ممتاز أر توركونه
هذا الاحتمال ليس مقنعا. لأن إعلان “مؤتمر المجتمع الديمقراطي” عن الحكم الذاتي الديمقراطي في ظل حروب الخنادق ليس له نصيب من الواقعية أو المصداقية.
وقبل أن نأخذ هذا الإعلان على محمل الجد، علينا أن نذكر بأنه كثيرا ما تكرر الإعلان عن الحكم الذاتي. ففي 14 يوليو/ تموز 2011 كانت أيسيل طوغلوك قد قرأت بيان إعلان الحكم الذاتي باسم مؤتمر المجتمع الديمقراطي في ديار بكر أمام نفس الجماعة.
وإن جردنا إعلان مؤتمر المجتمع الديمقراطي من محتواه الأيدلوجي، ومن مصطلحاته الماركسية، فلن يبقى أمامنا من إعلان الحكم الذاتي هذا سوى المطالبة بتركيا الفيدرالية. فهل ذلك يمكن؟ لا، مستحيل. فقد أفادت صحيفة صباح التي تُعتبر ناطقا رسميا باسم الحكومة، بعكس ذلك، حين أشارت إلى أن الرد على هذا الطلب سيكون بتجريد الإدارات المحلية (رؤساء البلديات المننتخبين في الجنوب الشرقي) من صلاحياتها (ونقلها إلى الولات أو المحافظين المعينين من جانب الدولة).
علينا أن نكون واقعيين. فلكي تصبح تركيا دولة فيدرالية يجب أن تُهزم في حرب كما حدث في الحرب العالمية الأولى، ومن ثم يُفرض عليها النظام الفيدرالي من قبل قوى خارجية، وترضخ الحكومة لذلك.
إذن فإن هذا الإعلان ليس هو إعلان عن الحكم الذاتي أو المطالبة بالفيدرالية بل هو عبارة عن إعلان اشتراك المدنيين أيضا في الحرب. أي إن إعلان مؤتمر المجتمع الديمقراطي للحكم الذاتي في ديار بكر يوم الأحد الماضي، ليس إلا إعادة لما أعلنته بيسه هوزات، الرئيس المشارك لمنظمة حزب العمال الكردستاني، وتم تأجيله مدة شهر بسبب الانتخابات؛ وأعيد إعلانه في عدد من المدن الواقعة بجنوب شرق تركيا كل واحدة على حده. إذ أن مؤتمر المجتمع الديمقراطي نفسه لا يدعي بأنه يعلن ذلك للمرة الأولى، بل يقول إنه يتمسك بشيء موجود بالأساس.
لنؤكِّد ثانيةً. إن الحكم الذاتي الديمقراطي هو عبارة عن محاولة لإضفاء لون اجتماعي على نظام فيدرالي من خلال فكرة خاصة. ومصطلح هذا النظام يعود لأوجلان ولكن ليس له دخل في تطبيقه. وكانت اتحاد المجتمعات الكردستانية قد أضاف هذا النظام إلى مذكرته في 2007. وحتى نعرف ما هو مبتغاهم علينا أن نطلع على معاني المصطلحات التي ينادون بها. فهذا من قبيل الإدارة الذاتية التي استقدمها الراحل بولنت أجاويد من يوغوسلافيا القديمة وأضافها إلى برنامج حزبه. وهذا ليس له معنى آخر لدى العمال الكردستاني. فالنظام الذي لا يطالب بسياسة خارجية ودفاعية فهو نظام فيدرالي وليس كونفدراليا. وقد تم تطبيق وتوسيع أنظمة القضاء وجمع الضرائب ووحدات الأمن في الحكم الذاتي، بشكل فعلي. ولكن ثمة مطالب بقبول هذا التطبيق الفعلي بشكل رسمي وقانوني.
ولنعد إلى السؤال: “لماذا كرر مؤتمر المجتمع الديمقراطي إعلان الحكم الذاتي مع كل سياسييه”؟
أصبح حزب الشعوب الديمقراطي منقطعا عن السياسة التركية حين تبنى سياسة العمال الكردستاني في حرب المدن، وتخلى عن إعلان الحكم الذاتي. فالمبادرة بيد العمال الكردستاني لا الشعوب الديمقراطي الذي يلعب الدور الذي وُكِّل إليه. وحين تبنى سياسة الكردستاني في الإعلان الحكم الذاتي بقوة السلاح، فقد أسهم في جعل المدنيين من الناس في مواجهة قوات الأمن. ومن التناقض أن يتبنى استخدام السلاح وفي الوقت نفسه يطالب بالمباحثات.
القضية ليست قضية حكم ذاتي، بل قضية المنطقة الكردية في سوريا وهي ما يُسمى بـ(روج افا). فالشعوب الديمقراطي يمهد بتوسيع الرقعة الكردية من خلال الاستفادة من الصراع بين القوى الكبرى في غرب الفرات.
ولكن تركيا الفيدرالية فكرة مستحيلة بالنسبة للسياسة الكردية. ويتبين أن مطالبتهم بالحكم الذاتي كالقتال مع الحارس بدلا عن قطف العنب.