علي أصلان
حادثة مضحكة مبكية تُظهر لنا بشكل صاعق إلى أي حدٍّ اجتماعي وصل الخوف من الإسلام والمسلمين في أمريكا حدثت منذ بضعة أيام.
قامت مجموعة من أولياء طلاب ثانوية (ريفير هيدس) في مدينة آجوستا التابعة لولاية فيرجينيا، باحتجاج كبير متذرعين بأن أبناءهم يتلقون تبشيرا بالإسلام.
أتتساءلون ما الذي أغضب أولياء الطلاب إلى هذه الدرجة؟ كانت المعلمة تشيريل لابورت تشرح للطلاب الثقافة الإسلامية مع كل الأديان الأخرى في درس الجغرافيا العالمية. وكتبت نصا بالخط العربي وأعطته للطلاب ليحاولوا أن يكتبوا مثله في بيوتهم كواجب منزلي. وحين علم أحد الطلاب أن العبارة المكتوبة هي كلمة شهادة التوحيد، انزعج وأخبر عائلته بالأمر. ومن ثم طالب الكثيرون من أهالي آجوستا بإقصاء المعلمة من وظيفتها عبر تنظيم أنفسهم على شبكات التواصل الاجتماعي مدعين أنها تدعو إلى الإسلام. إلا أن إدارة المدرسة ومديرية التعليم في المنطقة أكدتا أن المعلمة لم تخرج من نطاق المواد الدراسية. وعملتا على حمايتها. ولكنهم اشترطوا كتابة نصوص عربية غير دينية في درس الخط، بسبب الحساسية التي ظهرت لدى الرأي العام.
وجرت الاحتجاجات في منطقة تسكنها غالبية من المسيحيين البيض المحافظين. ومن ناحية أخرى رأى كثير من أهالي آجوستا أن ردود الفعل مُبالَغ فيها.
ومن الغريب أن حادثة آجوستا جرت في مقاطعة الرئيس الأمريكي الثالث “توماس جيفرسون” الذي دعا إلى منح الجنسية لأتباع جميع الأديان في أمريكا بما في ذلك الإسلام. فالعقلية التي ترجح السفسطة المتعلقة بالإسلام والمسلمين على المعطيات الحقيقية، قد تتسبب بنتائج أكثر تدميرا من الهجمات الإرهابية بالنسبة لأمريكا. وكما قال جيفرسون: “لا يمكن لأية دولة أن تنجو من عقوبة العيش في الجهل”.
وعلى أية حال، فإن هناك عددا ليس بقليل من الذين يفكرون كجيفرسون ويخالفون بعض الصحفيين والمحللين والسياسيين الذين يُؤججون الأحكام المسبقة ضد الإسلام، ويعملون على تخويف الشعب وتحريضه. ففي 21 ديسمبر/كانون الأول وقع 50 رجل دين، ورئيس جماعة على بيان مشترك نشرته واشنطن بوست لإدانة الخطاب المعادي للإسلام. حيث قال ممثلون عن كثير من المجموعات الدينية كالمسيحيين واليهود والبوذيين في بيانهم: “المسلمون متساوون معنا”. وأكدوا أن مطالب البعض بعدم السماح للمواطن المسلم بترأس أمريكا، وبتصنيف المسلمين، وبإغلاق المساجد “هي مطالب منافية للدستور الأمريكي”. كما ورد في بيان رجال الدين: “نحن نختار معا الحرية وليس الخوف”.
ورغم كل شيء فإن الكراهية ضد المسلمين في أمريكا لم تُعمم لتشمل شريحة بعينها. ومن جانب آخر يرى بعض المراقبين أن عمليات التهجم بدأت تزداد بعد تفجيرات باريس وكاليفورنيا. حيث تعرضت الجوامع للتهديد في فونيكس، وبالم بيتش، وفيلاديلفيا، ونيوجرسي، وكاليفورنيا. كما تلقى أحد أعضاء مجلس الممثلين المسلمين أندريه كارسون تهديدا بالقتل. كما لوحقت سيارة إحدى المحجبات ورُشقت بالحجارة في فلوريدا. في حين تلقت منظمة الدفاع عن حقوق المسلمين “كير” (CAIR) رسائل تهديد.
ولايبدي المسؤولون الأمريكيون تسامحا مع الذين يرتكبون أعمالا إجرامية ضد المسلمين بدوافع الحقد والكراهية. بل يلاحقون المشتبه بهم. ولكن ليس بوسع الدولة أن تقوم بشيء حيال التصرفات التي لا تندرج ضمن أعمال العنف وجرائم الحقد. ومن جانب آخر تزداد أعداد الأمريكيين غير المسلمين الذين لا يوافقون على مثل هذه التصرفات ويعملون على حماية المسلمين.
وعلى سبيل المثال علمتُ بأن أحد الأمريكيين تعرض لعائلة مسلمة تتسوق في أحد المتاجر بالمنطقة التي أُقيم فيها، فاعترضه أمريكي آخر وتشاجرا إلى أن جاءت قوات الأمن.
وعموما فإن محافظي المقاطعات والإداريين المحليين في إدارة أوباما، يعملون ما بوسعهم لحماية المسلمين من التعرض لانتهاك الحقوق. كما أن العديد من وسائل الإعلام المركزي ينشط بشكل مسؤول. ولكن كل عملية إرهابية جديدة تحدث تلعب دورا في زيادة الحقد والخوف والأحكام المسبقة. وإن الأوضاع تثير القلق في أمريكا التي تُعتبر من أفضل الدول التي يعيش فيها المسلمون بأريحية وحرية. فإن كنا لا نريد الوصول إلى العاقبة التي ذكرها الله تعالى بقوله: “أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ”[ الأعراف : 172- 173 ]، فعلينا أن ننجز مشاريع كتلك التي أشار إليها الأستاذ فتح الله كولن في مقاله الذي نشرته جريدة لوموند في 17 ديسمبر/ كانون الأول، حيث قال: “لا بد من تنفيذ مشاريع تشمل المجتمع بأسره والتي من شأنها أن تقضي على العوامل التي تؤدي إلى نشأة إرهابيين”.
وينبغي أن تشمل هذه المشاريع المجتمع كله بمن فيه الذين يستهينون بالإرهابيين الحقيقيين، ويتهمون الأستاذ كولن ومحبيه بأنهم “تنظيم إرهابي”، لأسباب سياسية فقط.