أنقرة (زمان التركية) – منذ 3 أيام تشهد تركيا قضية غير مسبوقة بكل المقاييس، حيث يتعرض مجموعة من الأفراد، بما في ذلك فتيات في المرحلة الثانوية، لاتهامات بالإرهاب دون أي دليل، ويواجهون الحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية، وذلك لشبهة صلتهم بحركة الخدمة التي تستوحي فكر الأستاذ فتح الله كولن.
رغم أن نظام حزب العدالة والتنمية الحاكم، ذو خلفية إسلامية، غير أن القضاء اعتبر في الجلسة الأخيرة من المحاكمة “الصلاة”، و”قراءة الكتب”، و”الدراسة المشتركة” وأمثالها من الأنشطة ضمن الأعمال الإرهابية.
في 7 مايو 2024، أمر المدعي العام في إسطنبول إدارة شرطة مكافحة التهريب بتنفيذ عملية أمنية انتهت باحتجاز 41 شخصًا بتهمة “الإرهاب”، معظمهم من الفتيات الشابات في المرحلة الثانوية والجامعية.
كما احتجزت إدارة حماية الأطفال 15 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 13 و17 عامًا “لأغراض الاستجواب”، ومن ثم نقلتهم قسرًا إلى مركز الشرطة من أجل استجوابهم. وأكد المحامون أن الأطفال حُرموا من الدعم القانوني، وظلوا تحت ضغط نفسي لمدة 16 ساعة.
وقد أعد المدعي العام في 10 يونيو 2024 مذكرة اتهام تتكون من 529 صفحة لبدء الإجراءات القانونية، وجه فيها “تهمة الإرهاب” لـ 41 متهما، بينهم 37 امرأة و4رجال، 21 منهم قيد الاحتجاز.
وتركزت لائحة اتهام المدعي العام على تقديم 12 طالبة جامعية دروسًا في اللغة الإنجليزية والمواد الخاصة بالدين طواعية للأطفال في المرحلة المتوسطة والثانوية.
وفي 6 مايو 2024، أصدر المدعي العام لمكتب الجرائم الإرهابية والمنظمة، بلال جليك، تعليماته لإدارة شرطة حماية الأطفال في إسطنبول باحتجاز طفلة باعتبارها “متهمة”، كما أمر بالتواصل مع 16 طفلة أخرى تتراوح أعمارهن ما بين 12 و17 عامًا، من أجل أخذ إفاداتهن بصفتهن “شهودًا”.
وفي صباح يوم 7 مايو 2024، نفذت فرق إدارة حماية الأطفال، بالتنسيق مع إدارة مكافحة التهريب، عملية أمنية جرى خلالها احتجاز ١٥ فتاة من منازلهن.
وشهدت الجلسة الثالثة من أعمال القضية التي أقيمت “الأربعاء” حادثة صادمة، حيث قالت إحدى الفتيات المتهمات في إطار القضية أثناء دفاعها عندما سئلت عن سبب أدائها الصلوات: “لم أتصور أبدًا أن صلواتي ستعتبر يومًا ما جريمة إرهابية!”
وأعربت المحامية خديجة يلديز، التي تمثل مجموعة من المتهمين، عن استيائها من مجريات الأمور في تغريدة لها على تويتر، حيث كتبت: “قضية الفتيات مستمرة في يومها الثالث. إنهم يتحدثون عن تنظيم إرهابي، لكننا لم نشهد حتى الآن أي عمل مسلح تورط فيه أحد من المتهمين”.
أكدت المحامية أن الفتيات المتهمات متميزات في دراستهن، ثم قالت: “لقد انتهى اليوم الثالث من المحاكمة، وباتت الدفاعات على وشك الانتهاء.. لكن الكلمات الأكثر استخدامًا في هذه الجلسة كانت قراءة القرآن وإقامة الصلاة وما إلى ذلك من العبادات الدينية.. فهل هذه الأعمال جرائم في تركيا؟”
وأوضحت المحامية يلديز أن الدليل الوحيد في الملف على ثبوت جريمة الإرهاب لموكليها هو ادعاء شخصين بأن إحدى المتهمات نصحتهما بمشاهدة فيديوهات فتح الله كولن، مضيفة: “لا يتضمن الملف أي دليل آخر”.
وعبرت الناشطة في مجال حقوق الإنسان ناتالي آوازيان عن صدمتها بقولها: “حزب العدالة والتنمية حصد أصوات المواطنين بفضل حملات اعتمدت على “أن العلمانيين أغلقوا مراكز التحفيظ القرآني وحظروا الحجاب في تركيا.. لكن الشرائح المحافظة تعرضت لأكبر ظلم في عهده”
نقلت آوازيان عن إحدى الفتيات المتهمات في أطار القضية قولها:
“لقد سألني الشرطي المحقق معي: لماذا تصلي بينما تشتغل أمثالك من الفتيات بأمور أخرى؟
علقت آوازيان: “أصبت بصدمة أمام هذا السؤال! لو وجه الشرطي لي هذا السؤال لكان مبررا إلى حد ما: لأنني نصراني (من أصل أرمني)، لكن هذه الفتاة مسلمة ومن الطبيعي أن تصلى. وما هي الأمور الأخرى التي يتحدث عنها الشرطي يا ترى؟ هل ينصحها بإدمان المخدرات أو سرقة أموال؟”.
يذكر أنه عقب محاولة انقلاب 2016، تم فصل الآلاف تعسفيا من وظائفهم واعتقال أغلبهم بمراسيم حالة الطوارئ بتهمة الانتماء لحركة الخدمة، التي صودرت المؤسسات التابعة لها، بعد صدور قرار بتصنيفها حركة إرهابية، بزعم مسؤوليتها عن محاولة الانقلاب العسكري، دون تقديم أدلة واضحة.