أديب إبراهيم الدباغ
على نفسي بكت نفسي.. وروحي إلى روحي اشتكت.. وعلى بعضي بكى كلِّي.. وكلِّي على بعضي بكى.. ولظى قلبي في قلبي حريق.. وَوَمْضُ روحي في روحي لَهيب…
أنا؟ مَنْ أنا؟ حرقة واحتراق، لَهَبٌ واشتياق.. أَتلوَّى وجعًا، وأتقلَّب ألمًا.. صائحًا.. صارخًا.. أَظَلُّ، وعن وعيي أُشَلُّ…
يا رفاق العشق، إلى “دجلةَ” خذوني، واغمسوني واغمروني، ومن رحيقها اسقوني.. لعلَّ نيراني تنكفئ، وحرائقي تهمد.. وإلى مملكة العشاق، متسكعًا أمضي.. أطرق الأبواب، وأنقر على الشبابيك…
افتحوا لهذا المسكين، الذي غدا روحًا مذابًا، ووجدًا حَرَّاقًا، وقلبًا شَوّاَقًا…
مَنْ له آسٍ غيركم، ومُعَزٍّ سواكم.. فها أنذا بين أيديكم أضع نفسي.. فبعطفكم اكنفوني، وبنفحات ألطافكم أَطفئوا نيراني.. إليَّ التفتوا.. ارمقوني، وهملاً لا تتركوني…
عاشق من أعماق ضريح يصيح، رافعًا عقيرته ينادي.. حيًّا لا زلتُ.. على القيام أعينوني، ومن تحت تراب القبر انتشلوني…
أعرف أنَّ سماءكم تمطر الورود، وتَنُثُّ الرياحين، وتسكب النقاء، وتَصُبُّ الصفاء.. وأنَّ ناديكم بالحياة مترع.. لذلك، مملكتكم جئتُ، وأرضكم دخلتُ…
لعلَّ نظرة من الحبيب تتلمحني، فتحييني، وتطفئ نيراني، وتهدهد أشجاني…
في سلسال من دمع ودم ذابت روحي، ومات جسدي، وتَقَطَّعَتْ أوصالي.. والليل مطبق الجناح، وصراخ عظيم من روح جريح.. يأتي مجلجلاً من أعماق الغاب، وهو ينادي.. هذه السبيل، وتلك الطريق، إلى الحبيب.. من التيه لابد أن تنجو.. موعدنا التلَّة الخضراء، في الليلة القمراء.. حتى إذا ما جئتُ المكان، والوقتَ والأوان، جلستُ أنتظر.. وطال الانتظار وطال.. وإذا بالسماء تستهلُّ، بمزيج من الدمع والمطر.. وعلى عجل تركتُ المكان، وانسَلَلْتُ من الزمان.. فإذا بآلامي تتجمع، وصورًا تتلبس.. وتتحول إلى طائر عظيم الجناح، ناصع البياض.. وإذا به يحلق بكل جراحاتي، في سماء من الحرير الأزرق.. يحلق ويحلق، حتى اختفى وضاع في سحب الغموض.. وأنا أخلد إلى صمت مهيب، مصدوع الفؤاد، نازف الروح.. ولكنني بدأتُ ألمس من نفسي دلائلَ تبدل روحي، ما من شيء يستطيع أنْ يوقفه أو يخنقه…
وشرعتْ روحي ترسل نورًا هادئًا يغشى الطريق، ويشير إلى معالمه.. فسارت قدماي وهما تغتسلان بأنوار القمر، فوق العشب الأخضر.. فامتلأ قلبي شوقًا وشغفًا، وأَحْسَسْتُ أنَّ إنسانًا جديدًا انبعث من داخلي يقول: متى في صلاتك تتلاشى وتذوب وكأنك ما كنتَ ولا تكون؟!
هل مرةً شربتَ من نبع روح محمد عليه السلام؟! متى هززتَ بصلاتك السماءَ، بل الخليقةَ كُلَّهَا.. قُلْ لي متى كان ذلك منك؟!
فاهتزت مشاعري هَزًّا، ومددتُ يدي إلى أعماقي أَرُجُّها رَجًّا.. فإذا بي أسمع دوي ذلك في أُذُنيَّ وشوشة وطنينًا، وأنَّاتِ أنين.. ثُمَّ.. لا جواب.. لا جواب!
من موقع مجلة حراء