بقلم: *د. شوقي صلاح
القاهرة (زمان التركية)- صدمت شعوب العالم التي تابعت خطاب نتنياهو الأخير أمام الكونجرس الأمريكي، فرغم أنه متهم بارتكاب أكثر الجرائم الدولية خطورة، إلا أن غالبية الحضور صفقوا له من الوضع واقفًا أكثر مما استمعوا.. ولعل السبب معلوم؛ فالمنافقون يسعون لنيل رضاء الأيباك -هي مجموعة ضغط يهودية تدافع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية- فمن سيثبت ولاءه سوف يُدعم ماليًّا وإعلاميًّا في المنعطفات الانتخابية القادمة.. أي أن الأيباك يسيطر على مراكز صنع القرار وبشكل علني في الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤسفني أن أقول أن السلطتين الأمريكيتين: التشريعية والتنفيذية أصبحتا أسرى لدى هذا التنظيم.
– هذا ولعلنا نتفق على أن شعوب العالم – ومنهم الشعب الأمريكي- رأت خطاب نتنياهو على حقيقته، وأنهم مدركون تمامًا لمدى النفاق السياسي الذي أعلن عنه غالبية الحضور من أعضاء الكونجرس الأمريكي.. وأطرح في هذا السياق فرضًا نظريًّا مقتضاه: ماذا سيكون الأمر إذا دُعي السنوار لإلقاء كلمة أمام طلبة وأعضاء هيئات التدريس بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية.. فماذا سيكون رد فعل طلبة أرقى الجامعات على المستوى الدولي؟ بل وماذا سيكون الحال أيضًا إن خطب السنوار أمام طلاب: السوربون في فرنسا، أو اكسفورد البريطانية، أو ميونخ الألمانية، أو جامعة “جي لين” الصينية.. هل سيعتبرون طلاب هذه الجامعات السنوار إرهابيًّا أم سيعتبرونه مناضلًا من أجل تحرير وطنه المحتل؟؟؟ سأترك الإجابة لفطنة القارئ الكريم. هذا وبالطبع فإنني لم أذكر فيما ذكرت من جامعات، جامعة عربية واحدة، حيث أن شهادات طلابنا ليست محلاً لشك.
– وجدير بالذكر أن طلبة الجامعات الأمريكية قد عبرت عن رأيها من قبل، معلنة رفضها المطلق لارتكاب إسرائيل لجرائم الإبادة الجماعية.. وقد وصم نتنياهو في خطابه هؤلاء الطلبة بأنهم ممولون من إيران، وأن الإدارات الجامعية أخفقت في التعامل معهم.. فلسان حاله في خطابه أنه يراهم كإرهابيين مثلهم مثل الحمساوية – وفقًا لرأيه- والصادم في هذا الشأن أن المشرعين ممن حضروا كلمته صفقوا له وهو يهين المجتمع الطلابي الأمريكي ويتهمهم بالعمالة لإيران.. فأين كانت عقولكم أيها المنافقون؟؟؟! أين كانت عقولكم ونتنياهو يقول لكم “نحن نحميكم” فيقلب بهذا الحقائق، وبدلاً من كون الولايات المتحدة تحمي إسرائيل، فقد قلب نتنياهو المعادلة في الاتجاه العكسي.. أيها المشرعون أليس بكم شخص رشيد ينتبه لهذه الإهانات ؟؟؟!
– ونشير في هذا المقام إلى أن السنوار قد أهدى نتنياهو يوم وقوفه أمام الكونجرس الأمريكي، خمس جثث من المحتجزين الإسرائيليين، في عملية فاشلة لتحريرهم من قبل الجيش الإسرائيلي، وليعلم نتنياهو أنه أمام سباق “عدو تتابع” فبفرض وصول الأمر لأسر قيادات حماس لا قدر الله، فستتحرك قوى أخرى حاملة راية المقاومة.. وسيستمر الاستنزاف للولايات المتحدة والكيان المحتل.
– وقد حرص نتنياهو على أن يبدأ خطابه بتقديم أبطال –من وجهة نظره- من الجنود الإسرائيليين، ومنهم المسلم من بدو إسرائيل، والإسرائيلي من أصول عربية، كما حرص أيضًا على تقديم الرهينة المحررة “أرغماني” وقد بدى على كل من ذكرتهم أنهم غير مقتنعين بهذه المشاركة.. هكذا ترجمتي للغة أجسادهم أثناء تقديم نتنياهو لهم، رغم كل التصفيق العاصف لهم.. !!!
– كما حاول نتنياهو الربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهجوم السابع من أكتوبر، فكلاهما من وجهة نظره هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وهنا أذكر كل من سمع خطاب نتنياهو وهو يشير إلى مرتكبي هذا الهجوم التاريخي على الولايات المتحدة وأقول لهم: إن التحقيقات الأمريكية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثبتت تغيب كل أصحاب الديانة اليهودية من العاملين في برجي التجارة العالمية عن العمل يوم وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١.. ومع هذا توقفت التحقيقات -ربما عمدًا- عن استقصاء حقيقة هذا التغيب المريب عن المشهد.
– وعلى صعيد آخر؛ ذهبت إحدى أهم تصريحات كمالا هاريس خاصة عقب لقاء نتنياهو إلى أن: “عملها السابق كنائبة عامة عن ولاية كاليفورنيا جعلها تتقن التعامل مع المجرمين.. ” ولعل هذا ينطبق على أسلوب تعاملها مع نتنياهو الذي اتهم بارتكاب أخطر الجرائم الدولية التي عرفتها الإنسانية، ألا وهي جرائم: الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وذلك وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المواد أرقام: ٦؛ ٧؛ ٨ من النظام المشار إليه).
– هذا وقد لاحظت أثناء استقبال كمالا هاريس لنتنياهو يوم الخميس الماضي أن الأخير أثناء مصافحته للسيدة نائبة الرئيس والمرشحة الرئاسية، يقوم بالضغط على يدها بشدة تصل إلى العنف.. ويبدو من هذا أنه يحاول التأثير البدني والنفسي عليها، ولكنها سحبت يدها بكل شجاعة ونظراتها كانت معبرة عن امتعاضها من هذا الأسلوب الرخيص، وبعد لحظات من انتهاء اجتماعهما خرجت إلى الصحفيين وقالت: “لا يمكننا أن نغض الطرف عن هذه المآسي، ولن أصمت” وذكرت مرتين تعبير “القلق الجاد” الذي عبرت عنه لنتنياهو، وكذلك علقت على الوفيات بين المدنيين في غزة، والوضع الإنساني والدمار الذي وصفته بأنه “كارثي ومدمر“، ثم تابعت وصفها لـ “صور الأطفال القتلى والجوعى اليائسين الذين يفرون بحثا عن الأمان، وأحيانًا ينزحون للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة” حقا السيدة هاريس كانت محقة في قولها أنها تتقن التعامل مع المجرمين، وأن عملها كنائب عام في كاليفورنيا أصقلها في هذا الصدد. وقد خرج الوزراء المتطرفون من حكومة نتنياهو لمهاجمة هاريس بعد تصريحاتها المشار إليها، محاولين إلقاء تبعة فشل المفاوضات على تصريحاتها التي يرونها زورًا داعمة لقوى المقاومة.
– ولعل المقارنة صادمة بين موقف أغلب أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين حضروا خطاب نتنياهو، وموقف نصف أعضاء الكنيست الإسرائيلي على الأقل من الأخير، ولا يخضع هذا لمنطق.. ويبرره فقط كون اليهود يسيطرون بقوة على مراكز اتخاذ القرار الأمريكي !!! وأرى أن نتنياهو والأيباك من خلفه سيدعمون ترامب ومع هذا، فجدير بالذكر أن الأخير لن ينسى خيانة الأيباك له في الانتخابات الأخيرة التي خسرها.
– هذا وإن جاز لي طرح معالجة قانونية لتحرير السلطات الأمريكية من سيطرة أي تنظيم على مقدراتها.. فعلى الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية أن يدعو الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى إعادة النظر في القوانين واللوائح التي تحكم النظام الانتخابي الأمريكي برمته؛ وذلك بما يحول وسيطرة أي جماعات ضغط على المرشح للرئاسة أو لعضوية الكونجرس بمجلسيه.. وكذا سن قوانين من شأنها تجريم أفعال التأثير غير المشروع على الناخب الأمريكي.
– ولعل أخطر ما ذكره نتنياهو في خطابه أمام الكونجرس أنه وبدعم أمريكي، في سبيلهم لتشكيل حلف عسكري يضم دولاً عربية لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.. لذا فحري بالجامعة العربية سرعة التحرك للرد على هذه الادعاءات المزيِفَة للحقيقة، والتأكيد على أن التطبيع الاقتصادي لبعض الدول أو اتفاقات السلام لأخرى مع الكيان الغاصب لا يعني مطلقًا الاصطفاف معه في خندق واحد ضد دولة من دول الجوار، أو حركة من حركات المقاومة بالمنطقة.. وأن التطبيع مع الكيان الصهيوني مدخله الوحيد هو إنجاز حل الدولتين، وإعلان فلسطين دولة حرة مستقلة، وبعدها يأتي التفاوض على التطبيع الحقيقي إن كان له ما يبرره.
*عضو هيئة التدريس بكلية الشرطة المصرية