أنقرة (زمان التركية) – شنت جبهة تحرير الشام والجماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا هجومًا مفاجئًا في شمال غرب سوريا تقدمت خلاله إلى قلب مدينة حلب وذلك عقب التوصل لوقف إطلاق نار في لبنان وتقديم حزب الله تنازلات بنص الاتفاق.
ويعد هذا أول تغيير تشهده سوريا منذ خمس سنوات تقريبًا على خطوط الاتصال بين “الدول الثلاثة”.
ويبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يرغب في فرض حقائق جديدة مثلما سبق وأن فعل في كاراباO وليبيا مستغلًّا انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية وضعف نفوذ حزب الله في سورياk مع تبقي فترة قصيرة على مباشرة دونالد ترامب مهامه كرئيس للولايات المتحدة.
وتقول الجماعات المعارضة إن الاستعدادات للمعركة استمرت لعدة أشهر وأن نحو 50 ألف مقاتل مدربين ومدججين بالأسلحة المتطورة يشاركون في المواجهاتk وأنهم سيطروا على أسلحة إضافية من مواقع تابعة للواء 46 التابع للجيش السوري والوحدات الأخرى بالغرب قبل الدخول إلى حلب.
حسنا، ولكن لماذا انطلقت معركة حلب الآن؟
1- الدول الثلاثة
منذ اتفاق الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب في آذار/مارس 2020 بعد أشهر من إبرام اتفاقات مماثلة بين الولايات المتحدة وتركيا وروسيا لرسم خطوط شرق الفرات، انقسمت سوريا فعلياً إلى ثلاثة مناطق نفوذ.
المنطقة الأولى هي المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة بدعم من روسيا وإيران، والتي تشكل حوالي 65 في المئة من مساحة سوريا بواقع 185 ألف كيلومتر مربع.
والمنطقة الثانية فتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتغطي حوالي 25 في المائة من الأراضي السورية.
أما المنطقة الثالثة، الواقعة في شمال وشمال غرب سوريا، فتسيطر عليها هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة المدعومة من تركيا.
وعلى الرغم من الهجمات والغارات الجوية، ظلت قنوات الاتصال بين الدول الثلاثة مستقرة.
2- دور تركيا
تقدم تركيا الدعم العسكري والاستخباراتي لجماعات المعارضة السورية بجانب امتلاكها قوات ونقاط عسكرية ومركبات وبنية تحتية في المناطق الشمالية من البلاد. لذلك، فإن هذه العملية، التي أطلق عليها المعارضون السوريون اسم “ردع العدوان”، لم يكن من الممكن أن تتم دون موافقة أنقرة.
ويرى من يعرف موقف أنقرة أن الرئيس أردوغان يريد الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرفض مقابلته دون التعهد بسحب الجيش التركي من سوريا من خلال دعم العملية العسكرية وتطويق قوات سوريا الديمقراطية والاستفادة من ضعف إيران وانسحاب حزب الله.
أبرم أردوغان صفقة مع نظيره الروسي في أواخر عام 2016 سمح بموجبها للقوات الحكومية السورية باستعادة الأحياء الشرقية من حلب مقابل تفكيك تركيا للكيان المدعوم من حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا. ومنذ ذلك الحين، يسيطر الجيش السوري على حلب.
حذرت أنقرة من أن الهجمات الأخيرة على إدلب التي تسيطر عليها المعارضة قد أضرت بروح اتفاقيات خفض التصعيد وعرقلت تنفيذها.
ويأتي الهجوم على حلب في وقت قرر فيه الأسد أن ينأى بنفسه جزئيًا عن إيران ويُعتقد أنه اتخذ موقفًا محايدًا علنيًا في حرب إسرائيل في قطاع غزة والحرب مع حزب الله في لبنان والحرب مع طهران.
3- روسيا
من ناحية أخرى تأخر الجيش الروسي في تنظيم الغارات الجوية على مواقع هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة. وصف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في تصريحات يوم الجمعة الماضية الوضع في حلب بأنه “انتهاك للسيادة السورية”. وأكد بيسكوف أن بلاده تدعم “الحكومة السورية لاستعادة النظام في المنطقة واستعادة النظام الدستوري”.
وتتراوح تفسيرات تأخر روسيا في التدخل ما بين رغبة بوتن في الضغط على الأسد للموافقة على الاجتماع مع أردوغان وانشغال روسيا بالحرب الأوكرانية وإرسال العديد من أعضاء مجموعة فاجنر المرتزقة إلى المعركة الرئيسية في أوكرانيا.
4- إيران
داهمت هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة مقرات الميليشيات والتنظيمات المدعومة من إيران في ريف حلب الغربي وقتلت أحد كبار عناصر الحرس الثوري.
ويأتي الهجوم على حلب في وقت قرر فيه الأسد أن ينأى بنفسه جزئيًا عن إيران ويُعتقد أنه اتخذ موقفًا محايدًا علنيًا في حرب إسرائيل في قطاع غزة والحرب مع حزب الله في لبنان والحرب مع طهران.
وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بعد اتصال هاتفي مع نظيره السوري بسام صباغ أن “إيران ستواصل دعم الحكومة والأمة والجيش السوري في مكافحة الإرهاب”. ووصف عراقجي التطورات على الأرض في سوريا بأنها “خطة هيكلية أمريكية صهيونية لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة في أعقاب إخفاقات إسرائيل وهزائمها ضد محور المقاومة”.
وأفادت التقارير أن الجماعات المسلحة العراقية والميليشيات المدعومة من إيران تستعد للتوجه إلى ريف حلب لصد هجمات هيئة تحرير الشام. ويمكن لطهران استخدام “معركة حلب لتسليط الضوء على أهمية وجودها العسكري في سوريا”.
5- إسرائيل
في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، قصفت إسرائيل مواقع لميليشيات مدعومة من إيران ومواقع لحزب الله في ريف إدلب. وشنت إسرائيل، التي نفذت مثل هذا الهجوم لأول مرة منذ بدء النزاعات في سوريا، مئات الهجمات على مواقع إيران وحزب الله في سوريا في السنوات الأخيرة.
وذكر رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تصريح له بعد التوصل لوقف إطلاق النار في لبنان “أن بشار الأسد يلعب بالنار”.
وترغب تل أبيب في إيقاف تدفق السلاح من سوريا لحزب الله.
6- دمشق
يزعم أنصار دمشق أن الجيش سيشن هجوماً واسع النطاق مدعوماً من الجو لاستعادة المدينة والتقدم إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، مستخدماً هجوم حلب كذريعة. ووفقاً لرامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الجيش السوري لم يكن مستعداً على الإطلاق لهذا الهجوم.
وذكر عبد الرحمن أن الجيش السوري أصابته حالة من الصدمة من الضربات العنيفة التي تعرض لها قائلا: “”هل كانوا يعتمدون على حزب الله، الذي يقاتل حاليًا في لبنان ؟”
وأثيرت الكثير من التساؤلات حول سبب عدم قتال القوات الحكومية للدفاع عن حلب.
7- قوات سوريا الديمقراطية
أعرب مسؤولو قوات سوريا الديمقراطية عن قلقهم من أن إعادة انتخاب ترامب، الذي سحب بعض قواته من مناطقه في أواخر عام 2019، قد أدت إلى هجمات من قبل القوات الموالية لتركيا، إذ يخشون من تكرر السيناريو نفسه بين ترامب وأردوغان.
هناك بعض علامات الانسحاب من حيي الشبحة والشيخ مقصود الخاضعين لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في وسط حلب، كما وردت تقارير عن إحراز تقدم في منطقتي نبل والزهراء، موطن الميليشيات المدعومة من إيران.
ولم تتخذ إدارة قوات سوريا الديمقراطية المعادية لهيئة تحرير الشام وتركيا موقفاً واضحاً من هذا الموضوع.
وفي الوقت الذي تشعر فيه قوات سوريا الديمقراطية بالقلق من العمليات العسكرية التركية في شرق الفرات، فقد حاصرت جماعات المعارضة المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب.
لا شك أن توقيت الهجوم من قبل جماعات المعارضة كان مفاجئًا من حيث السرعة التي وصلوا بها إلى حلب وانسحاب القوات المرتبطة بالحكومة السورية. ومن المؤكد أيضًا أن دمشق، إلى جانب موسكو وطهران، ستسعى جاهدة لاستعادة ثاني أكبر مدينة في سوريا، مما يؤدي إلى خسائر إنسانية هائلة.
فهل سيتم تأكيد الاتفاق المبرم بين أردوغان وبوتين وعودة “خطوط الاتصال” إلى ما قبل 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، أم ستواجه سوريا واقعًا عسكريًا جديدًا بسبب التطورات الإقليمية والدولية؟