بقلم: فؤاد باران، موقع “يني بون” (yeniyon)
خسر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحرب التي يشنها منذ أكثر من عامين على حركة الخدمة التي تستلهم فكر الأستاذ فتح الله كولن. وهذه نتيجة واضحة وظاهرة للعيان بلاشك. والحال أن نتيجة الحرب هذه كانت معلومة منذ البداية.
كان من المخطّط أن يحصل أردوغان مقابل أدائه “مهمة القضاء على حركة الخدمة” المسندة إليه على ما يلي:
أ) الاستيلاء على كل شيء تحوزه حركة الخدمة.
ب) تأسيس جماعته الخاصة التي تبدو مثل الحزب لكنها في الحقيقة تحولت إلى جماعة ترتكز على المصالح والأطماع المادية المشتركة.
ج) الحيلولة دون ظهور “الملفات الخفية” لأردوغان التي تحوزها “الجهات” التي أوكلت له مهمةَ القضاء على الخدمة.
إلا أن الأحداث لم تتطوّر كما خطّطوا لها.
لقد ظنوا أن حركة الخدمة ستخضع لهم، مثل الجماعات الأخرى التي سارعت إلى مبايعتهم وتقديمِ الولاء والطاعة لهم في بداية هذه المرحلة، إذا ما استخدموا بضعة أنواع من أساليب الترهيب أو الترغيب، مثل تقديم هدايا وعطايا “معسولة” من قبيل مساكن الطلاب والمباني والمناصب وما شابه ذلك.
أجل، لقد خاب ظنّهم وأخطأوا الحساب أيما خطأ!
إن أردوغان ارتكب خطأ جسيماً حينما تولّى مهمة القضاء على حركة الخدمة وشكّل جبهة مشتركة مع فريق “الدولة العميقة”، مثل منظمة “أرجينيكون” و”دوغو برينتشيك” رئيس حزب “الوطن” الشيوعي المتطرف. وساعد أردوغانَ في مهمته هذه شخصياتٌ سبق أن عاشت بشكلٍ أو بآخر في أوساط حركة الخدمة، ثم راحت تصنِّف وتحدِّد الكوادر الواجبة تصفيتها في مؤسسات الدولة وتقدّم الدعم اللوجستي لأردوغان، من أمثال كمال الدين أوزدمير ولطيف أردوغان وحسين جولرجه وأحمد كلش الذين سِيقوا في هذه الفترة إلى الساحة وفُتِحت أمامهم شاشاتُ القنوات التلفزيونية ليشوّهوا صورة الحركة. وكان أردوغان واثقًا من نفسه ويعتقد أنه سيمكنه القضاء على حركة الخدمة خلال فترة قصيرة، اعتماداً على المعلومات التي كانت تصِلُه من هذه الشخصيات.
“إثارة قضية مراكز فصول التقوية كذريعةٍ لإطلاق العملية”
كانت مهمة القضاء على حركة الخدمة تحتاج إلى ذريعة لتنطلقَ، وقد وجدوها في إثارة النقاش عمداً حول موضوع إغلاق مراكز فصول التقوية التي تعد حركةُ الخدمة من أقوى الناشطين في مجالها. ولذلك فإن ادعاء بدء استهداف حكومة أردوغان الخدمةَ بعد انطلاق تحقيقات الفساد والرشوة خالٍ من الصحة حتى باعتراف أردوغان، إذ اعترف خلال مؤتمر صحفي بإعداد المخابرات الوطنية تقريراً يلفت إلى “خطورة العلاقات المشبوهة” بين بعض الوزراء ورجل الأعمال إيراني الأصل رضا ضراب. وهذا يدلّ على أنهم اتخذوا من النقاش الحادّ الدائر حول هذه المراكز “سداً منيعاً” لكي يتمكّنوا من إنقاذ أنفسهم من البقاء تحت أنقاض “انهيار ثلجي” قادمٍ، وإشعالِ فتيل العمليات الموجهة ضد الحركة. وبهذه الصورة، شرع أردوغان ورجاله في وصْم كل الموظّفين في جهازي الأمن والقضاء الذين راقبوا وشهِدوا كلّ أعمال الفساد والرشوة والممارسات الخارجة عن القانون بـ”أعضاء الكيان الموازي”.
أجل، بدأ حزب العدالة والتنمية الحاكم يتحرك جنباً إلى جنب مع “الدولة العميقة” وفريق برينتشيك وحزب العمال الكردستاني الإرهابي و”الكيان الإيراني” المتوغّل في أعماق الدولة التركية، ثم راح يتهم الكوادر الوطنية المتدينة التي لم تتورّط أبداً في أية أعمال فساد، بل كشفت النقاب عن مرتكبيها، بالانتماء إلى الكيان الموازي وحركة الخدمة، ليبدأ بعدها إقالة عشرات الآلاف وحبس المئات منهم.
ومن أجل اختراق الأذهان وتوجيه الرأي العام في هذا الصدد، اتبعوا طريقةً تعتمد على ثلاثة محاور:
1 – جماعات دينية أعلنت الولاء والطاعة التامين لهم.
2 – الإعلام “الفاسد” الذي تشكّل بفضل الأموال المجموعة عنوةً من رجال الأعمال.
3 – شراء شخصيات سبق أن عملت في مؤسسات حركة الخدمة بشكل أو آخر.
حسناً لماذا لم يفلح العدالة والتنمية في هذه الخطة؟
ثمة أسباب كثيرة لفشل محاولات القضاء على حركة الخدمة، وصمودها ووقوفها منتصبة الهامة، ومن ثم انهيارِ كل عمليات التشويه والافتراء الموجهة ضدها، على الرغم من هذا القدر من التحضير والاستعدادِ وتطويعِ جميع مرافق الدولة حتى آخرها، واتباعِ كل الأساليب، بما فيها الخروج على القوانين المرعية. نكتفي بذكر بعضٍ من هذه الأسباب فقط:
1. ثغرات أردوغان وافتقاره للمصداقية:
كان أردوغان راغباً في تنفيذ هذه المهمة، ومجبرًا عليه – في الوقت ذاته – بسبب ثغراته ومواطن الضعف لديه. كان يثق بنفسه كثيرًا. ومع أن هذه الثقة كانت نابعة من المعلومات القادمة إليه من داخل حركة الخدمة إلى حدٍّ ما، إلا أن ثقته الذاتية “المفرطة” كانت هي تحديدا أكبر ضعف يعاني منه، كما هو الحال عند كلِّ من يريد أن يكون “الرجل الأوحد”. ذلك لأن الثقة الذاتية المفرطة بقدر ما تعتبر فرصة للإنسان كذلك فهي تقوده إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء وتَحُولُ دون ملاحظته ورؤيته تلك الأخطاء.
حاول أردوغان في بداية المرحلة تسويق أطروحة “أفراد حركة الخدمة أناس طيبون، إلا أن كبارها سيئون”، وكان متأكدًا من أنه سينجح في إبعادهم عن الحركة واستمالتهم إلى صفّه. لأنه ظن أن محبي الحركة سيصدقونه وينفصلون عن الخدمة بسهولة.
“أبناء الخدمة أناس واسعو الاطلاع على شؤون العالم والإسلام والحياة”
لكن أكبر ميّزة ومصدرِ قوةٍ لحركة الخدمة هو أن يكون المنتسبون إليها أناساً متعلمين متنوّرين وعلى دراية جيدة بالعالم وما يجري فيه. حيث إن المستوى المعرفي والثقافي وتجربة الحياة والمعلومات الدينية لأدنى شخص في الخدمة أعلى بكثير من معدّل عامة المواطنين في تركيا. وكما هو معلوم، فإن الخدمة تنظّم منذ سنوات فعالياتٍ وأنشطةً، ورحلاتٍ داخليةً وخارجيةً، تستهدف تطوير أبنائها من الناحيتين الدينية والثقافية، وهم يكتسبون بفضل ذلك أفقاً واسعاً من جميع النواحي.
وعلى النقيض من الجماعات الأخرى العاملة في تركيا، فإن الخدمة تشجّع أبناءها على الاستفادة من إمكانيات الدنيا، وعيشِ الحياة الدنيا على ضوء الحقائق من جانب، وتنصحهم من جانب آخر بعدم الاكتفاء بأداء الصلوات الخمس وإيتاء الزكاة فحسب في حياتهم الدينية، بل تحضّهم على تقديمِ الدعم المادي والمعنوي للخدمات التي تزاولها، والسعيِ لأن يكونوا أشخاصاً يضطلعون بدور فعليٍّ في هذه الخدمات، وتطبيقِ القيم الإنسانية والأخلاقية بأعلى مستوياتها إلى جانب الواجبات الدينية.
ومع التسليم بأن لهم أخطاءً وأوجهَ نقصٍ بحكم أنهم بشر، إلا أن الواقع هو أن الأشخاص الذين تربّوْا على يد الخدمة فوق المعايير المعروفة من حيث حياتهم الدنيوية والأخروية، كما أن دائرة أفقهم واهتمامهم أوسع بكثير من المواطنين العاديين.
“آفاقهم رحبة بحيث لا ينخدعون بالافتراءات والأكاذيب”
ولذلك لم يصدّق أبناء الخدمة المجهّزين بكل هذه المعرفة والاطلاع الواسعين أطروحة أردوغان القائلة “إنكم أناس طيبون، ولكن زعماؤكم سيئون”، وبالتالي لم ينفصلوا عنها قيد أنملة بالرغم من كل أعمال القمع والظلم الممارسة ضدهم. ويكمن سبب ذلك في أنهم كانوا مطلعين منذ سنوات طويلة على الحياة الشخصية والاجتماعية لأفراد الحركة من صغار وكبار، على حد وصفهم، ورأوا بأم أعينهم ثمار الأموال والمساعدات التي قدموها من أجل أنشطتها في الداخل التركي وكلِّ أنحاء العالم على حد سواء. فلو كان الأمر كما وصف أردوغان لكان لاحظ وأدرك ذلك الحرفيون والعمال والموظفون والأكاديميون والكتاب.. أي الجميع من كل أطياف المجتمع العاملون في الخدمة أو المحبون لها أو المتعاطفون معها، ولَكَانوا انشقوا عن الحركة حتى دون الحاجة إلى تصريحات أردوغان.
وباختصارٍ، فهؤلاء الناس ليسوا أغبياء أو جهلاء فاقدون للعقل أو مهملون في إعماله. فهم يدركون بواطن الأمور جيدًّا ويضعونها في مواضعها الصحيحة، ويمتلكون المواصفات والمؤهلات اللازمة والقادرة على التفريق بين صحيح الأمور من سقيمها. وهذا هو الأمر الذي غاب عن عقل أردوغان.. إنه لم يضع في حسبانه المستوى المعرفي والثقافي لأبناء الخدمة، فظنّ خطأً أنهم سيبتعدون عنها بمجرد سماعهم منه هذه الادعاءات.
وحقيقةً كشفت الأيام اللاحقة من هذه المرحلة الغطاءَ عن نية أردوغان الحقيقية بصورة جليةٍ لا تدع مجالاً للشكّ. إذ لَمّا فشِل خطاب أردوغان المفرّق بين “الكوادر العليا والكوادر الصغرى للخدمة”، بادر إلى اعتقال نساء الخدمة اللائي كنَّ يطهينَ الطعام بأيديهنّ ليبعْنَه ويقدّمْنَ ما يحصلْنَ عليه من مقابل مادي للطلبة كمساعدات دراسية.
خلاصة القول: أفراد الخدمة وقفوا إلى جانب الناس الذين لم يشاهدوا منهم أية أعمال غير مشروعة أو غير قانونية على مدى سنوات طويلة ولم يتركوا مواضعهم في الخدمة، بدلا عن الاعتقاد بصحة ادعاءات أناسٍ جرّبوا كلَّ يوم نوعاً جديداً من أكاذيبهم.
2. ثقة الخدمة بنفسها وبفتح الله كولن الذي تنهل من أفكاره
لاشكّ في أن ولاء أبناء الخدمة لأفكار الأستاذ فتح الله كولن الذي لم يجرّبوا عليه طيلة 50 عاماً من حياته بينهم ولو كذباً مرة واحدة كان من أكبر المزايا وأقوى الأسباب لصمودهم أمام الحرب التي أعلنها وقادها أردوغان ضدهم.
أجل، ليس من السهولة بمكان أن تكون قائداً ورائداً، لا سيما إذا كنتَ تعِدُ مَنْ يتبعونكَ من الناس بالانعدام والمعاناة والهمّ والألم والدموع. فالمنضمّون إلى الخدمة لم ينضمّوا إليها متوقّعين أن يكسبوا شيئاً مادياً ويعيشوا عيشاً رغداً وحياةً رفاهية مريحة. بل الخدمة إنما وعدتهم بالألم والمعاناة والمكابدة والمشقة في سبيل الأمة والإنسانية جمعاء.
ومن الأهمية بمكان أن تكون حياة القائد الذي يعِد لأتباعه بذلك ويدعوهم لسلوك هذا الطريق متوافقة مع ما ما يدعو إليه ويقوله؛ ذلك أن الناس ينظرون إلى أفعالكم وحياتكم أكثر من أقوالكم.
تكاد تكون كل مراحل حياة الأستاذ، وكذلك جميع الدروس التي ألقاها طيلة حياته التي بدأت في حجرة أحد الجوامع، وتواصلت في كوخ خشبي، تلك الحياة البعيدة كل البعد عن الترف والإسراف والأبهة، تحت التسجيل والقيد. وكان الناس من حوله يرون هذه القامة الشامخة وهذا الموقف الثابت في حياته دون ميل أو انحراف، ويشهدون حفاظه على صدقه وإخلاصه وعشقه وشوقه وحماسته على مدى 50 عاماً كأول يوم انطلق فيه مشواره، ومن ثم ينضمّون إلى صفّه ويسلكون طريقه.
إن المساكن الطلابية والمدارس ومراكز دروس التقوية وقاعات القراءة المفتوحة للطلاب الفقراء والأموال المتحصلة لجميعات المساعدات التي تعمل جاهدة من أجل المحتاجين في جميع أنحاء العالم.. إنما تحقّق كل ذلك بعرق جبين وإخلاصِ الرجال من عامة الناس لا من عليتهم.. الرجال الذين كانوا يبيعون فطيرة “لحم معجون” لدعم أنشطة الخدمة، وليس بأموال الرجال الذين يحصلون على الرشاوى مقابل المناقصات والعطاءات الحكومية.
“أناس لا ينتظرون مقابلاً مادياً”
أجل، كما أن المؤسسات التعليمية شيّدت بهذه الأموال الزكية في 170 دولة حول العالم، كذلك فإن الذين هبّوا لأن يكونوا معلمين وإداريين، أغلبيتهم من الشباب اليافعين، في هذه المؤسسات، انطلاقاً من مشاعر الإخلاص نفسها ومعاناة المحن والمشاق ذاتها. فهؤلاء الناس من أبناء الخدمة والذين اقتدوْا بهم نظروا دوماً إلى الحياة البسيطة الخالية من أي كذب للأستاذ كولن والمشاركين في فعاليات الخدمة أمام أكاذيبِ وافتراءاتِ إعلام أردوغان المقززة التي لا يستوعها أي عقل سديد ولا يستسيغها أي قلب سليم. كونوا واثقين تماماً فلو كان هؤلاء الناس شهدوا أدنى ثغرة أو اعوجاجٍ في حياة كولن والمقربين منه وتراجعٍ في رسالتهم، فإن الحركة كانت قد انتهت منذ وقت بعيد. لأن هذه الدولة بكل آلياتها العملاقة وإمكانياتها الواسعة تسعى للقضاء على هؤلاء الناس.
والسبب الأكبر في بقاء الناس في حركة الخدمة وعدم خوفم من دفع الثمن مهما كان، بالرغم من كل هذه الضغوط والتهديدات، هو موقف الأستاذ كولن الحاسم والواضح الذي لم يتزلزل أبداً منذ البداية تجاه هذه الافتراءات والأكاذيب دون تقديم أية تنازلات والخط المستقيم المشهود طوال حياته.
ذلك الموقف الراسخ وتلك المصداقية للأستاذ كولن جعلا الناس من حوله لا يغيّرون أماكنهم ومواقعهم ومواقفهم، بالرغم من كل هذا الكمّ الكبير من الضغوط والتهديدات، بل حتى قال أحد أغنى رجال الأعمال في تركيا وصاحب مجموعة شركات “إيبك المغتصبة” أموالها السيد “أكين إيبك” بأنه مستعد لمنح كل ثروته من أجل بسمة واحدة للأستاذ كولن!
3. جامع الخدمة الرسالة؛ وهمّ العدالة والتنمية المصالح
العامل الذي يدفع الناس إلى تبنّي أفكار الخدمة وأنشطتها ليس تحقيق المصالح على الإطلاق، بل هو العطاء الذاتي، أي بذل مال أو جهد. أجل! فالخدمة لم تعِدْ لمحبيها إلا بالتضحية والعطاء دومًا، ولم تعدهم أبدًا بكسب مالٍ كثير وراحةٍ ورفاهية. ولهذا السبب يعرف الجميع من أبناء الخدمة، سواء كانوا منفقين من أموالهم، أو جاهدين بأعمالهم وأفعالهم، أن سلوك هذا الطريق يعني ويتطلب العطاء ثم العطاء ثم العطاء دون انتظار أي مقابل، وينضمّون إليها وهم يعلمون مسبقاً بهذا المبدأ السامي.
وحركة الخدمة التي خرجت أمامنا باعتبارها حركةً لا تستهدف أية أطماع أو طموحات مادية، ليست مكاناً أو تياراً يمكن للطامعين والطامحين أن يبقوا فيه.
أجل! مع أنه من الممكن أن يكون هناك أناس بين أبناء الخدمة بغرض تحقيق مصالح مادية، بل ربما يوجد بينهم أناس أرادوا الوصول إلى مواقع معينة في المجتمع أو الدولة، مستندين إلى قوة الخدمة وإمكانياتها، إلا أن هذه المرحلة الأخيرة كانت من جهةٍ مرحلةَ تصفيةِ وغربلةِ من كانوا على هذه الشاكلة. فكأن أبناء الخدمة خضعوا في هذه الفترة لاختبار الإخلاص. وتدلّ الأحداث التي شهدتها تركيا منذ أكثر من عامين على أن القسم الأكبر منهم قد خرجوا من هذا الاختبار ناصعي الجبين.
وفي مقابل حركة الخدمة التي جمعت أفرادَها تحت مظلّتها بمثل هذا التصوّر، يقف أعضاء حزب العدالة والتنمية وأنصاره الذين لا تجمعهم سوى شتّى المصالح والمنافع.
“العدالة والتنمية ليس اتحاد رسالة بل اتحاد مصالح”
أجل، إن ما يجمع العدالة والتنمية ليس أية رسالة سامية، وإنما هو المصالح والمنافع. لذلك رأينا كيف أن الصراع على المصالح قاد المحتشدين حوله إلى تخلّي بعضهم عن بعض، بل مناصبةِ بعضهم العداء للبعض الآخر في لحظة واحدة، بدءاً من زعمائهم وانتهاءً بأصغر مناصر ناريٍّ لهم.
حزب العدالة والتنمية الذي يتكون من أناس يهاجمون بعضهم بعضاً وينطلقون للكشف عن عوراتِهم وسوْآتهم وملفاتهم السرية، ويبادرون إلى اتهامات متبادلة بالخيانة الوطنية والعداوة، بمجرد تعرّض مصالحهم للخطر، لا يمكن أن يخرج فائزاً من الحرب التي أعلنها على حركةٍ اتخذت “عدم انتظار أي شيء” دستوراً أساسياً لها. نعم من الممكن أن يغلق مدارس حركة الخدمة وقنواتها التليفزيونية، ويصادرَ ممتلكاتها، ويزجّ بمحبيها والمتعاطفين معها في السجون في الداخل التركي، إلا أنه لا يمكنه أن يهزمها ويقضي عليها أبدًا. لأن هذه الخسائر خسائر مادية ويمكن تعويضها في أي وقت.
ولاشكّ في أن الملايين من أبناء الخدمة الذين يُعَدّون “فائزين” من الناحية المعنوية منذ اليوم الأول سيعوضون هذه الخسائر المادية أيضاً خلال فترة قصيرة جدًّا وسيمضون في طريقهم.