بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)- رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح والأموال والممتلكات والآلام، ورغم الخسائر في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ورغم الصورة الواضحة أمام الجميع لانحسار التواجد الفعلي على الأرض وتراجعه، ورغم الانقسام الداخلي الخطير، ورغم الخطر الذي بات يحيق بالبلاد أكثر من ذي قبل، يخرج علينا البعض ليعلن فرحته بالنصر وبالقدرة الهائلة على الصمود وعلى التحدي وعى قهر العدو البغيض ودحره.
ما هو الهدف أصلًا إذا لم يكن للبلاد صلة مباشرة بالصراع رغم الأخوة ورغم روح التضامن؟ ما الهدف في جر البلاد -وهو في ظروف دقيقة- إلى مواجهة مدمرة لا داعي لها؟ لا مكسب لهذا البلد في الانخراط في مواجهات عسكرية مع أحد، وخاصة وهو يمر بأحوال اقتصادية وسياسية دقيقة مثله كمثل كثير من البلاد الآن. الدمار ليس الا دمارا وهزيمة، ووقوع عشرات وآلاف الناس قتلى وجرحى وقيد الخطف وفي عداد المفقودين بلا هدف هو هزيمة، وانهيار اقتصاد الدولة هو هزيمة، وتراجع سيطرة الدولة عن أجزاء من أرضها هو هزيمة، وانتشار السلاح في الدولة ووجوده في أيدي غير يدي الدولة هو هزيمة، ولكن البعض يرى في ذلك نصرًا قيما وتقدما واضحًا على خطاهم المرسومة نحو الأفق غير المفهوم.
النصر الوحيد الذي ربما قد يرى في كل هذا الدمار والخسائر هو نصر للدولة التي تسعى إلى فرض هيمنتها السياسية والعسكرية على المنطقة باسم الدين ولصالحها وحدها دون غيرها قاطبة. ومنبع نصر تلك الدولة أنها ورطت بلدًا جديدًا بأكمله بعد أن كان جزئيًّا متورطًا في دائرة النفوذ الشرير. وبات البلد المظلوم عرضة للحرب والضرب والدمار من جنوبه الى شماله وشرقه وغربه من الآن فصاعدًا. والكذب اثم ديني وجريمة أخلاقية، ولكنه متاح لبعض من يضعون العمامة على رؤوسهم ويرتدون زي رجال الدين المخلصين وهم يكذبون على الناس -من أجل مصالح سياسية ومن أجل مكاسب شخصية- ويخدعون من الناس بعضًا، ويضطرون من الناس بعضًا الى اتباعهم، ويغرون من الناس بالمال بعضًا. فكثير من هم بحاجة إلى العمل والى لقمة العيش والى سداد التزاماتهم المالية التي لا تقف ولا تنخفض ولا تقل إلا بالموت. والكذابون يضعون قليلا من المال وكثيرًا من الموت على موائد الناس وهم يطمئنون الجميع إلى البطولات القادمة وإلى جوائز الشرف التي تنتظرهم في الدنيا والآخرة، ولكن لكل قلب وعقل وعينان يبصر بهم جميعًا.