على أصلان – صحيفة زمان
أشعر بالغضب والامتنان في الوقت نفسه لدونالد ترامب، مرشح الجمهوريين للرئاسة الأمريكية. أشعر بالغضب منه لأنه ألبس الشرعية بنسبة معينة على الخطابات العنصرية في التيار الرئيسي في السياسة الأمريكية وأشعر بالامتنان له لأنه أوصل معاداة المسلمين إلى ذروتها بالدرجة التي دفعت جميع العقلاء إلى الدفاع عن المسلمين وأكدت للعالم أجمع قبح مفهوم الإسلاموفوبيا.
فهناك أعراق مختلفة داخل الحزب الجمهوري الذي يمثل التقليد المحافظ والقومي واليميني. وكما يحتوي الحزب الجمهوري اليمين المركزي يوجد كذالك المحافظون المتشددون الذين ينظرون إلى غير المسيحيين من المهاجرين والأعراق الأخرى من غير البيض بعين الريبة في البنية التشكيلية لهذا الحزب. فالآونة الأخيرة تشهد صراعا بين القاعدة المركزية للحزب وقاعدة التيار اليميني، فالقاعدة المركزية تفقد مع مرور الوقت السيطرة لصالح التيارات المحيطة. والسياسيون الانتهازيون أمثال دونالد ترامب يعملون على جمع الأصوات من التيارات المحيطة والتحكّم في المركز. ثم يريدون التغلب على الحزب الديمقراطي وإضفاء لونهم الخاص على النظام بأكلمه. ولتحقيق هذه الأهداف المزعومة يستخدمون الخطابات العنصرية والاستقطابية.
في الواقع دونالد ترامب لم يبدأ سلسلة الإهانات بالمسلمين، فحتى الآن الجميع أخذ نصيبه من لسانه السليط نصيبهم بدءا من أصحاب الإعاقات والصحفيين والسود والنساء والآسيوين والمهاجرين اللاتينين وبالطبع خصومه السياسية. لكن أكثر الخطابات التي أثارت ردود الفعل هي خطاباته المعادية للمسلمين. وكان ترامب وبعض منافسيه من الجمهوريين قد طالبوا مسبقا بوضع المسلمين في أمريكا على القائمة السوداء. لكن مطالبة ترامب بعدم قبول المسلمين في أمريكا بدعوى حمايتها من الإرهاب لم تلق أية دعم من جميع منافسيه.
استغلال موجة الخوف
المذبحة التى تسبب فيها تنظيم داعش في باريس والهجوم الإرهابي الدموي الذي نفذه زوجان مسلمان في كاليفورنيا تسببا في موجة هلع كبيرة في أمريكا. وكان هدف ترامب هو الاستفادة من هذا الوضع سياسيا لكن هل نال مبتغاه؟ الأمر لا يبدو كذلك في الوقت الراهن. فبحسب آخر الاستطلاعات التي قامت بها رويترز وإيبسوس حصل ترامب على دعم 35% من الناخبين الجمهوريين بنسبة لم تشهد أية إرتفاع أو انخفاض. في حين تصدر تيد كروز، منافسه في ولاية آيوا أول الولايات التي ستقام فيها الانتخابات الأولية، الاستطلاع بفارق عشر نقاط. وتظهر أغلب الاستطلاعات تراجع ترامب أمام هيلاري كلينتون، أقوى مرشحي الحزب الديمقراطي.
وتعكس ردود الفعل الأولية للشعب الأمريكي على اقتراحدونالد ترامب حول التخوف من الإسلامفي الخطوط الحزبية بنسبة كبيرة. فوفقا لاستطلاع وول ستريت جورنال دعم نحو 42% من الجمهوريين اقتراح ترامب بمنع المسلمين من دخول أمريكا بينما عارض 75 % من الديمقراطيين الاقتراح. ووجد 57% من كبار السن الاقتراح سلبيا. ويتصدر البيت الأبيض صفوف أعنف المنتقدين لترامب. حيث قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن التسرع في إصدار الأحكام والعنصرية تعدان في صالح داعش بينما أكد متحدثو البيت الأبيض أن ترامب فقد أهليته لتولي الرئاسة. كما انتقد أيضا جمهوريون من العيار الثقيل أمثال رئيس مجلس النواب بول راين ونائب رئيس الوزراء السابق ديك تشيني، ترامب. وقدم نائب الجمهوريين عن ولاية أريزونا جيف فليك رسالة واضحة في هذا الشأن باصطحابه زوجته وإبنيه إلى صلاة الجمعة في أحد المساجد. ووجهت وسائل الإعلام الأمريكية ،باستثناء بعض مقدمي برامج قناة فوكس نيوز وقنوات الراديو التابعة للمحافظين المتشددين، في برامجها انتقادات إلى ترامب.
وبينما يعد ترامب الخاسر هذا الأسبوع فإن الإدارة والنجوم والسياسيين ووسائل الإعلام اجتازت هذا الاختبار بنجاح. كما أنه تم رفض اقتراح ترامب لأنه يعد انتهاكا لدستور أمريكيا الليبرالي وتقاليد مؤيدي المهاجرين التقليديين وحقوق الإنسان والقانون الدولي.
ولولا هذه المبادرات الإيجابية لزادت اتهامات الكراهية بحق مسلمي أمريكا بنسبة كبيرة. بل على العكس شهدت أمريكا عدة حوادث فردية وبالتأكيد عدد من يدعمون فكر ترامب في أوساط الشعب الأمريكي ليس بقليل لكن تطبيق هذا الفكر أمر غير ممكن سياسيا وحقوقيا.
موقف أوباما المسؤول
ظهور الزوجين المسلمين، الذين قتلا 14 شخص في كاليفورنيا، في مظهرهما الخارجي كأنهما عائلة طبيعية زاد من صعوبة الموقف للأقلية المسلمة.
فالعائلات المسلمة تشعر بالقلق من المعاملة السيئة تجاههم من قبل الخلايا الإرهابية النائمة وتولي اهتمام خاصة إلى تعامل المجتمع الأمني بطريقة عقلانية ومسؤولة. ودعا الرئيس الأمريكي جموع الشعب الأمريكي، في خطابه الذي ألقاه في السادس من ديسمبر/ كانون الأول من مكتبه في البيت الأبيض وفي خطابه الأخير للشعب، إلى الترحيب بالمسلمين قائلا:”مثلما أن مهمة استئصال الفكر المشوه الذي يخلق التطرف تقع على عاتق المسلمين في كل أنحاء العالم فإن مهمة نبذ العنصرية تقع على عاتق جميع طوائف الشعب الأمريكي من كل المعتقدات الدينية”.
هناك دروس مستفادة لتركيا في عدم سماح السلطات الأمريكية والنخبة لأفكار ترامب العنصرية بالانتشار. لأننا في وضح أصبحت العنصرية أحد أكثر العملات السياسية رواجا بل وتحولت فيه العنصرية إلى سياسة دولة. فبينما تبعد الأحزاب في أمريكا أعضاءها ممن يستخدمون لغة الإقصاء والعنصرية فإن أمثالهم في تركيا قد يحظون باحترام وقبول لإنهم إن ألقوا افتراء واحدا فإن وسائل الإعلام الموالية لهم وأنصارهم يلقون ألف افتراء.
ومن الأمثلة على الاستقطاب والتمييز ونثر بذور التفرقة في المجتمع في تركيا قول بعضهم قاصدا فئة معارضة في المجتمع “سوف نحرمهم حتى من جرعة ماء”ومعاملتهم كأنهم “إرهابيون” و”خونة للوطن” دون أي دليل أوحكم قضائي والزج بالنساء وكبار السن من رجال الأعمال والأساتذة في السجن واغتصاب ممتلكاتهم وإسكات وسائل الإعلام والصحف التي تعمل على الدفاع عنهم. فعلى ما يبدو أن عقلية ترامب هي نفسها عقلية السلطة الحاكمة في تركيا.بل إن الذين في تركيا يفوقون أنصار ترامب في أمريكا في موضوع الكراهية. فترامب يتحدث فقط ولكن أمثاله في تركيا ينفذون ما يحلم به ويتحدث عنه ترامب.والذين يغضبون ممن يطلبون ممارسة التمييز تجاه المسلمين في أمريكا ويصفقون في الوقت نفسه الظلم القائم تجاه المسلمين في تركيا باسم الدولة يستحقون في الحقيقة الإدارة من قبل أمثال ترامب.