أنقرة (زمان التركية) – تشهد الساحة السياسية التركية مؤخرا انفتاحا جديدا بدأ بمصافحة رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، للكتلة البرلمانية لحزب الديمقراطية والمساواة الكردي بمستهل السنة التشريعية الجديدة من ثم التصريحات التاريخية للحليف السياسي للرئيس أردوغان، بشأن زعيم تنظيم العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان.
وعقب كلمة بهجلي التي دعا خلالها إلى إلغاء العزل المفروض على أوجلان والسماح له بالإعلان عبر منصة البرلمان باجتماع الكتلة البرلمانية للحزب الكردي إنتهاء الارهاب وتصفية التنظيم، تطرق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للموضوع نفسه قائلا: “نأمل ألا يتم التضحية بالفرصة التاريخية التي فتحها تحالف الشعب لأجل حسابات شخصية”.
كشفت هذه التصريحات عن التوازنات المتغيرة في السياسة التركية، غير أنها جلبت معها أيضًا نقاشات حول عملية السلام الجديدة.
إسرائيل لها نصيب كبير في إقناع بهجلي
يرى الخبير السياسي، إيرين أكسويوغلو، أن إمكانية الإدلاء هذه التصريحات هي مؤشر على اقتناع بهجلي.
وأوضح أكسويوغلو أن أساس العلاقة بين بهجلي و أردوغان يرتكز على هيمنة بهجلي على البيروقراطية الأمنيةK قائلا: “لذلك، كان على بهجلي أن يقتنع بأي تغيير دوري حاسم هنا، ويعني هذا إبراز حرب إسرائيل، التي هي أكثر استباقية وتريد تشكيل الشرق الأوسط، على أنها تهديد لتركيا.
وأضاف أكسويوغلو أن التهديد الذي خلقته إسرائيل جعل إرهابيون الأمس بنظر العدالة والتنمية والحركة القومية مواطنون مقبولون اليوم نظرا لرغبة بهجلي في أن تصبح الحركة الكردية جزءًا من المجتمع التركي أي تكاتف جميع الجهات الفاعلة في الداخل.
وذكر أكسويوغلو أن هذا الوضع في الوقت نفسه لعبة تربح فيها العديد من الأطراف، قائلا: “حتى الآن، كان هناك من داخل حزب العدالة والتنمية الذين عرفوا أنفسهم بأنهم تحرريون جزئيًا ومؤيدون للاتحاد الأوروبي، ومن وقت لآخر غير مرتاحين لحزب الحركة القومية. والنهج الحالي أشعر هؤلاء الأشخاص بالارتياح. أي أن بهجلي بهذا خفف المعارضة القادمة من داخل الحزب الحاكم من جهة ومن جهة أخرى خفف قبضة أردوغان كثيرا”.
إخراج القضية الكردية من كونها تهديد مسلح
من جانبه أكد الخبير السياسي، أوزغون إمري كوتش، على ضرورة النظر إلى تصريحات بهجلي على أنها إعلان لقرار تم اتخاذه منذ فترة طويلة، قائلا: “ما هو هذا القرار؟ تؤكد الإرادة السياسية، بما في ذلك البيروقراطية الأمنية، مطالبتها بإخراج القضية الكردية من كونها تهديدًا مسلحًا لتركيا مستشهدة بالتطورات الجيوسياسية الإقليمية. بهجلي ليس صاحب القرار، فبهجلي تم اختياره كمتحدث ممثل للتيار القومي، فأكثر المقترحات راديكالية من شأنها أن تشكل خطر كبير حال ورودها عن سياسي معارض وردت على لسان بهجلي”.
وشدد كوتش على وجود رغبة في إرساء الانطباع بأن هذا القرار هو قرار دولة مفيدا أن اختيار هاكان فيدان وزيرا للخارجية هو جزء من القرار نفسه وأنه يتم الإعداد لهذه المرحلة منذ فترة طويلة.
وذكر كوتش أن هناك مبرر لإبراز العديد من الخبراء “إسرائيل” كمبرر لهذا الموقف، قائلا: “يشير التوتر الإسرائيلي الإيراني إلى إمكانية زعزعة استقرار تركيا أيضًا، كما أن هناك إمكانية لمزيد من التصعيد للتوترات بحق إيران بعد الانتخابات الأمريكية القادمة.
من جانبها ترى الخبيرة السياسية، سيزين أوناي، أن العملية التي بدأت بمصافحة بهجلي لنواب الحزب الكردي ليست عملية انفتاح جديدة مفيدة أن هذه العملية الجديدة تهدف إلى القضاء على التهديد المسلح لحزب العمال الكردستاني والفروع المسلحة الأخرى، وخاصة وحدات حماية الشعب، قدر الإمكان من خلال عبد الله أوجلان، الذي يمكن اعتباره الزعيم الروحي لحزب العمال الكردستاني.
وأشارت أوناي إلى معاناة تركيا من أزمة اقتصادية دائمة وأن تركيا لا توجد بها بيئة سياسية تمكِّن إعلان التعبئة الاجتماعية لـ”صراعات كبيرة من شأنها أن تسبب صعوبات على المستوى الوطني، ولا الموارد الاقتصادية التي يمكن أن تمول هذه الحرب”، أضافت قائلة: “لذلك، يبدو أنه تم اتخاذ إجراءات تحت قيادة دولت بهجلي، الذي لديه الصورة الأكثر تشددا، من أجل مسار يمكن أن يضمن عدم الصراع. نقطة التقاء تحالف الجمهور الحاكم هى استغلال الأيام السياسية المتبقية لأردوغان لخلق نظام سياسي جديد كليا”.
“الأرضية فاسدة وزلقة”
يجمع الخبراء على أن هذا الجو السياسي الجديد لا يمكن الاعتماد عليه عندما يتعلق الأمر بالاستدامة.
ويؤكد كوتش أنه لا يمكن الثقة في عملية السلام الجديدة وخطاب السلام تماما مثلما لا يمكن الثقة بتصريحات تحالف الجمهور الحاكم، قائلا: “لأن مثل هذه التوجهات السياسية العظيمة في تركيا لا تتحدد على أساس البنى التحتية المؤسسية السليمة والأطر القانونية، ولكن من خلال استغلال الحكومة السريع للظروف الاقتصادية والإقليمية الحالية لاحتياجاتها الخاصة. باختصار الأرضية فاسدة وزلقة”.
وأشار أكسويوغلو إلى الاحتمالية الكبيرة بتعطل عملية السلام الجديدة، قائلا: “لأول مرة يطلق بهجلي يده على صعيد مرتفع، لكن الشيء المهم هو أن تكون قادرًا على الخروج من هذه العملية”.
وأكد أكسويوغلو أن نجاح هذه العملية يعنى تصفية العمال الكردستاني وفتح المجال أمام بدء سياسة قانونية جديدة، قائلا: “على الأقل سيتم تمهيد سياسة قانونية يكون فيها حزب العمال الكردستاني أكثر فعالية، ولكن إذا فشل لأنه من المرجح أن يخطئ حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، فسيتم تصفية الحزب هذه المرة، أي قد تتفاقم سياسة تعيين الوصاة ولن يُسمح للحركة الكردية بالتنفس بأي شكل من الأشكال، وسيتم بناء نظام اجتماعي جديد. لذلك، في كلتا الحالتين، سواء تم حل المشكلة أم لا، بدأ بالفعل إرساء مرحلة أطلقها بهجلي بنجاح كبير”.