مصطفى أونال
إن الأحداث الكبيرة تكاد تحدث في يومنا هذا في كل شهر أو أسبوع أو حتى يوم وليس في كل عصر أو سنة.
ومن الواضح أن الكل مستعجل، وحتى القدر كذلك. هذا المقال هو آخر مقال لي أكُتبه في هذه السنة.
ما الذي حدث في 2015؟ مضى الزمان دون توقف. حتى كاد يصيبنا بالدوار. ولم يمنحنا الفرصة لنتنفس الصعداء أو الراحة.
طبعا أقول هذا الكلام وأنا أراقب جدول الأعمال من أنقرة. فقد كانت بداية هذا العام سياسية، ووسطه سياسيا، وآخره سياسيا. إذ شهد عمليتين انتخابيتين. ليس لهما مثيل في التاريخ. حيث إن العدالة والتنمية لم يتقبل نتائح انتخابات 7 يونيو/ حزيران التي كان خسر فيها انفراده بالسلطة. ودعا إلى إعادة الانتخابات. ونال مبتغاه بعد 5 أشهر في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني. بل حصل على أكثر مما كان يريد. وشكّل الحكومة مرة أخرى بمفرده.وكاد يقترب من الأغلبية التي تخوله تغيير الدستور بمفرده . مع أنه أبدى تواضعا في أهدافه. فالعدالة والتنمية ليس حزبا عاديا، إذ ليس بوسعه الاستمرار إلا إذا شكّل الحكومة. فمن الصعب أن يكون في صفوف المعارضة.
فقد عرض كل أوراقه بما فيها المخاطر التي يواجهها. وعلى الرغم من تزعزعه في 7 يونيو، إلا أنه حقق النجاح في 1 نوفمبر.
وإن عام 2015 سيذكر بهذين الانتخابين أولا. وإن التاريخ سيجل استراتيجية نجاح العدالة والتنمية، وفشل المعارضة، ولا سيما حزب الحركة القومية. حيث كان زعيمه دولت بهتشلي أول من أشار إلى الانتخابات المبكرة قبيل صدور نتائج انتخابات 7 يونيو. بيد أنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه في صندوق الاقتراع. فقد تراجعت نسبة أصواته، وقلَّ عدد نوابه. وصار أقل من عدد نواب حزب الشعوب الديمقراطي بكثير. وهذه صدمة بالنسبة للسياسة القومية. أما حزب الشعب الجمهوري فقد حافظ على مستواه في كلا الانتخابين. وبالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي الذي كان المفاجأة الانتخابية في 7 يونيو، فقد نجا بنفسه من البقاء تحت الحد الأدنى وخارج البرلمان.
وسيتم الحديث مطولا في المستقبل عن أسباب التغيرات السياسية الهائلة بين العمليتين الانتخابيتين، وسيكون ذلك موضوع بحث أطروحات الدكتوراه. وسيُناقش كيف ولماذا غير الناخبون رأيهم خلال 5 أشهر فقط؟ وكيف زادت أصوات العدالة والتنمية نسبة 10%.؟
إذن فسنة 2015 تعني عمليتين انتخابيتين. ويجب أن يُعتبر صندوق الاقتراع هو الحادثة المميزة لهذه السنة. إلا أنه لم يغير السلطة السياسية، لأن العدالة والتنمية هو الذي فاز وانفرد بالسلطة من جديد. ولم يكن من المتوقع حدوث تغيير جذري أصلا. فغياب العدالة والتنمية عن السلطة تماما في تركيا كان مجرد خيال. فقد كان أدنى الاحتمالات أن يشارك بنسبة كبيرة في حكومة ائتلافية. أما تحقيق نسبة 49% فقد كان هدفا بعيد المنال بالنسبة للعدالة والتنمية.
ولا يمكن القول إن نسبة 49% قد حقق الارتياح للعدالة والتنمية. بل زادت هذه النسبة العالية من رغباته وطموحاته. حيث عادت الأحلام بتطبيق النظام الرئاسي. وأعادت محاولات تغيير الدستور إلى جدول الأعمال.
صحيح أن العدالة والتنمية فاز في صناديق الاقتراع ولكنه خسر سياسيا. وخسر روحه في الحياة. ونسي فلسفته التي نشأ عليها. وماتت قضيته. وأصبح منبوذا في الداخل والخارج. ولم يعد لديه أي سلوك يُحتذى به، ولا علاقات خارجية سليمة. وبات عبارة عن المشاكل فقط. وسبب انحطاط للدولة، وقلب النسيج الاجتماعي رأسا على عقب.
كما زعزع وحدة تركيا. وشتت تكامل البلد. وحُلَّ القضاء. وماتت العدالة. وانتُهجت سياسات الظلم. وبُرِّئت ملفات الفساد. ورغم كل تلك الادعاءات الخطيرة لم يمثل الوزراء الأربعة أمام المحكمة العليا. وازدادت قوانين الحظر من جديد. واتبع سياسات لا تنسجم أبدا مع روح العصر في سنة 2015 بعد الميلاد. ومُنعت الكتب من النشر والتوزيع. وحُبست الأفكار. وُختم أفواه أصحاب القلم بالشمع الأحمر.
وأصبح دور العدل هي العنوان الثاني للصحفيين. وزُجَّ بهم في السجون. وضُيِّقت الحياة على الذين ارتابتهم شكوك بسيطة حول الحكومة، وليس فقط على معارضي الحكومة.
فهذه الحكومة لم تتمكن من إدارة مسيرة السلام ولا الحرب. بل قلبت الطاولة. وتحول جنوب شرق البلاد إلى طوق من النار. وانتقل الإرهاب من الأرياف إلى المدن. ولم تتمكن الشرطة منذ شهر من السيطرة على بلدة سور في ديار بكر.