عمر نور الدين
هل هناك داع لكل هذه الضجة حول عودة تركيا إلى أحضان إسرائيل؟ ولماذا كل هذا القدر من الشعور بالمفاجأة أو الذهول للإعلان عن التوصل لاتفاق بين حكومة العدالة والتنمية وإسرائيل” الصديقة” وشعبها من المستوطنين لأراضي فلسطين ” الصديق” أيضا ؟..
لايعني شعور المفاجأة والصدمة لدى أصحابه إلا شيئا واحدا فقط وهو أنهم صدقوا الأكاذيب المتلاحقة للعدالة والتنمية وانخدعوا بخطاباته البراقة عن نصرة المظلومين في غزة، من أجل حصد الأصوات في الانتخابات وهي اللعبة التي يجيدها أصحاب الإسلام السياسي.
في كثير من المقالات والتحليلات المتتابعة حتى الآن، والتي حاولت التوصل إلى أسباب هذا الارتماء التركي في أحضان إسرائيل بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة التي عاد من خلالها حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منفردا، والتي كتبت في أعقاب التسريب الإسرائيلي لأنباء التوصل لاتفاق والتصدق التركي على هذه الأنباء، ظهر أن هناك من يحارون في توصيف الحالة وأن هناك، لاسيما بين الهائمين حبا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة العربية ومن يعتبرونه خليفة للمسلمين انسياقا وراء خطاباته الرنانة عن إرهاب إسرائيل واحترافيتها في قتل الأطفال، حالة من الذهول أو الصدمة.
لكن الأمر أبسط بكثير من ذلك، فالمتابع لسياسة العدالة والتنمية منذ توليه السلطة في تركيا عام 2002 ، يدرك أن التحولات الفجائية وتغيير التكتيكات من أجل الحفاظ على البقاء في السلطة هما أحد العوامل المميزة له فضلا عن اعتماده على خداع كتلة الناخبين واللعب على المشاعر الدينية والإنسانية لمن يتعاطفون مع خطابات نصرة المظلوم وغيرها من الادعاءات التي يجيد ترويجها جميع مسؤولي العدالة والتنمية من كبيرهم إلى صغيرهم ويوظفونها لاتهام خصومهم بالخيانة والعمالة لإسرائيل ” الصديقة” نفسها لتحقيق الغرض ذاته.
والمتعمق أيضا في تحليل مزاج الشعب التركي على اختلاف طوائفه لن يجد أن هناك رفضا لفكرة إقامة علاقات جدية وطبيعية مع إسرائيل، وقد يكون في هذا إجابة على التساؤلات الكثيرة التي ظهرت عقب الإعلان عن الاتفاق بين الحكومة التركية وإسرائيل على تطبيع العلاقات ووصف المتحدث باسم العدالة والتنمية عمر تشيليك إسرائيل ومستوطنيها، الذي أسماه بالشعب الإسرائيلي، بالأصدقاء.. وهذه حقيقة لاتقبل الشك .. بالفعل إسرائيل صديق للعدالة والتنمية والدليل أن العلاقات ورغم خفض درجتها الدبلوماسية سارت بأعلى مما يتوقع بكثير في المجالات التجارية والسياحية وفي مجال نقل الغاز من شمال العراق إلى إسرائيل عبر دوائر لصيقة بالعدالة والتنمية وقياداته الكبرى التي وافقت على إمداد إسرائيل بوقود الطائرات التي تقصف غزة ، بينما كانوا يواصلون خداع الشعب بالبكاء على غزة والادعاء بنصرة غزة وأهل غزة وأطفال وشيوخ ونساء غزة.
إن غزة هي قضية وجدانية للشعب التركي، من قبيل تعاطف المسلم مع أخيه المسلم ونصرته له، لاشك في ذلك، لكن القضية لدى سياسيي العدالة والتنمية من ذوي الجذور الإسلامية ليست كذلك، هي ورقة رائعة نفعهتهم كثيرا في الانتخابات، فمع كل جريمة إسرائيلية في غزة يبرز أردوغان ورفاقه للصياح في الميادين وصب اللعنة على إسرائيل القاتلة، إسرائيل الإرهابية، بينما أصدقاؤهم في إسرائيل يعلمون أن ذلك أمر لا مشكلة فيه لأن غرضه هو مخاطبة اللعب على الداخل التركي وكسب الأصوات، وساسة إسرائيل أنفسهم يلجأون لذلك في الكثير من الحالات.
لن نستغرق وقتا طويلا في التعبير عن الدهشة لتضحية العدالة والتنمية بقضية حصار غزة وضحايا سفينة مافي مرمرة أو دموع وآلام عائلاتهم وهم يرون يد حكومة تركيا تمتد لتعانق أيادي من قتلوا أبناءهم، ولا الاستهانة بمشاعرهم ووصف إسرائيل ومستوطنيها من قتلة المواطنين الأتراك وأطفال غزة بالأصدقاء، فهذه أمور تجاوزها العدالة والتنمية بعد أن ضمن البقاء في السلطة حتى عام 2019 ، إلى أن يحين موعد الانتخابات من جديد ووقتها سيكون الشعب نسي كل ذلك وسيجري التعامل مع إسرائيل على أنها صديق لتركيا بالفعل.
لكن ما يعنينا في هذا الأمر هو تركيا ومكانتها التي أذلها ساستها من أجل البقاء في السلطة، لقد ابتلع العدالة والتنمية الإهانة وبعد أن ملأ الدنيا ضجيجا بعد أن أجلس مساعد وزير الخارجية الإسرائيلي السفير التركي في تل أبيب على مقعد منخفض أمام الصحفيين والكاميرات عقب أزمة دافوس المسرحية الشهيرة ” دقيقة من فضلكم ” أو” One Minute” .. فها هو اليوم ينقل تركيا بكاملها ، والتي يسميها ” تركيا الجديدة” إلى مقعد إسرائيل المنخفض .. ولا عزاء للمظلومين في غزة الذين كانوا وسيلة لجمع الأصوات بينما الخطط تدار بين العدالة والتنمية وإسرائيل باطلاع من حركة حماس، حليف العدالة والتنمية، للوصول إلى هذه اللحظة التي يشعر الكثيرون فيها، بلاسبب، بالحيرة والدهشة ..