العنوان صادم، أليس كذلك؟ لا تتعجلوا، فما ستقرؤونه سيصدمكم أكثر. في الواقع يمكنكم القول إن “أولئك الذين ينظمون انقلابًا مزيفًا ويضعون البلاد في مأزق يمكنهم بسهولة القيام بمثل هذه الأشياء!” وأنتم محقون، لكن ما سأذكره في هذا المقال سيصدم حتى أكثر المعتادين على هذا الوضع. نظرًا لأن الأمل يشمل داعش وسورية والاحتيال على قطر والأهم من ذلك الإجابة على أحد الأسئلة المحورية بشأن 15 يوليو/ تموز.
أثناء الخوض في التفاصيل، اسمحوا لي أن أشير إلى أن ما وصفته في هذا المقال وفي هذا الفيديو هو من مصدر مهم لدرجة أن مسؤولي جهاز المخابرات التركي لا يمكنهم حتى محاولة إنكاره. كل ما سيفعلونه هو النظر إلى بعضهم البعض والتساؤل عن الشخص الذي سرّب المعلومات. دون مزيد من التأخير، دعونا ندخل في صلب الموضوع…
كما تعلمون، قام الرئيس أردوغان ووزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو ورئيس المخابرات حينها هاكان فيدان بدعم وتنسيق الجماعات الجهادية التي تقاتل ضد نظام الأسد في سورية.
هذه المجموعات، التي تحومُ حولها شكوكٌ حول ماهيتهم والأجندة التي يخدمونها، استخدمت تركيا كمركز لوجستي للتدريب والاستقرار. بالطبع تحت إشراف المخابرات التركية.
ما ذكر حتى الآن معروف للجميع وتم تناوله بالإعلام الدولي، لكن هناك بعد مادي بحت للأمر. أي أن اهتمام أردوغان بسورية ليس اهتمامًا ايدولوجيًّا فقط.
أنشأ كمال إسكنتان، الملقب باسم “أبو فرقان”، رئيس قسم العمليات الخارجية في المخابرات التركية وتحت إشراف هاكان فيدان، نظام ريعي ضخم في سورية. بالطبع بإشراف من هاكان فيدان وأردوغان.
كان هناك ركيزتان لنظام “السرقة والنهب” الذي أنشؤوه ألا وهما “منظمات اللافتات” و مركز العمليات المشتركة (MOM).
كان من المعروف أن التهرب الضريبي وغسل الأموال تم تنفيذهما من قبل شركات وهمية، لكن نظام أردوغان تقدم خطوة للأمام وأنتج “منظمات إرهابية مزيفة”. “النظام” هو كما يلي؛ أصبحت تركيا مركز الانتقال التدريبي والخدمات اللوجستية للجهاديين، مولت قطر أيضًا هذا النظام. تم تسليم حقائب مليئة بالدولارات من قطر إلى كمال إسكنتان في حرم المخابرات في شفتليك بأنقرة.
نتذكر أيضًا صورة الحقائب والحاويات المليئة بالدولارات من قطر من الصور التي قدمها لوسائل الإعلام الأوكرانية نوري بوزكير، وهو عضو سابق في القوات الخاصة، والذي نعرفه من ملفات الساونا وشاحنات البصل.
داخل غرفة مكتب كمال إسكنتان، توجد خزانة فولاذية كبيرة على اليسار عند المدخل. يتم وضع الأموال الواردة في هذه الخزنة دون عد أو تسجيل. يكفي أن يحدد إسكنتان المبلغ الممنوح لكل تنظيم.
ماذا يفعل أردوغان والمخابرات؟
كمال إسكنتان، المعروف باسم “أبو فرقان” في سورية، لديه القدرة على تجميع وتوحيد وتقسيم جماعات المعارضة بسهولة، لأن الأموال بحوزته. جميع جماعات المعارضة تعرف ذلك جيدًا.
اعتاد إسكنتان أن يعطي التعليمات لأي مجموعة كان على اتصال بها، قائلًا: “خذ بعض الأشخاص معك، وابحث عن اسم للمجموعة التي أنشأتها. حدد اسم المجموعة وأعلن أنها معارضة للنظام. قل إن لديك الكثير من القوات المسلحة وإنك ستعمل في هذه المنطقة. وحمل الفيديو المسجل بلافتات عربية على يوتيوب”.
هكذا يتم إنشاء التنظيمات الزائفة بسهولة، ثم يتم تقديم الدعم المالي والذخيرة كما لو كان هناك بالفعل مثل هذه المجموعة.
في الواقع، لم يتم فعل شيء على أرض الواقع. يتظاهرون بالقيام بذلك ويحولون الأموال إلى صندوق الاختلاس.
كيف تتدفق الأموال؟
المعلومات التي تلقيتها من مصادر “مباشرة” هي كما يلي؛ يدخل موظفو المخابرات الذين سيحملون الأموال إلى غرفة إسكنتان. يفتح إسكنتان الخزنة، ويتم ملء الدولارات في حقائب سوداء حتى دون عدٍّ. بل ويصدر إسكنتان تعليمات للموظفين بأخذ المزيد من النقود من ثم يغلق الحقيبة.
كل حقيبة تحتوى على 5 -6 مليون دولار. واستمر هذا النظام القائم على خط قطر – تركيا وسورية لسنوات. ويصعب على المرء تخمين حجم الأموال المدارة.
بدون شك هناك جانب للأمر ممتد لقطر.
النظام في تركيا الذي ينقض على كل ما يصادفه ويفرض الرسوم على كل شيء يحتال على قطر التي يدعوها “بالصديقة”. يعتقد القطريون أنهم “يرسلون الأموال إلى الجماعات الجهادية”، لكن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال يتم اختلاسه. ويتم إرسال أسلحة وذخائر لداعش عبر تنظيمات الواجهة.
الطريقة الثانية لنظام الرئيس أردوغان هي تمويل الجماعات الخاضعة لسيطرته من خلال “مركز العمليات المشتركة”. في هذا النظام الذي تترأسه الولايات المتحدة لا توجد أموال غير مسجلة.
يقوم كمال إسكنتان وهاكان فيدان بإقحام المجموعات الخاضعة لهم في هذا النظام ودفعهم للتطرف من أجل الحفاظ على المساحة غير الشرعية التي في قبضتهم. وخلال اجتماع مركز العمليات المشتركة يوضحون أن تلك الجماعات متطرفة ولا يستطيعون دعمها وبهذا يبقون عليها خارج النظام. وتُستخدم تنظيمات الواجهة هذه لأجل الأسلحة والذخيرة المرسلة إلى داعش.
وعندما تُعطى الأموال والذخيرة من المخابرات التركية إلى تنظيمات الباطن، تستولي عليها داعش بغارة ميدانية.
ما علاقة هذا بالخامس عشر من يوليو/تموز؟
كما تعرفون، توجه العميد سميح ترزي قائد لواء القوات الخاصة في سيلوبي إلى ثكنة القوات الخاصة في جولباشي ليلة 15 يوليو/ تموز وأصيب برصاص الضابط عمر هاليسدمير أثناء دخوله مبنى المقر. وهكذا أصبح عمر هاليسدمير “البطل” وسميح ترزي “الخائن” الذي يحتاج إليهما النظام، ولكن هناك خطة منظمة وراء مقتل ترزي، لأن العملية التي سيق خلاله ترزي إلى أجله تكشف أيضًا عن منظمي 15 يوليو/ تموز.
اسمحوا لي أن أشرح بإيجاز بعضًا من تصريحات الرائد محمد ساغلام والرائد حسين جاكر أوغلو، أحد المتهمين في 15 يوليو/ تموز:
“في حوالي الساعة 19:30، صدر أمر من قيادة القوات الخاصة بحظر الرحلات الجوية. تبع قائد الفوج أوميت تاتان مغادرة الطائرة لإحضار “سميح ترزي” بطريقة لم نتمكن من فهمها. على الرغم من تذكيره بحظر الطيران، قال: “لدينا إذن لهذه الرحلة. أعلمني إذا كانت هناك أي رحلات أخرى غير هذه” اتصل بي في الساعة 8:45 مساءً وطلب إقلاع الطائرة في الساعة 9:15 مساءً. لا يمكن أن يكون زكاي أكساكالي وأوميت تاتان على علم بمحاولة الانقلاب حتى حوالي الساعة 23.30 “.
لماذا؟
لأن رئيس وزراء تلك الفترة، بن علي يلدريم، اتصل بالبث المباشر لقناة NTV في 23.02 وأعلن أن هذه قد تكون محاولة انقلاب. وفي الوقت نفسه، لم تهبط الطائرة المغادرة من أنقرة لنقل سميح ترزي بعد في ديار بكر. بعبارة أخرى، لا يمكن هبوط الطائرة، أو استدعائها، وما إلى ذلك، لكن لم يتم فعل أي من هذا. على العكس من ذلك، يتابع زكاي أكساكالي وأوميت تاتان عن كثب للتأكد من صعود سميح ترزي على متن الطائرة.
زيكاي أكساكالي هو من أمر بتصفية سميح ترزي! لنتابع. رافق 28 عنصراً من قيادة الكتيبة 12 للقوات الخاصة ترزي على متن الطائرة التي انطلقت في تمام الساعة 23:59 من ديار بكر.
أثناء تحليق الطائرة، يظهر الرئيس أردوغان على شاشة التلفزيون ويدعو الناس إلى الشوارع، لكن لا أحد يوقف الطائرة. وبعد 45 دقيقة، هبطت الطائرة التي تحمل ترزي في قيادة فوج إتيمسغوت الجوي في أنقرة.
تنتفض تركيا، لكن جهة ما تواصل بسط السجادة الحمراء أمام سميح ترزي. يقول أحمد بالابان، نائب قائد الفوج الذي رحب بتيرزي، إنه لم يتم إبلاغه بأنه لا ينبغي هبوط الطائرة بأي شكل من الأشكال، وأن تيرزي كان انقلابيًا، وأنه يجب اتخاذ تدابير ضده، أو على الأقل يجب إيقاف حركته إلى جولباشي.
تقلع المروحية في وقت قصير وتهبط في ثكنة جولباشي أوغلبي في الساعة 02.14 ليلاً دون مواجهة أي عقبات. استقبلته مجموعة من عناصر القوات الخاصة ورحبت به.
وفي الوقت نفسه، اتصل زيكاي أكساكالي من مكان اختفائه بعمر هاليسدمير 8 مرات من مكان اختبائه وأصدر له تعليمات بقتل سميح ترزي وأخبره بالسماح بترزي وحده بالدخول إلى الثكنة ومنع دخول أي شخص آخر.
بينما يتجه العميد سميح ترزي نحو المبنى دون أن يرى أي شيء غير اعتيادي، يطلق عمر هاليسدمير النار على ترزي من الخلف. أصيب ترزي، وأولئك الذين معه يطلقون النار على هاليسدمير ويجرحونه. مهرالي أطماكا، الملازم الأول في فريق ترزي، يطلق النار على عمر هاليسدمير، المصاب ويقتله.
في اليوم التالي، قبّله زكاي أكساكالي على جبهته وهنأه. ذكرت الكثير من التفاصيل نظرا لوجود شكوك عميقة حول موقف سميح ترزي ومهاجمته في ذلك المساء.
إذا كانت مجرد محاولة انقلاب، فإن إيقاف ترزي كان مهمة بسيطة للغاية تمامًا كاستغراق عملية عرقلة الخامس عشر من يوليو/ تموز دقيقتين. كان بإمكان خلوصي أكار، رئيس هيئة الأركان العامة في تلك الفترة، أو هاكان فيدان، رئيس المخابرات، أو الرئيس رجب طيب أردوغان، إنهاء الأحداث قبل أن تبدأ ببيان من جملة واحدة. وبهذا، لن يموت أحد، ولن تكون البلاد على هذا الوضع.
ومع ذلك، كان ينبغي إراقة الدماء من أجل استمرار نظام الرئيس أردوغان، حتى أنهم أرسلوا الناس إلى الموت عن طيب خاطر في تلك الليلة.
لماذا تم التحريض على تصفية سميح ترزي ؟
عرف سميح ترزي عن “تنظيمات الباطن” التي أنشأها فيدان وإسكنتان. في الواقع، نوقشت هذه القضية في اجتماع عقد في حرم المخابرات في أنقرة في عام 2015. كانت أطراف الاجتماع سميح تيلور وأفراد القوات الخاصة وكمال إسكنتان وموظفي المخابرات.
كان هناك توتر خطير بين سميح ترزي وكمال إسكنتان. يقول ترزي إن “الحادث لا يقتصر فقط على الفساد، من الناحية النظرية، فإن هذه المنظمات التي يجب أن تدعمها ليست موجودة حقًا، وهذا الوضع يعرض القوات المسلحة التركية للخطر”. ويتابع: “أنت لا تضعنا على اتصال مع هذه المجموعات لأنه في الواقع لا توجد مثل هذه المجموعات. لا يمكنك دفع ثمن هذا الأمر! “
في المقابل يقول إسكنتان: “ليس لدينا ثمن لا يمكن دفعه” ويتجنب الأمر، غير أنه يصاب بانهيار عصبي عقب الاجتماع. وفقًا لشهود العيان، يصرخ كمال إسكنتان خلف ترزي في ممرات مبني المخابرات قائلا: “من أنت لتحاسبنا؟ من تظن نفسك؟ سنرى من سيخضع للمساءلة في نهاية العمل، وماذا سيحدث لمن؟”.
أمر زكاي أكساكالي بإحضار سميح ترزي إلى أنقرة مساء يوم 15 يوليو/ تموز وتصفيته، لأن شهادات ترزي كانت أشياء من شأنها أن تجعل هذين الاثنين، وبطبيعة الحال، نظام أردوغان يعاني. من خلال قتل ترزي، سيوفران بهذا المادة الخام لخطاب “الخائن” ويتخلصان من الشاهد الناقد.
في تلك الأثناء، لا يقضي كمال إسكنتان على الشاهد فحسب، بل يدمر أيضًا العديد من الوثائق في حرم المخابرات مساء يوم 15 يوليو/ تموز.
هذه الوثائق، التي يحظر عادة إتلافها أو إخضاعها لبروتوكولات صارمة، يتم إتلافها على عجل بحجة احتمالية استيلاء مدبري الانقلاب على المكان.
باختصار، 15 يوليو/ ليس لطف إلهي فقط للرئيس أردوغان، ولكن أيضًا لجميع أولئك الذين يقومون بأعمال قذرة مثل كمال إسكنتان.
دعوني أضيف نقطة مهمة أخرى. نعلم جميعًا أن كمال إسكنتان استخدم الاسم الرمزي “أبو فرقان” وقام بتنسيق الجهاديين في الريف السوري. نحن أيضًا على دراية بالعملية التي سبقت 15 يوليو/ تموز والدور الحاسم الذي لعبته في ذلك المساء من ملفات المحكمة.
ومع ذلك، هناك معلومة واحدة حصلت عليها للتو تتفوق على جميع المعلومات السابقة، لأنه تم إنشاء “تقارب” يصعب تفسيره بين داعش وكمال إسكنتان. لدرجة أن مسلحي داعش أطلقوا على إسكنتان اسم “أبو سيوف” وقبله إسكنتان.
قدم البيروقراطيون الأمنيون ف المنطقة تفاصيل لا تصدق، ولكن حتى هذا أمر صادم. لهذا أصدروا مرسومًا بشأن الحصانة من الجرائم التي ارتكبوها في 15 يوليو/ تموز ويهربون من الادعاء العام والمحكمة والبرلمان والصحفيين المستقلين.
*صحفي وكاتب ومصور صحفي تركي مقيم في واشنطن، فاز بجائزة Metin Göktepe للصحافة عن عمله الذي يحمل عنوان “انتبه، إنهم يسرقون حمضنا النووي” في مجلة Avizyon، حيث كان يعمل.
* صحفي تركي