لم تعُد الحكومة مؤثِّرة ولا قادرةً على السيطرة على وسائل الإعلام، لوجود عددٍ كبير من الخسائر.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]على هؤلاء الذين يركِّزون على المسائل الفنية وأوجُه القصور أن ينتقدوا هذه العلاقات الملتوية في قطاع المناجم، فلا يمكن اتخاذ أي تدابير دقيقة في إطار علاقات رأسمالية المحسوبية وقواعد الرأسمالية التي لا ترحم. وحتى إذا ما اتُّخِذَت هذه التدابير فستظلُّ غير فعَّالة. ولا يمكنك تحديد الأسباب الصحيحة لأن لديك تقارير نهائية تشير إلى أن الشركة قد مرَّت بالاختبارات. [/box][/one_third]رئيس الوزراء غير قادرٍ على التعامُل مع الأزمة، وكل جهده وكل ما يقوم به، خصوصًا العنف الذي تعامل به هو ومساعدوه ضدَّ المتظاهرين، سبَّبَ غضبًا هائلاً في البلاد. أمَّا الناس فيعتقدون أن الحكومة ستعمل على حماية الجناة في هذه الكارثة المأساوية. الجهات المسؤولة عن هذا الأمر نوعان: أوَّلُهما الحكومة التي كان من المفترض أن تراقب وتفتِّش المناجم، والثاني شركة المنجم التي كان من المفترَض كذلك أن تتخذ كل التدابير والاحتياطات اللازمة لمنع هذه الكارثة.
في بيانٍ ابتدائيٍّ قال رئيس الوزراء إن جميع التدابير قد اتُّخِذَت وإن جميع عمليات التفتيش الضرورية قد تمَّت، وهو بذلك يبرِّئُ الحكومة والشركة من أي مسؤولية. وقارَنَ كذلك بين هذه المأساة وحوادث المناجم التي وقعت قبل قرن من الزمن في الغرب، بل وأظهرها كحادثة من الطبيعيِّ أن تقع. غير أن الشعب وجد هذا التفسير غير مُقنِع، وتشير تقارير وسائل الإعلام إلى وجود ردِّ فعلٍ كبيرٍ على هذه الحادثة في تركيا والعالَم. لذا أصبحت الحكومة الآن غير قادرة على التعامل مع ردِّ الفعل المتزايد هذا.
كان رئيس الوزراء قد زار الموقع وقال إنه يجب مراجعة القواعد والتدابير مرةً أخرى. ولكن الأمر لا يتعلق بالقواعد أو التدابير، فرئيس الوزراء بإعلانه أن الجهات المسؤولة لا ذنب لها وأنهم أبرياء يمنعنا من التركيز على الأسباب الحقيقية للحادثة ومن تحديد ما نقُصَ من القواعد والتدابير. وبالنظر إلى رَدِّ الفعل المتزايد ذاك، اتَّخذ المدَّعون العامُّون ومفتِّشو العمل موقفًا وقرروا أن يراجعوا تقارير الشركة.
من قتل 301 شخصًا؟ هل تتوقع من المتواطئين في هذا القتل أن يقدِّموا إجابةً دقيقةً لهذا السؤال؟ ومع ذلك ينبغي إعادة النظر في سياسات المناجم وتحديد أسباب الحادثة بشكلٍ دقيقٍ. غير أنهم لن يكشفوا الأسباب الحقيقية أبدًا لأنها ستشير إلى مسؤولية الحكومة بالطبع. وفي حين تعتقد الحكومة أن الجميع سيتجاهلون الحقائق لو أخفَوها، فإن الحقيقة واضحة بالفعل.
تسود قطاعَ المناجم نسخةٌ من الرأسمالية التي لا ترحم، فالدولة تؤجِّر موقع المنجم لشركة خاصة لفترة معيَّنة، والشركة التي تستأجر الموقع تقلِّل التكاليف وترفع الإنتاج لتربح أكثر، وأفضل طريقةٍ لذلك أن تتخلى عن تدابير السلامة المكلِّفة في منطقة العمل. وهكذا تخضع الشركة لتفتيش شركاتٍ خاصَّةٍ، ثم تنجح في الاختبار عند كل تفتيش! إضافةً إلى ذلك تَحْظَى هذه الرأسمالية التي لا ترحم بمساعدة رأسمالية المحسوبية، مما يجعل هذه المأساة أمرًا لا مَفَرَّ منه.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]أظن أن للعلاج طريقة واحدة، فلكي نعرف الحقيقة يجب أن تتعاون شركة تفتيش دولية مع منظمة العمل الدولية في التحقيق في الحادثة للوصول إلى الأسباب الحقيقية وراء هذه الكارثة.[/box][/one_third]إن إحدى علامات رأسمالية المحسوبية هي أن إجراءات منح التصاريح لفتح موقعِ منجمٍ ما تجري من خلال مكتب رئيس الوزراء نفسه. رئيس الوزراء هو مَن يتحكم في الأصول والأدوات الاقتصادية للدولة، وهو لا يُشرِك أحدًا معه في تحكُّمه في هذا الشأن. وفي ضوءِ هذه المأساة ينبغي إعادة النظر في تحقيق الفساد الذي كُشِف في 17 ديسمبر 2013. فالتصريح الممنوح لموقع المنجم قد يكون ذا صلة بالاتفاقات التي أجراها رئيس الوزراء. بهذا يمكننا تفسير سعي رئيس الوزراء لتبرئة الشركة بعلاقات المحسوبية تلك. من المحتمَل كذلك أن يكون توزيع تصاريح المناجم ذا صلة بـ”مشكلة تكتُّل الشركات” التي لا تستطيع تركيا التعامُل معها. وهذا الاحتمال يجعل التحقيق في أسباب الحادثة الحقيقية أمرًا مستحيلاً. وحين لا تُحَدَّد الأسباب الحقيقية لا يمكننا منع وقوع الحوادث في المستقبل. على هؤلاء الذين يركِّزون على المسائل الفنية وأوجُه القصور أن ينتقدوا هذه العلاقات الملتوية في قطاع المناجم، فلا يمكن اتخاذ أي تدابير دقيقة في إطار علاقات رأسمالية المحسوبية وقواعد الرأسمالية التي لا ترحم. وحتى إذا ما اتُّخِذَت هذه التدابير فستظلُّ غير فعَّالة. ولا يمكنك تحديد الأسباب الصحيحة لأن لديك تقارير نهائية تشير إلى أن الشركة قد مرَّت بالاختبارات.
أظن أن للعلاج طريقة واحدة، فلكي نعرف الحقيقة يجب أن تتعاون شركة تفتيش دولية مع منظمة العمل الدولية في التحقيق في الحادثة للوصول إلى الأسباب الحقيقية وراء هذه الكارثة.
ـــــــــــــــــــــــــ
جريدة تودايس زمان، 17 مايو 2014