بقلم: عبد الحميد بيليجي
أُجرِيَت الانتخابات الْمَحَلِّيَّة بعد فترة حملات انتخابية متوتِّرة.
وكانت نتائج الانتخابات مَصْدرَ فرحٍ لبعض الأحزاب والمرشَّحين، ومصدر حزن لآخَرِين. وكان على كل حزب أو مرشَّح أن يأخذ النتائج بجِدِّيَّةٍ وأن يُجرِيَ بعض التقييمات الذاتية، فما مِن شكٍّ في أن الانتخابات هي المتطلَّب الأساسي للديموقراطية. لكن العدالة والحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون هي أساسياتٌ لا غِنَى عنها للديموقراطية بنفس قَدْر الانتخابات أو أكثر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]معيار تحديد ما إذا كان البلد ديموقراطيًّا أم لا هو التحقُّق مِمَّا إذا كانت أعمال الحزب الحاكم وأداؤه يمتثلان لحريات الاعتقاد والفكر والمؤسَّسات وحقوق الإنسان وسيادة القانون والقيم العالمية المماثلة.[/box][/one_third]إن ما تحتاج إليه البلاد بشِدَّةٍ هو تصميم وتنفيذ علاقةٍ صالحةٍ بين القيم الديموقراطية والسُلطة. قد يكون مصدر السلطة هو السلطنة، كما في الماضي، أو هياكل بيروقراطية كما هو الحال في عهد الوصاية، أو قد تكون انتخابات ديموقراطية. ومعيار تحديد ما إذا كان البلد ديموقراطيًّا أم لا هو التحقُّق مِمَّا إذا كانت أعمال الحزب الحاكم وأداؤه يمتثلان لحريات الاعتقاد والفكر والمؤسَّسات وحقوق الإنسان وسيادة القانون والقيم العالمية المماثلة. وفي هذا الصدد لم تَجرِ انتخابات في الإمبراطورية العثمانية، غير أن النظام كان عادلاً ومُنصِفًا، وتمتعت الجماعات الاجتماعية بحُرِّيَّاتٍ أكبر بكثير مِمَّا كانوا سيحصلون عليه في ولايات أخرى في ذلك الوقت. وعلى العكس، فقبل اتحاد الألمانيتين كان جزء من ألمانيا يُسَمَّى جمهورية ألمانيا الديموقراطية، ولكنّ البلاد لم تكُن ديموقراطية على الإطلاق. كذلك كانت انتخاباتٌ في عهد حسني مبارك في مصر وفي سوريا في عهد بشار الأسد، ولكن ذلك لم يجعل هاتين الدولتين ديموقراطيتين.
إنني لا أزعم أن تركيا اليوم مثل ألمانيا الشرقية، أو مصر مبارك أو سوريا الأسد. ومع ذلك، إذا كنا نسعى لتحقيق ديموقراطية حقيقية في بلادنا، فعلينا أن نعترف بأن الضغوط على وسائل الإعلام، وحظر مواقع الإعلام الاجتماعية، والتدخُّل في سُلْطَة القضاء، وسوء معاملة عديد من رجال الأعمال والفئات الاجتماعية المختلفة في الرأي، كلها أمور لا تتواءم بشكلٍ جيِّد مع معايير الديموقراطية. في الواقع ساند عديد من الديموقراطيين سياسات الحزب الحاكم في الماضي، مثل سامي سلجوق وطه أكيول وحسن جمال، لكنَّهم عبَّروا مؤخَّرًا عن انتقادهم نَهْجَ نفس الحزب جنبًا إلى جنبٍ مع الْمَحْكَمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي نقبل ولايتها القضائية، والاتحاد الأوروبي الذي نحاول أن نكون عضوًا فيه.
كان الشرط الأدنى لنا لبدء مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي في عام 2005 هو تحقيقُنا متطلباتِ الديموقراطية المشار إليها كاملةً باسم “معايير كوبنهاغن”. في ذلك الوقت، بدأت المفاوضات، إذ اعتقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن تركيا قد امتثلت لهذه المعايير من خلال الجهود التي يَبذُلُها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبدعمٍ من أحزاب المعارضة. وهذه الخطوة أرسلت إشارةً قوية بأن تركيا دولة ديموقراطية تسترشد بسيادة القانون. وبفضل التوفيق الناجح بين الإسلام والقيم الديموقراطية وسيادة القانون، برزت تركيا باعتبارها بلدًا نموذجيًّا في الغرب والعالَم الإسلامي. وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تماشِيًا مع هذه الضمانات القانونية. ويمكن تلخيص معايير كوبنهاغن على النحو التالي:
1) وجود ديموقراطية مستقرة ومؤسسية.
2) سيادة القانون ودولة تحكمها سيادة القانون.
3) احترام حقوق الإنسان.
4) حماية الأقلِّيَّات.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إذا كنا نسعى لتحقيق ديموقراطية حقيقية في بلادنا، فعلينا أن نعترف بأن الضغوط على وسائل الإعلام، وحظر مواقع الإعلام الاجتماعية، والتدخُّل في سُلْطَة القضاء، وسوء معاملة عديد من رجال الأعمال والفئات الاجتماعية المختلفة في الرأي، كلها أمور لا تتواءم بشكلٍ جيِّد مع معايير الديموقراطية.[/box][/one_third]ويجب أن لا ننظر في الانتقادات القادمة من بروكسل حتى ندرك أننا نَأَيْنا بأنفسنا أميالاً مبتعدين عن هذه المبادئ في السنوات الأخيرة. وقد يكون كافيًا أن يكون لدينا قليلٌ من الإنصاف لنقرأ الرسالة الافتتاحية التي كتبها الرئيس السابق للمحكمة العليا للاستئناف سامي سلجوق إلى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والتي نُشرت في صحيفة “زمان”.
هذا التحوُّل أو الانحراف في السنوات الأخيرة هو الانتقاد الرئيسي الذي وَجَّهتُه إلى هذه الحكومة على الرغم من أنني قد دعمتها داخل وخارج البلاد. لقد قامت الانتخابات في تركيا منذ عهد الملكية الدستورية، وعلى الرغم من هذه الحقيقة لم يُعثَر على حلٍّ لمشكلة المواطنين من مختلف الخلفيات العرقية أو الدينية أو الآيديولوجية، لأن ما يهمّ ليس إجراء الانتخابات، بل وجود ديموقراطية فاعلة.
وكانت الدعوة التي أُطلِقَت عام 2008 ساعيةً لإغلاق حزب العدالة والتنمية في وقتٍ كان فيه الجميع يعتقدون أن كل شيء بخير، شيئًا شاذًّا، فأَوْجُه التشابُه بين الادِّعاءات غير العادلة التي قذفها الحزب الحاكم ضدَّ جماعة دينية، وتلك التُّهَم التي أثيرت في أثناء إغلاق هذه القضية شيءٌ يشحذ الفكر.
أما كيف دافع حزب العدالة والتنمية عن نفسه في مواجهة تلك التُّهَم فكان شيئًا ذا مَغْزًى:
– لا يمكن قَبُول هذا دليلاً بمُوجَب قانون الأدلَّة.
– قُدِّمَت نسبة كبيرة من الأَدِلَّة بعد اتخاذ القرار ببدء المحاكمة.
– لا يمكن استخدام الدَّعَاوَى غير الواقعية دليلاً.
أما الحَلُّ فهو أن نتعلم من الماضي وندافع عن المعايير الديموقراطية، فللأسف ما مِن خيار آخر.
ـــــــــــــــــــــــــ
جريدة تودايس زمان – 4 أبريل 2014