بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)- البعض يتوقع أن الهدنة التي تم التوصل إليها بشق الأنفس ليست إلا شيئا من الهدوء، لتعود الحال إلى ما كانت عليه من الأحوال. متشائمون نعم، ولكنهم يفضلون التشاؤم المتاح على التفاؤل غير اليسير، لأن الأول أكثر أمنا نفسيا.
فخير للمرء أن يعلم وأن يفهم حقيقة ظروفه ويبقى سائرًا على قدميه ويخطط لغده على أساس واضح من أن يعيش أحلامًا ويتبنى توقعات ويبنى آمالًا على ظروف قد لا تسمح بتحقق تلك الأحلام الآن أو في المستقبل المنظور والمتوسط أيضًا. فأحداث السنوات القليلة الماضية حتى هدنة اليوم لا تكشف عن اتجاه إلى تصالح أو سلام فكري أو سياسي في المنطقة، بل أنها كشفت عن انشقاقات داخلية عميقة في دول المنطقة تعززها مصالح دول معروفة -في الشرق وفى الغرب- في الاحتفاظ بوكلاء لها هناك وهناك لحصار المنطقة وفرض توجهاتها وتوجيه الأمور إلى ما تحب أن تراه.
كما أن الظروف الاقتصادية والتي هي الحكم الأول في مصير الجميع وصاحبة الكلمة الأخيرة في مختلف الأمور تقريبًا تمر بانحناءات صعبة للغاية وخطيرة في دول المنطقة، وهو يجعل الصورة ملبدة بالغيوم بلا مبالغة. الصورة قاتمة الملامح وقائمة على غياب للشفافية وغياب التعليم والبحث العلمي والابتكار وغياب فرص العمل، وقائمة على انتشار الفساد وضعف الاستثمارات الداخلية والأجنبية المباشرة وإنكار الديمقراطية الحقيقية وإمكانية تناوب مواقع السلطة في يسر وسلام. فلا مكان إذًا لتوقع معجزات أو أمطار وردية محملة بالخير بلا إصلاحات كثيرة سياسية واقتصادية وعمل كثير واجتهاد وخطط وتكتيك جيد لليوم والغد.
حتى الدولة التي تدعى أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة انزلقت -برغبتها الواعية تمامًا- إلى مزالق العنصرية والكراهية الممنهجة وورطت نفسها في جرائم التصفية العرقية والقتل بطريق الحصار الجماعي بلا تمييز، وخسرت وسوف تخسر كثيرًا في مقبل الأيام بما قدمت أيديها. فالعالم يرى ويسمع ويدرك ما يجرى جيدًا ولا ينخدع بالدعايات الكاذبة هنا وهناك ولا يعبأ بالخطب السياسية المريضة الخيال السفينة المنطق. ونظرة إلى الإحصاءات الرسمية -وفقًا للتقارير الإعلامية- توضح كيف هرب الآلاف من الجنود من الخدمة وكيف تشهد تلك البلاد هجرة عكسية بالآلاف، الأمر الذي يضع مزيدًا من الضغوط غلى عنق تلك الدولة ” الديمقراطية ” ويزيد من سوء الأمور بشكل عام في المنطقة كلها.
وبالتالي، فإن الهدنة التي تم التوصل إليها بعد معاناة جمة والتي تعد بحق عملًا عظيمًا ومشكورًا قد لا تصبح سوى شيء من السكينة لبعض الوقت وحتى تعود طبول الحرب إلى زعيقها المنفر، ما لم يمارس الجميع كل أنواع الحكمة، ويحاول التماس العذر للآخرين ما وسعه ذلك، ويحاول العمل من أجل الحل العادل للجميع .