بقلم: لواء دكتور/ شوقي صلاح
الخبير الأمني والقانوني- عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة المصرية
القاهرة (زمان التركية)ــ عقب تصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة؛ والتي قال فيها إنه: عازم على التحدث مع الرئيس السيسي تليفونيًا حول قبول مصر تهجير فلسطيني غزة لإنهاء الصراع بشكل جذري !!! فقد صرح بعدها فورا وزير الخارجية المصري مؤكدًا على الثوابت المصرية في هذا الشأن، والتي تتعارض مع هذا المقترح.. مشيرًا إلى أن حل الدولتين وفق المواثيق الدولية ذات الشأن هو الضامن الوحيد لسلام دائم وأوضاع مستقرة في المنطقة، وهكذا ذهبت وفي ذات الاتجاه تصريحات رئيس الوزراء الأردني.
وفي هذا السياق أعبر – كمواطن مصري لا أكثر- عن رأي الشخصي في هذا الشأن، ومقتضاه:
أولا: هذا المقترح ومع كامل احترامي لفخامة الرئيسين ترامب والسيسي، لا فرضه على الشعب المصري من قبل أي رئيس.. ونظرا لكون رد فعل الإدارة الأمريكية سيذهب غالبًا إلى فرض عقوبات مالية قاسية على مصر، بجانب إلغاء المعونة الأمريكية، وحصار مصر في قضية المياه.. وغير هذا من أدوات الضغط الأقصى، لذا أقترح على الرئيس السيسي والأمر مفوض، التوجيه بإجراء استفتاء شعبي عاجل أو استطلاعات للرأي تشمل المصريين في الداخل والخارج.. حول المقترح المشار إليه والمقدم من الرئيس ترامب، ولعل نتيجة هذا الاستفتاء أو استطلاعات الرأي ستصبح هي الميثاق الذي سيحكم العلاقة بين الشعب المصري وقيادته مستقبلا؛ حيث سيتحمل المصريون حال رفضهم المقترح تبعات قرارهم، نظرًا للمخاطر الاقتصادية المتوقع حدوثها انعكاسًا على رفض مصر مقترح تهجير الفلسطينيين.. هذا، ولعل موقف سكان غزة وقوامهم يقارب المليونين واضح أنهم يرفضون التهجير، ولعل هذا ظهر جليًا في محاولتهم الرجوع لشمال قطاع غزة والإقامة في خيام بجوار ديارهم المهدمة.. ومنعهم جيش الاحتلال من الوصول لغايتهم بحجج واهية، ولكنهم توجهوا في حشود عظيمة تجاه منازلهم المهدمة.. مصرين ينطلق من عقيدة راسخة بعدالة قضيتهم.
ثانيًا: الرئيس ترامب: أرجو الإحاطة بأن ما تقدمونه من طرح لا يحل المشكلة من جذورها، بل سيؤدي مستقبلا لقيام المقاومين بالهجوم على المحتل الإسرائيلي انطلاقا من الأراضي المصرية، وستواجه إسرائيل بالطبع حرب استنزاف.. ستقوم على إثرها بتوجيه ضربات ضد المقاومين في العمق المصري.. وسيشتعل الصراع بالطبع ومصر طرفا فيه، وسيتم استنزاف الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الداعم الأهم لإسرائيل، والاستنزاف سيكون سياسيا وأمنيا.. وأرجو منكم الانتباه لمصطلح: “أمنيا” جيدا.
ثالثا: الرئيس ترامب لقد أكدتم خلال حملتكم الانتخابية على فرض السلام بالقوة.. فإذا كان ترجمة هذا التصريح يعني: التهجير القسري أو الطوعي، فهذا لا يتحقق معه سلام.. بل ستتسع أكثر وأكثر دائرة الصراع.. وحال ارتكاب إسرائيل للمزيد من جرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم الدولية فسينعكس هذا في جانب منه بوقوع جرائم في الداخل الأمريكي، ولعل واقعتي: الدهس بنيو أورليانز وتفجير سيارة أمام الفندق الذي تمتلكه ليسا ببعيد، فهذه الجرائم ستنتشر، ومرتكبوها أمريكيون ميلادا ونشأة.. ولعل هذا ليس سوى نموذجًا لرد فعل على دعم الإدارة الأمريكية السابقة للإبادة الجماعية.
رابعًا: فخامة الرئيس ترامب، يبدو أن سياستكم التفاوضية في كافة الملفات: كندا، غرينلاند، بنما، فلسطين.. وغيرها، يحكمها مبدأ واحد؛ مقتضاه: “اضغط بمنهي القوة.. ستحصل في النهاية على نتائج مربحة جدا” وأؤكد لكم بناء على هذا أن العالم كله أصبح يُعد العُدَة لمواجهة هذه السياسة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الاتحاد الأوروبي سيستعد لمواجهتكم وربما تؤدي هذا المواجهة لخسائر فادحة للولايات المتحدة الأمريكية، فعندما تتكاتف المواجهات.. فتأكد بأن الصين وروسيا قد فازتا.
خامسًا: العالم الآن وبخاصة الدول الكبرى مثل: كندا، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية.. وغيرهم، في أمس الحاجة إلى أيدي عاملة لاستصلاح الأراضي من ناحية، ولاستخراج الثروات من ناحية أخرى، وأيضا لأغراض زيادة النسل كاستراتيجية دفاعية.. هذا يجعلني كمصري تعاني دولته من زيادة سكانية مؤثرة سلبًا على اقتصادنا.. في أن أفكر في دعم الدول المشار إليها – وقد يكون للولايات المتحدة أولوية – والقيام بالدعوة لحملة تهجير طوعي لجانب من المصريين بغرض السعي في الأرض من أجل الرزق، وبالطبع سيعود هذا على مصر بفوائد اقتصادية وسياسية عظيمة.. وغني عن البيان أن المصريين مُشَرفين على كافة الأصعدة.. فيكفي أنهم بناة الأهرام؛ وأصحاب الميراث الحضاري الأعظم في التاريخ الإنساني.
سادسًا: يبدو أننا ولأسباب عديدة قد نضطر إلى هجر سياسة “عدم الانحياز” فالتحديات القادمة أكبر بكثير من أن نواجها وحدنا.. وبكل صراحة فالأمل في محيطنا العربي للأسف لا يدعو للتفاؤل.. فإلى أين نتجه لإقامة تحالف دولي نقوي به من أوضاعنا: السياسية والاقتصادية والعسكرية… ؟؟؟ الإجابة تحتاج لدراسة عاجلة وحاسمة، وحسابات دقيقة جدا.
سابعًا: السيد الرئيس ترامب، ورغم كل التحفظات التي أخذتموها على إدارة بايدن الراحلة.. إلا أنها استطاعت كبح جماح إسرائيل في شأن رغبتها المحمومة في قيام الولايات المتحدة الأمريكية بهجوم تكون فيه رأس الحربة لإجهاض المشروع النووي الإيراني، ورغم أن جيك سوليفان مستشار بايدن للأمن القومي عرض عدة سيناريوهات على الرئيس للهجوم على إيران وتحقيق هذا الهدف.. إلا أن بايدن أبى أن يقوم بهذا الهجوم تحسبًا لمخاطره، حيث سينعكس هذا سلبًا على المصالح الأمريكية، فيكفي لإيران أن تغلق مضيق هرمز فتَشل ٤٠% من حركة المحروقات العالمية، وهنا سترضخ دول كثيرة حول العالم لطلبات روسيا باعتبارها الاختيار الذي تفرضه حالة الضرورة، ناهيك عن استهداف إيران للقوات الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط.. لذا لم يتخذ بايدن قرار تدمير قدرات إيران.. والآن تضع سيادتكم في حساباتك كل مخاوف بايدن المشار إليها، حتى لا ينسب إليك وصمتي التهور والفشل.. وهنا لا تستبعد أن ينقلب عليك بغض حلفائك.
ودعني هنا أتساءل في محاولة للتنظير لا أكثر: هل مصر رقم أضعف من إيران في حسابات معادلات القوة ؟؟؟ أقترح عليكم – والأمر مفوض- مراجعة مراكز الأبحاث الأمريكية، وكذا التوجيه بموافاتكم بتقارير تقييم للموقف الحالي يقدمها جهاز المخابرات الأمريكية في هذا الشأن، ثم اتخذ قراراتك بما يتفق والمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية.
ثامنًا: لقد شغل بال الداخل الأمريكي والعالم أجمع سؤال جوهري مقتضاه: لماذا تحمل بايدن وإدارته كل الإهانات واستعراض القوة التي قام بها ضده نتنياهو ومتطرفيه.. والتي وصلت لحد “الافتراس” رغم كل ما قدمه الرئيس السابق وإدارته من دعم لنتنياهو وحكومته ؟؟؟
باختصار يكاد يجمع المحللون الأمنيون على هذه الإجابة: انبطاح بايدن وإدارته لا يبرره سوى أنه إسرائيل وضعته وكبار معاونيه تحت السيطرة الكاملة.. وهذا المصطلح تعي معناه جيدًا أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى في العالم أجمع.. هذا وسينكشف اللثام عن تفاصيل الحقيقة يوما ما، ولعله قريب.
تاسعًا: فخامة الرئيس ترامب، لا تقف حجر عثرة في وجه قضية تحرير وطن محتل، ولتأخذ العبرة من التاريخ؛ فقد غزوتم من قبل فيتنام وخرجتم بخسائر فادحة مدحورين على يد المقاومة الفيتنامية الباسلة المدعومة من أعداء أمريكا؛ وغزوتم العراق ودمرتم الدولة، ومع هذا خسرتم الآلاف من جنودكم وتكبدتم تريليونات الدولارات وخرجتم.. وهكذا فعلتم في أفغانستان فدخلتم محتلين وظل الاحتلال لعشرين عامًا وخرجت قوات الجيش الأمريكي خروجًا سيادتكم وصفته بأنه “مذلاً” !!! وعادت طالبات لحكم البلاد، وخسرت الولايات المتحدة الآلاف من جنودها وتريليونات الدولارات.. سعادة الرئيس أتمنى عليكم ألا تكرر مثل هذه الأخطاء التاريخية، خاصة وأنه بحساب الربح والخسارة فإن التماهي مع أهداف المحتل الإسرائيلي يعد مستنقعًا ستخسر فيه الولايات المتحدة الكثير.
عاشرًا: فخامة الرئيس ترامب، لعلك تتفق معي في أن نجاحك في اتمام مهمة تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي سيضمن لك الخلد على المستوى التاريخي، بشكل أقوى من حصولك على نوبل للسلام، بل لعله يؤكد استحقاقك لها.. هذا ونظرًا لأنه من المستحيل حصول نتنياهو على نوبل، حتى لو وافق على قيام دولة فلسطينية.. وذلك بعد المجازر التي ارتكبها، وبعد أن أصبح متهما أمام المحكمة الجنائية الدولية، لذا فمن منظور سياسي محض، فإن إزاحته وحكومته المتطرفة من المشهد السياسي الإسرائيلي سيمثل بداية الطريق للسلام الحقيقي، والتطبيع المثمر الجاد بين إسرائيل وجيرانها، ولما لا يحدث هذا !!! وقد اقترح عليكم توماس فريدمان الإطاحة بنتنياهو وفريقه من اليمين المتطرف، باعتبارهم دعاة حرب تستنزف الولايات المتحدة الأمريكية.. فهل يمكن التعجيل بمحاكمته سياسيًا أو جنائيًا ؟؟؟ من وجهة نظري؛ محاكمته جنائيًا هي الممكنة في الوقت الراهن.. شريطة حسم القضاء الإسرائيلي لأمر محاكمته.
ولتكن كلمة الختام لهذا المقال: “قد تفترس الضباع الأُسدُ أحيانًا” أؤكد للقارئ الكريم أن وصف الضباع لا ينطبق مطلقًا على وطني مصر.. لعل رسالتي قد وصلت.