بقلم: رها تشامور أوغلو
يزداد جو تركيا تأزّما مع مرور الوقت. وينطبق هذا الوضع على قول أحد الشعراء “أصبح الهواء ثقيلا مثل الرصاص”، فحين أردنا استنشاقه امتدت يدٌ إلى مجرى التنفس وعملت على سده.
فلو ألقينا نظرة على الأسبوع الأخير فقط لتبين لنا مدى تأزّم الوضع. وثمة أسئلة تطرح نفسها وكل سؤال تتمخض عنه أسئلة أخرى:
1- إذا كان إسقاط الطائرة الروسية بسبب انتهاك الأجواء التركية، فما هو تفسير انتهاك الطائرات اليونانية للأجواء التركية أو انتهاك الطائرات التركية للأجواء اليونانية في منطقة بحر إيجه؟
2- إذا اعتبرنا قضايا السياسة الخارجية كلها قضايا وطنية غير قابلة للنقاش، فمن هو الذي سيتخذ القرارات التي تحدد مستقبل هذا البلد وحاضره، وأين سيكون اتخاذ تلك القرارات؟
3- إذا دخل الحزبان الشعب الجمهوري والحركة القومية في منافسة وطنية مع العدالة والتنمية فمن هو الذي سيحقق النصر؟
4- إذا كانت روسيا دولة صديقة كما يردد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو فلماذا قمنا بإسقاط طائرتها؟
5- من أين تأتي ثقة بعض الصحفيين في كتاباتهم، وبعض الساسة في تصريحاتهم بأن هذه الأزمة لن تتطور حتى تتحول إلى حرب؟ فهل ثمة ضمانات لديهم يعلمونها؟ أم أن لديهم جهلا شديدا في الأمثلة التاريخية على نشوب الحروب بشكل مفاجئ؟
وثمة حدث وخيم آخر وقع في الأسبوع نفسه، وهو اعتقال رئيس تحرير جريدة جمهوريت جان دوندار وممثل الجريدة في أنقرة أردم جول. وها هي الأسئلة التي تطرح نفسها حول هذا الاعتقال:
1- هل لهذه الاعتقالات علاقة بمقولة الرئيس رجب طيب أردوغان: “لن أدعه وشأنه” قاصدا بذلك جان دوندار بعينه؟.
2- فإذا كانت لها علاقة بذلك، فكيف لنا أن نقتنع بوجود ما يُسمى بالقانون في هذا البلد؟
3- فإذا كان جان دوندار وأردم جول قد ارتكبا جرما شنيعا كالتجسس، فهل ثمة من لم يرتكب هذا الجرم سواء من المؤيدين للحكومة أو من المعارضين لها؟
4- هل ثمة دليل واحد متعلق بالأعمال الإرهابية للتنظيم الإرهابي المزعوم لجان دوندار؟ فإن كان هناك دليل على ذلك فبأي تخيلاتهما قدم جان دوندار وأردم جول دعمهما لذلك التنظيم الإرهابي المتخيل؟
5- قال داود أوغلو: “لقد كانوا يهدفون محاكمتنا في المحكمة الجنائية الدولية”. وفي هذه الحالة ألا ينبغي على داود أوغلو أن يصرح بكل شفافية بعدم وجود ما يوجب محاكمتهم في المحاكم الدولية بدلا عن حبس الصحفيين؟
يكاد المرء يضحك من هذه التصريحات السخيفة، ولكننا لا نعيش أحداثا تدفعنا للضحك. وقد نضحك على هذه السخافات في المستقبل كما ضحكنا على ما جرى أثناء انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980.
ولاشك في أن أسوأ الأحداث التي مررنا بها خلال أسبوع واحد فقط، هي حادثة اغتيال طاهر ألتشي. وقد نجم عنها ما لا يمكن إحصاؤه من الأسئلة:
1- لماذا يدور النقاش حول ما إذا كانت حادثة القتل نتيجة اغتيال أو بسبب رصاصة طائشة، بمجرد وقوع الجريمة الشنيعة؟
2- ألم يصرح داود أوغلو بورود الاحتمالين في بداية الأمر؟ فلماذا استخدم نائبه نعمان كورتولموش عبارة “اغتيال”؟
3- إذا كان الموظفون بالنيابة العامة وفرق البحث والتقصي لا يستطيعون الوصول إلى مكان الحادث لإجراء البحث والتدقيق مع أن محل الحادث في مركز إحدى المدن الكبيرة (دياربكر) في تركيا فهل أي مسؤول يستطيع الحديث عن هيبة الدولة؟
4- إن هناك مقطع فيديو مسجلا بالصوت والصورة أثناء وقوع الحدث المشؤوم، ورأينا فيه للأسف الشديد إطلاق المئات من الرصاصات، وإصابة واحدة منها فقط رقبة طاهر ألتشي أودت بحياته، ألا يثير ما يظهر في هذا التسجيل تساؤلات كثيرة لدى الجميع؟
5- لماذا لا يتم التحقيق في التهديدات التي وُجهت إلى ألتشي عبر الإيميل وتويتر، في بلد يُعتقل فيه الناس بسبب قضايا الإساءة التي تُرفع بسبب التغريدات على تويتر وغيره؟
أعزائي القراء إن السياسات الداخلية والخارجية لدولة ما تعكس بعضها بعضا. وحتى لو تأخر هذا الانعكاس أحيانا إلا أنه لا بد أن يحدث. فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تدخل دولة ديمقراطية في حرب مع جارتها بشكل مفاجئ بين ليلة وضحاها. وفي هذه الأيام التي يجري فيها الحديث عن الضربات التي توجهها روسيا لسمعتنا الخارجية، علينا أن نتساءل عن مدى دورنا كمواطنين في تحسين هذه السمعة؟