القاهرة (زمان التركية)___ يرى اللواء دكتور شوقي صلاح، الخبير الأمني والقانوني، عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة المصرية أن الولايات المتحدة كانت تحرك هيئة تحرير الشام في سوريا، مستغلة انشغال روسيا في أوكرانيا، واعتبر أن موسكو تأخرت في اتخاذ قرار دعم بشار الأسد، الذي أصبح جزءً من الماضي.
– د. شوقي، أشرت في تصريح إلي أن المشهد السوري الراهن بمثابة واحدة من حلقات الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.. فلماذا الآن؟
تريد الولايات المتحدة الأمريكية استنزاف روسيا في مسرح الأحداث السوري، فكلفت أوكرانيا بدعم تنظيم هيئة تحرير الشام بسوريا بالمسيرات وتدريبهم على استخدامها، كما أمدتهم ببعض الدعم العسكري والمالي والمعلوماتي.. ولعل الأهم هو الدعم الخططي، المتمثل في كيفية تنفيذ مخطط الهجوم على المدن التي يسيطر عليها النظام السوري، خاصة وقد تم التنسيق بين الميليشيات المسلحة الأخرى التي تدور في فلك هيئة تحرير الشام.
– وأدرك البيت الأبيض من خلال أجهزة مخابراته نقطة الضعف الرئيسية في الجيش السوري، والمتمثلة في حالة الفصام بي القيادة والجيش من ناحية، وحالة انعدام الثقة من قبل القاعدة الشعبية في النظام.. ومن هنا تم التخطيط لتوظيف ميليشيات مسلحة للقيام بالهجوم على المدن الرئيسية التي يسيطر عليها النظام، وذلك في ظل انشغال روسيا في المستنقع الأوكراني، وتحقق لهم ما أرادوا في زمن يفوق توقعات الجميع.. ولعل الأخطر هو القادم فمخازن سلاح الجيش السوري وما بها من أسلحة خطيرة مازالت تحت سيطرة الجيش وفي هذه المرحلة الانتقالية يجب على الجميع العمل على تأمين الانتقال السلمي للسلطة دون حاجة للتسرع في السيطرة على المقرات العسكرية، وجدير بالذكر أن مصر دائما على استعداد لدعم الدولة السورية لتأمين هذا الانتقال بشكل آمن من خلال تقديم المشورة الصادقة من الخبراء العسكريين حال طلب هذا الدعم.
– ما دليلك على الدعم الأمريكي لهيئة تحرير الشام، خاصة وأنها مدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية؟
لعل العالم بأسره تابع باهتمام اللقاء الإعلامي الذي أجرته شبكة CNN الأمريكية مع قائد تنظيم تحرير الشام، في محاولة واضحة لإعادة هندسة الصورة الذهنية للتنظيم وقائده، وإظهاره باعتباره “معارضًا للنظام” وقد ترفع الولايات المتحدة في وقت قريب التنظيم من قوائم التنظيمات الإرهابية، والحقيقة فقد أتقن الرجل بامتياز الدور الذي رسم له من خلال البرنامج، حيث عرف نفسه بكونه ينتمي لتراب هذا الوطن، مقدما خطابًا تصالحيًا، ومؤكدًا أنه لا يضمر عداءً لأحد طالما لا يقاتله.. كما أنه لا يعارض مرحليًا الوجود الأمريكي أو التركي في سوريا، وأظهر العداء التام لنظام الأسد والوجود الإيراني في سوريا.
– هذا، واتهمت روسيا أوكرانيا بدعم الحركات الإرهابية في سوريا، خاصة إمدادهم بالمسيرات وتدريبهم على استخدامها، وبالطبع لا تتحرك أوكرانيا إلا في نطاق تعليمات الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الأخيرة شاركت بالفعل في الأحداث من خلال تنفيذ ضربات جوية ضد عناصر الحشد الشعبي التي حاولت التوجه من العراق لسوريا لدعم الجيش السوري في مواجهة ميليشيات هيئة تحرير الشام، وهكذا فعلت مع بعض الميليشيات الإيرانية في دير الزور لتمكين قوات “قسد” التابعة لأكراد سوريا من تلك المناطق، كما أعلن بايدن منذ بضعة أيام بأنه أخطر الكونجرس بإعطاء أوامره لضرب تمركزات القوات الإيرانية في سوريا. وبعد السقوط السريع لدمشق وهروب الأسد، فإن الفترة الانتقالية ستكون في غاية الحساسية.. خاصة في ظل وجود قواعد عسكرية روسية في سوريا من ناحية، وأطماع خارجية في الدولة السورية من ناحية أخرى.
-لماذا لم يتم اعتقال الجولاني حال لقائه الإعلامي مع CNN؟
د. شوقي، دعني أتوقف معك بشأن ادعاءك بدعم أمريكي لتنظيم هيئة تحرير الشام، خاصة في ظل تعارض هذا مع تصريحات مسئولين كبار في البيت الأبيض، والتي تؤكد رفضهم لعودة تنظيم داعش للواجهة، وبهذا فإن استضافة قناة CNN للجولاني لا يجب تأويله على النحو الذي أشرت إليه…
– المؤكد الآن أن زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام اعتمد أمريكيا بأنه في جانب جبهة المعارضة، ولكن هل سيستمر دعمه أمريكيا لرئاسة الدولة السورية ؟؟؟ أشك في هذا الأمر، ولعل إسرائيل ستكون في مقدمة المعترضين على هذا.
-بماذا تبرر الانسحاب المهين لقوات الجيش السوري من حلب ثم حماة؟
ما حدث من انسحابات للجيش السوري لا يمكن تأويله على أنه انسحابًا تكتيكيًا لحماية المدنيين وأن الأمر لا يعدو عن كونه إعادة تموضع.. كما ادعى وزير الدفاع السوري، فهذه المعطيات المتمثلة في الهروب الكبير يمكن تأويلها على أنها شروع في الانقلاب على السلطة بالهروب من ميادين القتال.. خاصة في ضوء معطى آخر مهم مقتضاه أن: ٧٥% من الشعب السوري سني، وبشار الأسد علوي من طائفة الشيعة الاثني عشرية، وقوامهم في حدود ٢٠% من إجمالي الشعب السوري، لذا فكان على روسيا من خلال قراءة صحيحة للموقف على الأرض، أن تتخذ مبكرًا ما من شأنه الحفاظ على الدولة السورية وتجنيبها حروبا أهلية تنتهي حتما بتمزيق الدولة ونهب أجزاء منها من قبل المتربصين ومنتهزي الفرص.
– د. شوقي صلاح، هل كان يمكن لروسيا إنقاذ سوريا من الانهيار؟
نعم كان يمكن لها هذا، إلا أن روسيا تأخرت كثيرًا في اتخاذ اللازم في هذا الشأن، فبجانب كون هذه التطورات المتسارعة تمثل قصورا استخباراتيا.. إلا أن الأمر شابهه تأخير في اتخاذ القرارات المناسبة، فكان على روسيا – الحليف الاستراتيجي لسوريا- بمجرد تبين المشهد الانقلابي للجيش السوري في حلب، أن تقوم بالتنسيق مع الأسد للخروج من المشهد السياسي خاصة حال زيارته الخاطفة لموسكو، واتخاذ إجراءات من شأنها إسناد الأمر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة السورية، ويعلن هذا من خلال خطاب يوجهه الأسد من الخارج، مؤكدا بأنه مطمئن لإسناد الأمر للجيش السوري، الذي سيعمل لصالح الوطن بصرف النظر عن العامل الطائفي.. فالجيش يدافع عن سوريا الوطن الأم، وربما انعكس هذا إيجابا على معنويات الجند في المعركة، بما يتحقق به قلب موازيين القوى.
– هل للأحداث الدائرة في سوريا انعكاساتها على الأوضاع في مصر؟
بالطبع نعم، فقد كان للمشهد السوري فيما سبق؛ وحال وقوع البلاد في موجات من الفوضى.. ترتب عليها هجرة الإخوة السوريين بأعداد كبيرة لمصر وغيرها، كما أن سيطرة تنظيم متطرف ومصنف إرهابيًا على المستوى الدولي يحمل مخاطر جسيمة على وضع التنظيمات المماثلة في دول الجوار والتي يمكن أن تكون في حالة كمون مؤقت.. ونستدعي من الذاكرة في هذا السياق؛ ما قام به تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، حيث بايع أبو بكر البغدادي زعيم داعش في نوفمبر ٢٠١٤، وأعلن ولاية سيناء تابعة للتنظيم، وبفضل الله وببسالة وتضحيات الجيش والشرطة المصرية استطاعت البلاد دحر هذا التنظيم التكفيري الإرهابي. هذا وعلى مصر إخلاء سفارتها مؤقتا مع تأمينها على وجه السرعة تحسبًا لأي اعتداءات عليها نتيجة الفوضى المحتملة.