القاهرة (زمان التركية) ــ سلط موقع (مصراوي) المصري الضوء على العلاقة التاريخية بين الأكراد ومصر من خلال تقرير نشره، في الوقت الذي تستمر فيه العملية العسكرية التي تنفذها تركيا في مدينة عفرين السورية ذات الأغلبية الكردية، بدعوى “إرساء الأمن والاستقرار على حدود تركيا والمنطقة، والقضاء على وحدات حماية الشعب الكردية”.
وجاء في التقرير: على الرغم من فتور العلاقات بين الأكراد وأغلب الدول العربية، إلا أن مصر كانت من أكثر البلدان العربية التي تربطها علاقات وثيقة وتاريخية بالأكراد، برزت بشكل واضح في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
يعيش العديد من الأكراد في مصر في محافظات عدة، ورغم أنصارهم في المجتمع المصري إلا أنهم محتفظين بأصولهم، لكن اختلفت الروايات في تحديد دخول الأكراد إلى مصر، فذكرت أنهم دخلوا مع بداية علاقات “الميتانيين” أجداد الأكراد، وبين الملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، بحسب دراسة نشرها الباحث هيثم مزاحم، في مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط.
انتشر الأكراد بشكل كبير في مصر بعد الفتح الإسلامي لإقليم كردستان، وأصبحوا جزءًا من المجتمع الإسلامي ومكوّن أساسي للحضارة الإسلامية وتحديدًا مع تولي صلاح الدين الأيوبي “الكردي الاصل”، والذي ساهم في توافد كبير للأكراد إلى مصر، كرجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وحتى طلبة علم في الجامع الأزهر.
محمد علي باشا الكبير، أيضًا كان من أبرز الشخصيات الكردية التي أثرت في تاريخ مصر، والذي كان من أكراد ديار بكر، وفي عهده استقر عدد كبير من الأكراد في مصر وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول.
وكما جمع الأزهر الشريف الطلاب الراغبين في العلم من كافة أنحاء العالم، كان للطلبة الأكراد رواق خاص بهم في جامع الأزهر الشريف، وكانت له أوقاف قديمة ترجع إلى حوالي 300 سنة. حيث يضم غرفًا للطعام وللنوم، إضافة إلى المكتبة، ويحصل الطلاب المقيمين فيه على الطعام والكساء من الأغنياء، ومن الأوقاف المسجلة عليه، وأسس من وقف الأميرة الكردية خاتون خان.
كان من بين الأكراد الذي تولوا مناصب كبيرة في مصر محمد الكاشف بن إسماعيل بن علي مديرًا لمحافظة الشرقية، وتولى ابنه إسماعيل رشدي باشا مناصب عدة، حيث كان مديرًا لبعض المديريات ورئيساً لديوان الخديوي.
وعلى الصعيد الأدبي برز اسم أمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب الراحل محمود تيمور وابنته عائشة التيمورية، كما برز اسم الفنان رشدي أباظة الذي هو من الأسرة الأباظية التي يرجع أصلها إلى الأكراد، والتي هاجر عدد كبير من أفرادها إلى مصر أيام المماليك وكانت ولا تزال لها مكانتها في مصر.
كانت أول صحيفة كردية في التاريخ، اسمها “كردستان” في عام 1898، وكان رئيس تحريرها هو الأمير مقداد بك بدرخان المتحدر من كردستان الجنوبية، ولم يكن في مقدور الامير الكردي وقتها إصدار صحيفته في مدينته السليمانية ولا في أي مدينة كردية أخرى.
فقد توجه الأمير الكردي إلى القاهرة المستقلة لإطلاق مشروعه الثقافي ـ السياسي الرائد باللغتين الكردية والتركية، والذي يحتفل الاكراد بذكراه كل عام مع شعور عميق بالتقدير والعرفان لمصر التي كان لها فضل في إصدار أحد أهم وثائق إثبات الهوية القومية للأمة الكردية، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان يعامل الأكراد معاملة مختلفة جعلت اسمعه خالدًا لدى الأكراد كما هو لدى العرب؛ حيث اعتبر أن للأكراد حقوقاً لغوية وثقافية يتعين أن يتمتعوا بها في البلدان العربية التي هم مواطنون بها.
أتاح ناصر للأكراد أن يطلوا على العالم من خلال محطة إذاعية هي الأولى من نوعها، في عام 1957م.
وقد هرع السفير التركي في القاهرة منذ الفجر إلى مقر عبد الناصر لتسجيل احتجاج أنقرة على بث إذاعة كردية من مصر، فقال له الرئيس المصري في هدوء “معلوماتي تفيد بأنه لا وجود للأكراد في تركيا، كما تقولون، وان هؤلاء الذين يوصفون بأنهم اكراد ما هم الا اتراك جبليون. لماذا اذًا أنتم غاضبون من اذاعة كردية؟”.
كما استقبل عبدالناصر الرجل الذي أصبح لاحقًا زعيمًا تاريخًا للأكراد وهو مصطفى بارزاني، وأنشأ علاقة متواصلة معه، بل وناهض الحرب التي شنت على الاكراد.
الشخصيات الكردية التي رافقت بارزاني في لقائه مع عبد الناصر تؤكد ان الاخير اظهر تفهمًا لوجهة النظر الكردية، وقد حافظ عبد الناصر على علاقة ودية مع الاكراد مع تفاقم صراعهم مع قاسم.
ففي كتابه “كردستان والحركة القومية الكردية” الصادر 1971، يقول جلال طالباني الذي قابل عبد الناصر مرات عديدة ممثلا لبارزاني وللحزب الديمقراطي الكردستاني أن عبد الناصر كان يؤيد مطلب الاكراد بالحكم الذاتي ويعارض الحرب ضدهم.، بحسب ما نقلته الشرق الأوسط.
ويضيف “خلال سنين القتال التي اعقبت الاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر ظلت حكومة الجمهورية العربية المتحدة على موقف ودي من الاكراد. فعندما تجدد القتال بين الاكراد وحكومة بغداد 1963 اعلنت القاهرة معارضتها الحرب كأسلوب لحل القضية الكردية وعارضت بشدة اشتراك ضباط اتراك وايرانيين في العمل ضد الاكراد، ودعا الرئيس ناصر الى ايقاف القتال والشروع في محادثات سلمية لحل القضية الكردية”.