بقلم: دانيال حنفي
القاهرة (زمان التركية)- بعض صفحات الإنترنت تتحول من كتاب للتعارف ولأجل “التقاء الوجوه” والتعرف بأصدقاء إلى أبواب للشر المطير. صفحات جعلت العودة إلى الاتصال بزملاء الدراسة وأبناء الجيران الذين لم نرهم منذ سنوات بعيدة رحلة سعيدة ومفاجئة في دنيا الصعاب والآحزان -في بداياتها- ثم تحولت الى ساحات خطيرة ومفتوحة لكافة مجالات الجريمة والتجنيد والاستدراج الى فخاخ كثيرة ومظلمة يديرها مجرمون وأجهزة أمنية ومنظمات إرهابية.
الغريب أن تلك الصفحات تخضع لرقابة دقيقة -من قبل أصحابها أو الشركة المالكة لها- ولكنها أيضا تستغل في عقد كثير من الاتفاقات الشريرة وفي تدبير عمليات الاستدراج -للضحايا وللعملاء- وفي عقد الاتفاقات بين المجرمين في وضح النهار وعلى مرأى من العالم . والعجيب، أن الناس ما زالت تتدفق على تلك الصفحات وتسجل أسماءها فيها، وتمضى ساعات على تلك الصفحات، وتضع على تلك الصفحات كل صورها الشخصية وكل بياناتها المفصلة -دون تردد- وتشرح ظروفها النفسية والاقتصادية والعائلية أولًا بأول وبكل رضًا وفي سرور وسعادة مدفوعة بشعور من الفخار أحيانًا. يفعل المترددون كل ذلك على صفحات الخطر المعلن ، وكأن الناس في خلوة خاصة لا يطلع عليها أحد، بينما تصب بياناتهم وصورهم في معية العصابات وفي صدور أجهزة أمنية قائمة على اصطياد وتجنيد الضحايا الراغبين وغير الراغبين، المدركين الوعيين لما يفعلون والمغفلين التائهين عن أنفسهم وعما يحاق بهم من شرور. فإذا كان كل ما تقدم معروفًا بالنسبة إلى غالبية الناس وليس بجديد، فالجديد هو ضرورة الانتباه إلى الخطورة الكبيرة التي تمثلها تلك الصفحات على الشعوب وعلى أبناءها وعلى مستقبل الناس وعلى مستقبل أولادهم والعمل على التوصل الى حلول ناجعة لهذه المشكلة الحساسة وخاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية، كالتي يمر بها العالم الآن. فأوقات الأزمات الاقتصادية تضع الناس جميعًا تحت ضغوط كثيرة شخصية وعائلية ومهنية، وتختبر معادن الناس وتختبر ثقتهم في أنفسهم وتختبر قدرتهم على مقاومة الاغرآت المادية على وجه الخصوص. وليس من العسير توقع أن يفشل الكثيرون في كل هذه الاختبارات أو على الأقل في الجزء الخاص بالنواحي المادية.
فالاحتياجات تزداد كل يوم ولا تقل وكذلك المخاوف والكوابيس المرتبطة بالفشل وبالحساب، والعقاب، والسجون والظلام. وهذه الظروف الصعبة تصب في مجملها في صالح المجرمين والمنظمات الإجرامية وفى صالح الأجهزة الأمنية التي تسعى إلى اصطياد الضعفاء والمحتاجين والباحثين عن مصادر دخل سهلة وسخية وسريعة العطاء. فاذا كانت المنظمات الاجرامية مخيفة، فان العمل مع الأجهزة الأمنية قد يبدو عملا مثيرا – كأفلام السينما – ومحققًا لأحلام المراهقين والمرضى بأحلام اليقظة. كذلك، فان ظروف الحروب والمواجهات العسكرية التي تتورط فيها الدول المخالفة تضع كثيرًا من مواطنيها تحت ضغوط كبيرة وخاصة وبالغة الصعوبة وصعيبة التحدي، وهو ما قد يمكن ملاحظته على خلفية أعداد المواطنين الذين يقعون في قبضة رجال مكافحة التجسس في تلك الدول المتحاربة.
ان كل إنسان بالغ عاقل مسؤول عن نفسه وعن تصرفاته في كل الأحوال، وهو الأمر الذي لا يمكن لأحد اغفاله، سواء لقى تحذيرا من عائلة أو من صديق أو من جهات رسمية أو لم يلق تحذيرًا. ولذلك، فعلى كل عاقل – مهما بلغت ظروفه من السوء المادي -إن ينتبه الى نفسه والى العروض السخية الواعدة بالسعادة والثراء وشلالات الأموال اليسيرة بدلا من الانزلاق الى مزالق السقوط والموت والإهان.