أنقرة (زمان التركية) – أثارت زيارة وفد كبير بقيادة وزير الخارجية هاكان فيدان إلى دولة النيجر الأفريقية في 17 يوليو، مزاعم بوجود مرتزقة سوريين.
فما الذي يفعله المرتزقة السوريون المزعوم وجودهم في النيجر نيابةً عن شركة “سادات” الأمنية؟
قد رافق فيدان كل من وزير الدفاع ياشار جولر، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين، ورئيس الصناعات الدفاعية هالوك غورغون.
وخلال الزيارة، التي تزامنت قبيل الذكرى السنوية الأولى للانقلاب في نيامي، عقد الوفد التركي اجتماعاً مع الجنرال عبد الرحمن تياني الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في العاصمة نيامي.
وكانت وزارة الخارجية التركية قد قالت في بيان ”نتابع بقلق عميق“ الأحداث التي أعقبت انقلاب 26 يوليو 2023.
وتأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تتردد فيه مزاعم عن نقل مرتزقة سوريين إلى النيجر عبر تركيا.
ووفقًا لتقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في مايو/أيار الماضي، فإن السوريين الذين ”أرادوا كسب المزيد من المال“ بدأ جلبهم إلى النيجر في أغسطس/آب 2023، بعد الانقلاب مباشرة.
ووفقًا للتقرير، يتم دفع 1500 دولار شهريًا لهم ووعدوا بتعويض قدره 30,000 دولار للمصابين و60,000 دولار لعائلات القتلى.
وهناك تقارير حول أنشطة المرتزقة السوريين من المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يقول، إنه تأكد حتى الآن من انتقال 1100 سوري إلى النيجر.
ووفقًا للمرصد، فقد سافر مقاتلون من فرقة السلطان مراد التابعة للجيش الوطني السوري، -الجيش السوري الحر سابقًا-، إلى النيجر.
وكان قائد هذه الفرقة، فهيم أرطغرل عيسى، صورة لرئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي أثناء زيارته لمكتبه على موقع التواصل الاجتماعي X في 31 ديسمبر 2023 مع تعليق ”الله يحفظكم في رؤوسنا“.
نقل المرتزقة من تركيا إلى النيجر
من الصعب معرفة عدد المقاتلين السوريين الموجودين فعليًا في النيجر بالضبط، وقال ويل براون، الباحث في برنامج أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لوكالة دويتشه فيله بنسختها التركية: ”الأعداد ليست كبيرة كما تشير بعض التقارير الإعلامية، لكن المقاتلين السوريين موجودون في النيجر بأوامر من تركيا“.
و قال للوكالة الدكتور جوزيف سيغل، مدير المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية ومقره واشنطن، إن المقاتلين كانوا في البلاد نيابة عن شركة سادات، ومهمتهم حماية المناطق الحساسة اقتصادياً، وخاصة الألغام.
كما ذكر المقاتلون الذين تحدثوا إلى وكالة الأنباء الفرنسية اسم سادات وقالوا إنهم حصلوا على عقود لمدة ستة أشهر، وزُعم أن المقاتلين نُقلوا أولاً من غازي عنتاب إلى إسطنبول، ثم نُقلوا إلى بوركينا فاسو وسافروا براً إلى مراكز عملهم في النيجر.
ووفقاً لوزارة الخارجية، يعيش حوالي 500 مواطن تركي في النيجر، وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين اللذين افتتحت سفارتاهما بشكل متبادل في عام 2012 من 72 مليون دولار في عام 2019 إلى 203 مليون دولار في عام 2022.
ووفقًا لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية (DEIK)، تبرز منتجات الدقيق والمعجنات في صادرات تركيا إلى النيجر، والذهب والمجوهرات في الواردات.
هل يتنافس المرتزقة السوريون والروس؟
بعد محاولة يفجيني بريجوجين الفاشلة للتمرد على إدارة موسكو ومقتله، لا يزال تنظيم ”فاجنر“ الذي كان يحمل اسم ”الفيلق الأفريقي“ موجودًا في أفريقيا. المرتزقة الروس والسوريون في النيجر لديهم أولويات مختلفة، يقول الدكتور سيغل: ”إن أولوية فاجنر هي حماية النظام، بينما تتمثل أولوية سادات في حماية الهياكل الاقتصادية“، لا يوجد تنافس بين المجموعتين، لكن سيغل يؤكد أن هذا يمكن أن يتغير بسهولة، فالقوات المدعومة من تركيا وروسيا تقاتل ضد بعضها البعض في ليبيا وسوريا.
وقال ويل براون إن المقاتلين الروس والأتراك لا يستبدلون أماكنهم في النيجر، ولكن هناك صراع على المساحة، فهناك تحديات على المستوى المحلي أكثر من الساحة الدولية. على سبيل المثال، قد تكون إحدى المجموعات داخل الحكومة نفسها سعيدة بوصول المرتزقة من تركيا، بينما قد تكون مجموعة أخرى غير مرتاحة لذلك.
من ناحية أخرى، تنفي شركة سادات نفياً قاطعاً الادعاءات التي تفيد بتعاقدها مع مقاتلين سوريين، وبناءً على تقرير وكالة الأنباء الفرنسية، قالت الشركة: ”إن الادعاء بأن شركة سادات الأمنية أرسلت مرتزقة سوريين إلى النيجر لا علاقة له بالواقع على الإطلاق، لم تشارك سادات الأمنية أبدًا في أي أنشطة تتعلق بسوريا أو النيجر“.
ومع ذلك، فقد تم ذكر اسم الشركة من قبل في تقارير أعدها الجيش الأمريكي.
القيادة الأمريكية: قامت سادات بنقل قوات إلى ليبيا
يشير تقرير تدقيق داخلي تم إعداده لتقديمه إلى الكونجرس الأمريكي في عام 2020 إلى أن شركة سادات نقلت مرتزقة من سوريا لدعم الحكومة التي تتخذ من طرابلس في ليبيا مقراً لها. وتذكر القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (USAFRICOM)، التي وردت نتائجها في التقرير، اسم سادات وتذكر أن المقاتلين الأجانب تم نقلهم إلى البلاد بواسطة طائرات تركية. ويقول التقرير: ”المرتزقة السوريون يقاتلون على خط المواجهة، ويساهمون في الهيمنة الإقليمية للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها“، مضيفاً: ”تقدر القيادة الأمريكية في أفريقيا الوسطى أن شركة صادات تدفع رواتب 5000 مقاتل سوري في ليبيا“.
في الحرب الأهلية الليبية، دعمت تركيا الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها ضد القوات التي يقودها خليفة حفتر في شرق البلاد.
كما كان استخدام المرتزقة على جدول الأعمال في سياق المقاتلين الأطفال في السنوات السابقة. ففي يونيو 2020، أصدرت الأمم المتحدة بيانًا لفتت فيه الانتباه إلى حقيقة أن ”آلاف الرجال السوريين، بما في ذلك بعض من هم دون سن 18 عامًا، تم إرسالهم إلى ليبيا عبر تركيا“.
في عامي 2021 و 2023، أضافت الولايات المتحدة الأمريكية تركيا إلى قائمة ”الدول المتورطة في استخدام الأطفال كجنود“ بسبب المقاتلين السوريين. وفي تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في سبتمبر 2023، لوحظ أنه من بين مقاتلي منظمة الدولة الإسلامية في العراق والشام الذين تم إرسالهم إلى ليبيا، كان هناك بعض من هم دون سن 18 عامًا. ومع ذلك، أشار تقرير الخارجية الأمريكية في العام التالي إلى أنه تم اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع مشكلة المقاتلين الأطفال في ليبيا.
الجنسية التركية الموعودة لأقارب القتلى
بالإضافة إلى ليبيا، وردت تقارير عن سفر مقاتلين سوريين إلى أذربيجان والآن إلى شمال العراق مقابل المال. في نوفمبر 2020، أبلغ فريق العمل التابع للأمم المتحدة عن ”تقارير واسعة الانتشار“ عن سفر مقاتلين سوريين إلى أذربيجان بدعم من تركيا ومشاركتهم في نزاع ناغورنو كاراباخ. وأشار بيان فريق العمل إلى أنه في مقابل المال، شارك هؤلاء الأفراد في القتال على الخطوط الأمامية، وفي حال وفاتهم وُعد أقاربهم بالحصول على الجنسية التركية.
وكانت أنقرة قد نفت في بيانات سابقة الادعاءات بإرسال مرتزقة إلى أذربيجان.
ووفقًا للمعلومات التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان في ديسمبر 2020، لقي 541 مقاتلًا سوريًا حتفهم في أذربيجان و468 في ليبيا. ويزعم شهود العيان الذين قدموا معلومات إلى المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عشرات المقاتلين لقوا حتفهم أيضًا في النيجر، ولكن لم تتم إعادة سوى عدد قليل منهم إلى وطنهم.
والعميد السابق عدنان تانريفردي هو رئيس شركة ”سادات“ التي تقع في قلب هذه المزاعم. تانريفردي هو أيضًا مستشار كبير سابق للرئيس طيب أردوغان. وتزعم الشركة أنها تقدم خدماتها فقط إلى ”القوات المسلحة وقوات الأمن في الدول“ وتدرج ”خلق بيئة سوق لمنتجات الصناعات الدفاعية التركية“ من بين أهدافها. ويؤكد الموقع الإلكتروني للشركة على أنها لا تتلقى أي حوافز أو مساهمات من أي دولة، بما في ذلك تركيا، وتصف وضعها الاقتصادي بأنه ”مكتفٍ ذاتياً“.
هل تدخل تركيا المرتزقة أيضاً إلى شمال العراق؟
قيل أيضًا إن المرتزقة السوريين قد عُرض عليهم القتال ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بعد النيجر.
ووفقًا للمرصد السوري فإن من يوافقون على العبور إلى شمال العراق سيحصلون على مبلغ يتراوح بين 2500 إلى 3000 دولار، وهذا أعلى عرض قدمته تركيا للمقاتلين السوريين على الإطلاق.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن ”مسؤولين أتراك“ هم من قابلوا المقاتلين من البعثة العراقية؛ ولا توجد معلومات عن مشاركة سادات في هذه العملية.
وتزعم مصادر محلية أن ما مجموعه 400 شخص من فرقة السلطان مراد، التي أرسلت مقاتلين إلى النيجر، بالإضافة إلى القوات الخاصة ”حمزة“ وفرقة سليمان شاه، من المقرر أن يشاركوا في مهمة العراق. في 17 يوليو، قام قادة القوات الخاصة حمزة وفرقة سليمان شاه بزيارة علاء الدين تشاكجي، زعيم منظمة إجرامية معروفة بقربها من حزب الحركة القومية، على يخته.
وفي سوريا، ظهرت فرقتا الحمزات وسليمان شاه بالأعلام التركية بعد أن احتجت تركيا على الهجمات العنصرية المعادية للأجانب في قيصري.
وقد أصبح مستقبل المقاتلين السوريين قضية حساسة في الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد، ويثير سعي كل من الرئيس أردوغان وحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي للحوار مع الأسد ”قلقًا مستقبليًا“ في صفوف تنظيم الجيش الوطني السوري الذي تدعمه تركيا منذ سنوات في كفاحها المسلح ضد دمشق.