- د.حامد محمود
كاتب متخصص فى شئون قضايا الشرق الأوسط
القاهرة (زمان التركية)ــ تلعب جهود الوساطة التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وقطر, دورًا هامًا ورئيسًا من أجل الوصول لهدنة أو وقف دائم للحرب فى قطاع غزة التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي منذ اليوم التالي للهجوم مدن وبلدات إسرائيلية فى السابع من أكتوبر للعام 2023.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي فإن جولة المفاوضات الجديدة المرتقبة هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار في غزة، تشمل مقترحاً أميركياً نهائياً لوقف الحرب، وفق إعلام إسرائيلي، وسط تفاؤل حذر من إمكان أن تسفر المحادثات عن اتفاق، في ظل عقبات رئيسية، مثل البقاء في «محور فيلادلفيا» الحدودي مع غزة ومصر.
و يستعد الوفد الأميركي لعقد جلسة مفاوضات قمة أخرى هذا الأسبوع، يطرح فيها صيغة نهائية، تشمل اقتراحات عينية لجسر الهوة بين الطرفين في كل القضايا لكي يضع الطرفين في موقف جاد وهذا هو ما دفع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، للقول بأن المحادثات بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن بأسرى فلسطينيين تحرز تقدماً
سيقود لاتفاق، خصوصاً أن نتنياهو لا يبدي أي تراجع، بل فتح جبهة جديدة في الضفة الغربية، و الحديث الأميركي المستمر عن التقدم بالمفاوضات، ما هو إلا حديثاً استهلاكياً للداخل الانتخابي في واشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولعل جولة بلينكن الاخيرة بالشرق الاوسط أكدت بوضوح على ذلك فقد كانت من اجل التأكيد على دعم إدارته لاسرائيل من اجل الحصول على دعم اللوبى اليهودى للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن وذلك على الرغم من علم بلينكن أن نتنياهو هو العقبة الرئيسية» في إبرام أي اتفاق، ويعمل على إفشال أي خطة تفاوض للحفاظ على منصبه، ولذلك المقترح الأميركي قد يواجه المصير ذاته، إلا إذا كانت هناك ضغوط عليه للتراجع , وهو أمر مستبعد في ظل المرحلة الرمادية الادارة الامريكية الحالية قبل الانتخابات.
الموقف المصرى من أزمة غزة
يواجه الوسيط المصرى فى هذه الأزمة عقبات عدة وعلى رأسها التعنت الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو والذي راوغ احيانا ويماطل كثيرا لعدم الوصول لهدنة في غزة , برفضه الوصول الى هدنة تنص على الوقف الدائم للقتال، هذا فضلا عن محاولاته توسيع دائرة الصراع بنقل المعركة للضفة الغربية والتي تسودها أجواء قتال شديدة بين حركات فلسطينية مسلحة والجيش الإسرائيلي, وذلك بعد فشله فى استدراج ايران وحلفائها وفي مقدمتهم حزب الله اللبنانى إلى حرب شاملة .
وفضلا عن إصراره على عدم الانسحاب من محوري فيلادلفيا نتساريم , وهو من القضايا الشائكة، خاصة ان مطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على الحدود بين مصر وغزة ومراقبة حركة الفلسطينيين من جنوب غزة إلى الشمال، ورغم تصاعد خلاف غير مسبوق بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأمني، الخميس الماضى، وفق ما كشف موقع أكسيوس الأميركي، على خلفية خرائط انتشار الجيش الإسرائيلي بـمحور فيلادلفيا .
و غالانت الذي رفض تلك الخرائط في الاجتماع، يرى أنه يجب اختيار مسار الاتفاق لتقليل التوترات أو اختيار التورط في غزة والوصول لحرب إقليمية، قبل أن يحدث تصويت، وتقر الخرائط بدعم من نتنياهو و7 وزراء آخرين .
و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي أنشأه الجيش الإسرائيلي خلال احتلاله قطاع غزة بين عامي 1967 و2005، يبلغ عرضه في بعض الأجزاء 100 متر، ويمتد لمسافة 14 كيلومتراً على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة. ويعدّ منطقة عازلة بموجب اتفاقية «كامب ديفيد» الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.
موقف الوسيط القطري من هدنة غزة
ترى الدوحة أنه من المهم أن يتعامل المقترح المرتقب من واشنطن مع العقبات الرئيسية بحلول قابلة للتنفيذ، حتى لا يذهب أدراج الرياح , معتبرة أن هذه المفاوضات تحتاج إلى مرونة وتقديم تنازلات وتفاهمات حقيقية لتنجح في التطبيق على أرض الواقع دون خروقات، خاصة أن محادثات الهدنة الدائرة بين القاهرة والدوحة لا تزال تراوح مكانها.
ولعل المأزق الحقيقي الذي تواجهه قطر هو الموقف الصعب المترتب على اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران , والذى جاء بعد فترة وجيزة مرت فيها العلاقة بين الدوحة وحركة حماس بتوتر هو الأشد فى علاقاتهما منذ انتقال مقر المكتب السياسي للحركة إليها في العام 2014 , وذلك بفعل الضغوط الامريكية على قطر لتضغط بدورها على الحركة للقبول بالشروط أو المقترحات الامريكية , وتحولت الحركة الى محل تعاطف بعد اغتيال هنية , الأمر الذي وضع الدوحة فى حرج شديد.
أما عن المحيط العربى والدولى , فلا يزال التوصل لاتفاق بغزة، وتهدئة بالضفة والمنطقة، مطلباً ملحاً عربياً وأوروبياً , ومؤخرا جدد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشال، التأكيد خلال اجتماع بأبوظبي، الجمعة الماضية ، على أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن وقف عاجل لإطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة العمل على خفض التوتر في الضفة الغربية.
ومن المؤكد أن الضغوط العربية والأوروبية، قد تكون داعمة لمسار جهود الوسطاء.
وفي المجمل فإن أى اتفاق لوقف الحرب على غزة لن يكتب له النجاح طالما لم تفعل الضغوط الأمريكية على نتنياهو وهو مقيدة بفعل الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فعلينا الانتظار لحين إجراؤها فى نوفمبر المقبل خاصة فى ظل تعنت نتنياهو، وطمأنة إسرائيل من عدم وجود رد فعال من حزب الله، وتراجع ضغوط الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران، ولذلك فمن غير المتوقع وجود محادثات جادة، من جانب الطرف الاسرائيلى للتوصل لنتائج إيجابية إلا لو حدثت ضغوط جادة وحقيقية من المجتمع الدولي وواشنطن.