، وسألوه أنت من مذهب مختلف فكيف تصلي بهم؟”
ومن المفترض أن يكون هناك حل للخلاص من هذه المصيبة. الحل موجود، ولكن علينا التفكير أولا فيما يجب علينا القيام به. فالقوى العالمية تفعل فعلتها، في حين أن الدول الإقليمية والحكومات السياسية والتنظيمات التي تتغذى على الصراعات المذهبية، لن تتخلى عن سلوكها هذا بسهولة. وإن السبيل إلى إيقاف القوى العالمية، والدول الإقليمية والمنظمات التي تنتهج سياسات مذهبية؛ هو أن يحدد الشعب المسلم قدره، وأن يطالب بإيقاف هذه اللعنة. وما سيقود الشعب لاتخاذ هذا الموقف هو التغيير الجذري والوعي بالمسؤولية. بيد أن القادرين على ذلك هم العلماء والمفكرون وقادة الفكر الذين لا يتماشون مع القوى العالمية. وإلا فسوف يراق مزيد من الدماء إذا بقي العالم الإسلامي على ما هو عليه اليوم، وتُرك فريسة للقوى العالمية.
سأنظر في موضوع المذاهب من زواية أخرى في هذا المقال. وستكون نقطة انطلاقي هي الفروق بين المذاهب في الفكر الإسلامي دون التركيز على المشّائيين والصوفيين كما هو معتاد. وهذا لا يعني أن أنبذ المشائيين والصوفيين. غير أن السبيل لقراءة تاريخ الفكر بشكل صحيح اليوم هو النظر إلى كل مذهب من المذاهب على أنه تيار ومدرسة والتزام يحدد الفكر السياسي. لذا فإن قراءة تاريخنا الفكري من خلال المذاهب، سيُظهر لنا لماذا لا ينفصل الدين عن السياسة. وبالتالي علينا أن نبحث عن حل لمشاكلنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه الأرضية.