إسطنبول (زمان عربي) – يتعرض الأستاذ فتح الله كولن ومتطوعي حركة الخدمة لاتهامات تأسيس أو عضوية “تنظيم” وهي اتهامات شبيهة لما سبق أن تعرض له الأستاذ سعيد النورسي وطلابه.
وقد عرف طلاب حركة النور مهامهم بأنها “خدمة إيمانية، وتربية للأجيال الصالحة”ولكنهم رغم ذلك تعرضوا لاتهامات بأنهم يسعون لتغيير النظام الدستوري للدولة، والقيام بثورة على الحكومة، وممارسة أنشطة منافية للديمقراطية، واتخاذ الدين وسيلة لأغراض سياسية. كما كانت تُذكر هذه الافتراءات في الصحف تحت عناوين مثل “اعتقال عضو آخر في حركة النور” أو “اعتقال أشخاص من حركة النور”.
وكان المدعي العام سردار جوشكون قد سأل نائب إزمير السابق من العدالة والتنمية إيلهان إيشبيلين، إن كان سبق له أن التقى فتح الله كولن أم لا؟ ولطالما سئل طلاب سعيد النورسي: “هل تعرفون سعيد النورسي؟ وما الذي تعرفونه عنه”؟
كما كان طلابه والذين يدعمون نشر كتبه بغية الخدمة الإيمانية يُصنفون تحت مسمى “نوريين”، ويتعرضون للتضييق. وذلك بإجراءات غير قانونية مثل التي يتعرض لها اليوم المتطوعون في الخدمات التعليمية والذين يدعون إلى الحوار والتسامح ويستلهمون أفكارهم من الأستاذ فتح الله كولن.
إعادة تطبيق مظالم الأربعينيات
إن التهم الموجهة إلى 63 شخصا بينهم إيلهان إيشبيلان، وجمال أوشاك، وكاظم أوجي، مثل: “محاولة الإطاحة بالحكومة، وإلغاء النظام الدستوري، وتأسيس تنظيم مسلح وإدارته”؛ كانت تُوجَّه أيضا لطلاب النور ضمن المادة 163، في الأربعينيات والخمسينيات وما بعدهما.
وكان حزب الشعب الجمهوري قد انفرد بالحكم مدة 27 سنة بعد أن أسسه أتاتورك، وقد انتهى عهد انفراد هذا الحزب بالحكم بعد إجراء الانتخابات الحرة. ففي 1950 بدأت التعددية الحزبية. ورغم وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة لم يتخلص محبو الحركة النورية من الملاحقة. وكان الانتساب للحركة النورية من أكبر الجرائم بالنسبة للدولة، لذا خضع طلاب النور لمراقبة مشددة.
كانت هناك مطالب بإعدام النوريين وفق ملفات فارغة
وكان النوريون الذين يعتقلون ويُسجنون لأيام يمثلون بعد ذلك أمام المحكمة. وكانت الدعاوى التي تُرفع بحق المتَّهَمين تحتوي على مطالب قد تصل إلى حد الإعدام، ولكن كثيرا من تلك الدعاوي كانت قد أسفرت عن تبرئة المتهمين لكون الملفات خالية من أية أدلة ملموسة.
اعتبار كتب كولن المطبوعة بإذن وزارة الثقافة دليلا على تأسيس تنظيم
تم تنفيذ عمليات تفتيش للكثير من المنازل في أنقرة وإسطنبول وغيرهما من المحافظات، فجُمعت مؤلفات الأستاذ كولن الموافق عليها من قبل وزارة الثقافة، والمنتشرة في الأسواق لتصل إلى ملايين القرّاء، وذلك بحجة أنها دليل على التنظيم.
وفي الأسبوع الماضي صدر قرار باعتقال 73 شخصا، وأثناء التحقيق الذي جرى في أنقرة وجه المدعي العام إلى المعتقلين 25 تهمة من التهم الواردة في قانون العقوبات التركي، وأهمها إدارة تنظيم إرهابي، ومحاولة إزالة النظام الدستوري.
اتهم الأستاذ سعيد النورسي أيضا بأنه زعيم تنظيم
إن هذه التهم كانت قد وُجهت لطلاب النور أيضا. فالمدير العام للأمن والشرطة نجيب صان ذكر أسماء طلاب النور الذين يعملون على نشر رسائل النور في 29 محافظة، وذلك في تقرير حمل توقيعه وصدر بعنوان (ممثلو الحركة النورية في محافظات مختلفة) في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1960.
وبحسب سجلات التصنيف في الدولة فقد كان العالم الإسلامي الشهير سعيد النورسي يتهم بأنه: “قومي كردي، ويستخدم الدين كوسيلة للحركات الرجعية، وتأسيس ما يسمى بالحركة النورية”.
وقد كانت الحركة النورية توصف بأنها “تنظيم” وتعرّف في التقرير المعنون بـ”المناطق والمحافظات التي تنتشر فيها تنظيم الحركة النورية” على هذا النحو: “ثمة ممثل لزعيم الحركة النورية في كل محافظة تقريبا. وهم يعملون بشكل منظم، ويتصرفون حسب التعليمات الصادرة عن المركز. ويرتبط المريدون بهؤلاء الممثلين ارتباطا وثيقا. وإن أنشطة الحركة النورية مقتصرة في الأغلب على المناطق التي ينتشر فيها العمّال والجهّلاء والمتعصبون”.
الافتراءات التي رمِي بها النورسي يرمى بهاكولن أيضا
كان الهدف من الإفتراءات هو تشويه سمعة الأستاذ سعيد النورسي والتقليل من شأنه في عيون الناس. حيث كانوا يزعمون أنه: “مجنون، ولا علاقة له بالعلم ولا بالدين. وأنه يعرف القراءة ولكنه لا يعرف الكتابة والإملاء. وأنه ليس ملمًّا باللغة التركية. وأنه يتدخل في السياسة. وأنه بعيد عن الدين والإيمان إلى درجة أنه يسب سلطان بلده، ويُصفق لأرمني عدو للدين بسبب تعصبه للقومية الكردية. وأنه أخطر من الماسونيين والشيوعيين!” كما أنه كان من التهم أنه “حشّاش”!
اعتُقل بديع الزمان سعيد النورسي في 28 يناير/كانون الثاني 1948، وسُجن في مدينة أفيون لمدة 20 شهرا في زنزانة منفردة، فلم يكن يُسمح له بلقاء أحد. وتعرض لنوع من العزلة. كما حاولوا قتله مرارا من خلال وضع السم في طعامه وشرابه.
وكان المدعي العام في أفيون كارا حصار يقول في سعيد النورسي: “كما تسبب حسن الصبّاح في اضطرابات بأنشطته السياسية المناهضة لأهل السنة والجماعة، وذلك يريد بديع الزمان أن يُحدث اضطرابات سياسية مشابهة”.
حاولوا تشويه سمعة العالم الإسلامي بالزنى والسكر
تعرض الأستاذ بديع الزمان لمؤامرة أثناء إقامته في مدينة أفيون سنة 1947، حيث كتبت على ورقة عبارة: “اشترى خادم سعيد من إحدى الحانات عَرَقا (نوعا من الخمر) لسعيد” وطلبوا من السكارى في الحانة أن يوقعوا على هذه الورقة.
ولكن أحد السكارى قال: “أستغفر الله، من ذا الذي يوقع على مثل هذه الأكذوبة”؟
وثمة افتراء آخر أطلق على سعيد وهو أنه كان يقضي الليالي مع بعض النساء في بيته.
وقد رد بديع الزمان بكل وضوح على هذا الافتراء: “إن باب غرفتي يكون مقفلا من الداخل والخارج طوال الليل، ويكون ثمة حارس يقف عند باب غرفتي بأمر من صاحب هذا الافتراء”.
الافتراء بأنه يعيش مثل السلاطين
بعد اعتقال طالبين لتوزيعهما رسائل النور في بلدة نازلّي سنة 1958، بدأت حملة تستهدف سعيد النورسي. فقد ذكرت بعض الصحف أنه “يعيش مثل السلاطين”، و”أنه يروج لغاية سياسية”، و”أنه يُؤسس طريقة صوفية”.
ورغم تبرئته بقرارات صادرة عن المحكمة، فقد ظلت تهمة تأسيس طريقة صوفية واردة في جدول الأعمال، ورفعت بحقه دعاوي قضائية جديدة.
وعلى الرغم من تبرئته فقد مثل أمام المحكمة مرارا بسبب التهم نفسها. ولكنه حاول نيل حقه بالطرق القانونية. ولم يتهم الدولة بكاملها. إذ كان يرى بأن الذين يستهدفون رسائل النور كانوا قلة. ولطالما لفت الأنظار إلى هذه النقطة عندما دافع عن نفسه في المحكمة، ودعا القضاة إلى إصدار أحكامهم وفق ضمائرهم ودون أن يخضعوا لتأثيرات خارجية.