بقلم: حسن أشرف
كان لمقال نشره محمد فتح الله كولن، المفكر الإسلامي التركي ومؤسس حركة “خدمة”، على صفحات جريدة “لوموند” الفرنسية، بخصوص الأعمال الإرهابية التي شهدتها فرنسا، والتدخل في سوريا والعراق، صدى كبيرا وسط مراقبين ومتخصصين وجدوا في طروحات كولن “جرأة فكرية” تُحسب له.
ودعا كولن في المقال ذاته، المسلمين إلى استخدام النقد الذاتي لتصرفاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم، والتخلي عن اللجوء إلى نظرية المؤامرة التي ألف المسلمون التمسك بها في كل محنة أو حادث جلل، مبرزا أن نظرية المؤامرة هي التي تمنعنا من مواجهة مشكلاتنا الذاتية كما هي”.
وتساءل ومؤسس حركة “خدمة”، وفق ما نشرته “زمان عربي” التركية، بالقول “هل أصبحت مجتمعاتنا مهيّأة لقيام المجموعات ذات العقلية الشموليّة بتجنيد عناصر لها بسبب الميول الاستبدادية الخفية التي استقرت في نفوسنا وسلوكياتنا، والعنف الجسدي، وإهمال الشباب، ونقص التعليم المتوازن”.
وذهب المفكر التركي في مقاله إلى أن إدانة المسلمين للعمليات الإرهابية فقط لن تكون كافية”، مشددا على “ضرورة مجابهة أعمال الإرهابيين الذين يجندون الشباب في المجتمعات الإسلامية بحنكة وحصافة، عبر تحالف يضم مؤسسات حكومية وقادة دينيين ومنظمات غير حكومية.
وأثار مقال كولن المنشور بالصحيفة الفرنسية الشهيرة، والمعنون بـ”يجب علينا كمسلمين تحليل فهمنا للدين تحليلا نقديا” ردود فعل كثيرة، كما حظي بمتابعة معتبرة من طرف متخصصين ومحليين، وحتى من لدن عدد من علماء اللاهوت الفرنسيين الذين أكدوا أن العالم بات بحاجة إلى أكثر من كولن واحد”.
صواش: هذا هو كولن
وفي تعليقه بشأن خلفيات مقال كولن في الجريدة الفرنسية، قال نوزاد صواش، الكاتب التركي ومدير تحرير مجلة “حراء”، في تصريحات لهسبريس، إن المقال جاء في وقته، وكونه خرج من قلم شخصية لها وزنها في العالم الإسلامي والعالم الغربي، وكذلك صدوره في إحدى أكبر الصحف الأوروبية، يعطي المقال صدى أوسع”.
وعزا صواش أهمية المقال إلى كونه يحتوي على مستوى عال من المصداقية، لأن الأستاذ كولن عاش كل حياته يدعو إلى الفكر والعمل الإيجابيين، ويرفض كل أنواع العنف، فأصحاب الاتجاهات المتطرفة لم يحصدوا سوى الدمار، ودفعت الأمة فواتير باهظة جراء ما يقترفون”.
وتابع صواش بأن كولن جرب الفاعلية الإيجابية، ومنهج بناء الإنسان، وتربية الأجيال، والاهتمام بالتعليم، وبناء جسور التواصل والحوار مع الآخر، والتسامح، والتعايش”، مبرزا أن الخط العملي الذي سار عليه كولن طيلة حياته يثبت أنه لا سبيل للمسلمين إذا أرادوا أن يمثلوا الإسلام حقا، إلا العمل الإيجابي البعيد عن العنف والتطرف”.
واستطرد المفكر التركي بأنه “في الوقت الذي تنساق فيه النخب وبعض العلماء وراء عاطفة الجماهير، وتتكيف وفق مشاعر الشارع، انبرى كولن ليقول كلمته الحاسمة، ويسجل شهادته الفاصلة، فبرّأ ذمة الإسلام من العنف والإرهاب مرة أخرى، ودعا عقلاء الأمة وحكماءها إلى الصمود على هذا الموقف بقوة”.
واعتبر المتحدث أن “مقال كولن سيطمئن بعض القلوب الغربية المذعورة من الإسلام، ويخفف من روعها، وكذلك سيمكن المسلمين الذين يعيشون في الغرب وأمريكا والبلدان غير الإسلامية من أن يلتقطوا أنفاسهم بعض الشيء، ويؤكدوا بشجاعة على المبدأ الذي أكده الأستاذ في مقاله”.
وأشار صواش إلى أن كولن يعيش في أمريكا منذ أكثر من 15 عاما، وهو أفضل من يعرف الحالة النفسية التي يعيشها المسلمون والغربيون على حد سواء في أجواء أرهبة الإسلام، لذلك يرسل رسالة تهدئة لعقلاء الغرب أهل الإنصاف منهم، وكذلك يدل المسلمين على الدرب الذي ينبغي أن يسيروا عليه”.
ولفت صواش إلى أن “المضحك المبكي أن كولن، الذي عاش للسلم طوال حياته، وربى جيلا من السلميين في تركيا وعبر العالم، ولم يسجَّل عليه أو على تلاميذه أدنى صلة بأي حادث عنف، يحاكم اليوم في تركيا على أنه زعيم عصابة إرهابية مسلحة، وهذه من المضحكات المبكيات” وفق تعبيره.
وخلص الكاتب ذاته إلى أن “كولن يبقى صادقا في تمسكه بمبدأ السلم، فتجده لا ينحرف ناحية التطرف ولا العنف ولا الإرهاب، ولا يقع فريسة الاستفزاز، رغم ما يتعرض له منذ ثلاث سنوات من الشتم والأذى وخطاب العنف والكراهية واغتيال السمعة والتهم التي لا سند لها”، بحسب شواس.
الكنبوري: نقد للاختيار العسكري
ومن جهته اعتبر الباحث في الفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، أن الصحيفة الفرنسية أرادت من خلال نشر مقال كولن توجيه رسالة غير مباشرة إلى ما يسمى “التحالف الإسلامي”، الذي يضم بلدانا عربية وإسلامية، بينها تركيا التي ينتمي إليها كولن، وذلك لكون هذا الأخير صنع صورته في الغرب كزعيم إسلامي جديد، يبشر بقيم عالمية تتجاوز الفروقات الدينية والعرقية، ويسعى إلى تحقيق تصالح الحضارات بديلا عن صدامها.
ويشرح الكنبوري فكرته هذه بالقول في تصريحات لجريدة هسبريس، إن صحيفة “لوموند” أرادت بنشر ذلك المقال مخاطبة مسلمي فرنسا، بطريقة أو بأخرى، عن طريق رجل يتزعم حركة مهمة على الصعيد الإسلامي تثير الجدل في بعض الأحيان، لكن هناك إجماعا على تقدير منهجها في التغيير.
ورأى المحلل ذاته أن “المقال الجديد الذي بصم عليه كولن قد يعد نوعا من النقد المبطن للاختيار العسكري بمفرده كحل لمعضلة الإرهاب والتطرف، حيث يطرح تصورا شاملا يؤكد على الإصلاح الجذري للمنظومة الدينية، ونشر التعليم الديمقراطي، والنقد الذاتي، والحرية الفكرية، ونبذ التمييز العرقي والديني”.
وسجل مؤلف “الإسلاميون بين الدين والسلطة” أن مقال المفكر التركي ساوى بين السنة والشيعة، كما ساوى بين المسلمين والمسيحيين في تضررهم من العمليات الإرهابية الدموية، واقترح إنشاء تحالف أوسع لا يكتفي بالأنظمة السياسية فقط، بل يضم الزعماء الدينيين ومنظمات المجتمع المدني.
وبحسب الكنبوري، فإن نشر “لوموند” لمقال كولن اعترافٌ بغياب الشخصيات الإسلامية المعروفة على نطاق واسع في الغرب، بحيث إن المشكلة الحقيقية التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم في علاقته مع الغرب، هي عدم وجود شخصيات إسلامية مؤثرة في المجتمعات الغربية، وذات حضور وازن فيها”.
ولفت المتحدث إلى أن العالم العربي والإسلامي فيه شخصيات كثيرة، لديها تأثير على الرأي العام الإسلامي، خاصة بعد ظهور وسائل التواصل الحديثة والفضائيات التي ساهمت في ترويج هؤلاء، بمثل ما ساهمت في ترويج شخصيات دينية متشددة، ولكن هذه الشخصيات يبقى تأثيرها محدودا وسط المسلمين، بينما يحتاج الغرب اليوم إلى شخصيات تلعب دور الوسيط بينه وبين المسلمين، وربما كانت “لوموند” قد انطلقت من هذه النقطة في نشرها لمقال كولن”.
من موقع صحيفة هاسبريس