إسطنبول (زمان عربي) – ذكر سيد قطب أن عيسى عليه السلام لن ينزل إلى الأرض قبل قيام الساعة هل هناك علماء آخرون ذكروا ذلك؟ وهل الإيمان بأن عيسى قد مات يخرج الإنسان من الملة؟
على ما يبدو فإن سيد قطب لم يقل صراحة أن عيسى مات وأن روحه لم ترفع للسماء. فما قاله باختصار هو أن هناك الكثير من الروايات والآراء في هذا الشأن كما أن الإنجيل يحوي أمورا مختلفة. لكن القرآن أيضا لم يذكر قولا صريحا في هذا. فالقرآن ذكر فيما معناه أن الله عز وجل رفعه إليه. ولا يوجد آية توضح ما إن كان هذا الرفع تم بينما كان حيا أي رفعت روحه وبدنه أم بعد وفاته فرفعت روحه فقط (في ظلال القرآن سيد قطب، بيروت، 1413، 2/802).
وبناء على ما فهِم صراحة من هذه العبارة فإن سيد قطب لم يدّع أن عيسى عليه السلام قد مات بالفعل ولم يرفع إلى السماء. بل على العكس فقوله”وتفسيرا لأسلوبنا المتبع في كتابنا”في ظلال القرآن” فنحن لم ندخل في تفاصيل المواضيع التي لم يذكر القرآن الكريم تفاصيلها” يوضح أنه لا يمتلك رؤية ونظرة قاطعة في هذا الموضوع.
وأوضح سيد قطب أن الحاجة إلى الاقتناع بعبارات القرآن الصريحة بشأن عدم مقتل سيدنا عيسى والدخول في تفاصيل الأمور الغيبية كهذه ليس بالأمر الصائب (قطب،1/403). وفي أغلب التفاسير، التي تناولت هذا الموضوع، دُخِل في التفاصيل وأعطي المجال لأراء وتعليقات مختلفة بشأن ما إن كان عيسى عليه السلام مات أم لا وما إن كان سيعود للأرض أم لا (تفسير الآية 55 من سورة آل عمران). على سبيل المثال أنظر (الطبري توفي عام 301) والموردي (توفي عام450) والبغوي (توفي عام 510) والراضي (توفي عام 606) والقرطبي (توفي عام 671) والبيضاوي (توفي عام 685)
ودعونا نوضح أن الطبري أشار إلى أن الرأي القائل بأن عيسى عليه السلام حي في السماء وأنه سيعود إلى الأرض ويقتل المسيخ الدجال هو الرأي الأصوب مستدلا في ذلك بورودها في الأحاديث الصحيحة (الطبري-6/458). كما أن البغوي دعم أيضا الرأي القائل بأن عيسى عليه السلام سيعود إلى الأرض وفقا لرواية الأحاديث الصحيحة (البغوي-4/447-448) والراضي أيضا في عبارات مشابهة دعم أن عيسى سيعود وسيقتل المسيخ الدجال (الراضي- 8-337) وأعرب القرطبي على اعتماده على الأحاديث الصحيحة في هذا الشأن (القرطبي- 4/100)
المبدأ هو أي رأي يتم تثبيته بالاعتماد على القرآن والسنة لا يتم تكفير صاحبه حتى ولو كان خاطئا. ولهذا السبب قد تبدو قضية ما إن كان عيسى حي في السماوات أم لا مختلفة عن إفادات الآية. وتجاهل الأحاديث في هذا الشأن لا يستدعي التكفير لعدم كونها على درجة متواترة.
لكن رفض الروايات الصحيحة الواردة من مصادر مختلفة لا يعد صوابا. إذ أن الغالبية العظمى من علماء المسلمين اطلعوا على الأحاديث الصحيحة وتوصلوا منها إلى أن عيسى عليه السلام حي في السماء وأنه سيعود إلى الأرض وسيقتل المسيخ الدجال. فعند النظر إلى التفاسير يُلاحظ أن جزءا كبيرا من الاختلاف في هذا الموضوع نابع من الإسرائيليات. ولهذا يجب الاعتماد على الأحاديث الصحيحة. ولكن قد يكون هناك أحاديث مشابهة مثل هذا بحاجة إلى تأويل.
لذا يجب أولا احترام الأحاديث الصحيحة والأخذ في عين الاعتبار العبارات الصريحة بالإضافة إلى جوانب التشابه. وبناء على هذا فإن الموافقة على أن عيسى سيعود في آخر الزمان هو سلوك محترم ينبغي إظهاره تجاه الأحاديث الصحيحة سواء كان سينزل بشخصه المادي أو المعنوي.
لكن دعونا نكرر أن آلية التكفير لا تليق بأدآب الإسلام وشعور الإيمان ومبادئ علماء أهل السنة. ودعونا لا ننسى أن بعض الروايات التي تظهر التقدير للإسرائيليات في هذا الموضوع هي في الواقع صادرة من الصحابة والتابعين. وخصوصا أن المصادر تحوي روايتين مختلفتين عن بن عباس في هذا الشأن إحداهما إيجابية والأخرى سلبية.