بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية)ــ بعض الصناعات – على ما يبدو – تنمو على جدران العالم وتتسلق الأرواح والمباني فى هدوء وتصميم وعزم مدبر، بل وتتخذ من لون ما يحيط بها من بيئة لونا لها فلا يكاد يلمحها إلا القليلون، بينما يشتغل الكثيرون بإطفاء الحرائق التي اشتعلت دون سبب واضح للعيان.
وقد رأينا ورأى الجميع حدثًا غريبًا وجريمة واضحة فى بلد صديق أوروبي حديث ومحافظ أيضًا ضد مجتمع من المهاجرين الأجانب المسلمين المنتمين إلى دولة عربية صديقة أيضًا وربما تكون ذات ظروف خاصة فى الوقت الراهن.
فقد رأينا أهل منطقة ما في ذلك البلد الأوروبى يخرجون على المقيمين في موجة غضب واضح وفي اهتياج تطور إلى الاعتداء الجسماني على الناس -بدون تمييز- اعتداءات جسيمة باللفظ واليد والأسلحة البيضاء.
كما اعتدى الغاضبون المهتاجون على ممتلكات المقيمين الضيوف العرب وحرقوا ودمروا تلك الممتلكات وهم يرددون شعارات وصفت بأنها قومية. طالبت شعارات الغاضبين المعتدين بخروج المقيمين الأجانب من البلد الأوروبى والعودة إلى حيث قدموا فورًا وفي الحال. وفوجئ المقيمون المظلمون بهذا الاعتداء الموسع الغريب المضمون الخطير المنحى، وراحوا يحاولون حماية أنفسهم وتجنب الاستجابة للمشاعر السلبية حتى لا تسوء الأمور وتقع عليهم مسؤولية هذه الواقعة الشريرة.
وسارعت السلطات الأوروبية -دون تقصير- تلملم المعتدين من أبنائها بأيدي قوات الأمن النشطة، بينما تبث رسائل الطمأنينة لكلا الشعبين وتدعو الى توخى الحكمة والتزام الهدوء واحترام القوانين وروح الصداقة والمودة التي تقوم عليها العلاقة بين الشعبين وبين البلدين الأوروبى والعربي .
لم تكن الواقعة -بهذا الحجم- صدفة على ما يبدو ، فالناس لا تنهض من فورها ومن سلمها ومن سكونها إلى الأسلحة وإلى الاعتداء الجماعي على الأفراد والجماعات المنتمية من المقيمين الأجانب دون سبب قوي راسخ وواضح. وما أعلن من سبب لهذه الانتفاضة الغاضبة هو مضايقة شاب عربي لفتاة ما في إحدى المقاهي. وروج المحرضون الواقعة على أساس من كون تلك الفتاة أوروبية، وقدموا الواقعة فى صورة اعتداء على المجتمع وعلى الشرف فى بلد متدين محافظ، وهو الأمر الذى أشعل نار الغضب ودفع الغاضبين إلى الشوارع وإلى الاعتداء على المقيمين البراء وعلى ممتلكاتهم كما تقدم الذكر. والواقع أن المتابع لمضمون واقعة الاعتداء الجماعي على المقيمين وعلى ممتلكاتهم بهذا الشكل لا يمكن أن يغفل أبدًا عامل التحريض والإثارة العدائية المتعمدة السابقة والمستمرة من قبل جهات ذات مصلحة أو مصالح فى إشعال النيران فى البلاد وتحقيق الوقيعة بين شعب ذلك البلد الأوروبى الصديق والشعب العربى الصديق.
أما عن جهة التحريض وجنسيتها أو جنسية القائمين عليها وأهدافها، فهذا أمر قد تبحث فيه جهات التحقيق المختصة سواء كانت جهة التحريض وطنية أو أجنبية. وما يعنينا هنا هو فعل التحريض نفسه، لعظم هذا الفعل وخطره الواضح على أمن المجتمعات وعلى استقرار الدول وعلى الجهود المبذولة لدعم الترابط الاجتماعي واحترام الوافدين والمقيمين في البلاد واحترام القوانين والممتلكات العامة والخاصة في كل الأحوال.
كما يهتم المقال بواقعة التحريض أيضًا، لكون التحريض سلاحًا فعالًا وغير مرىء أيضًا ويمكن استخدامه على أيدي البعض من الفاعلين دون ظهور المحرضين من قريب أو بعيد، الأمر الذى يجعل التحريض سلاحًا ماضيًا قليل التكلفة وواسع الأثر، ويمكن ارتكابها من داخل ومن خارج البلاد. وتنظر الدول المختلفة فى اعتبار جريمة التحريض جريمة مستقلة يسأل عنها المحرض -حتى لو تراجع عنها- ويعاقب عليها المحرض بنفس عقوبة المرتكب للجريمة التي حرض الغير عليها. ولا تقع جريمة التحريض إلا إذا كان التحريض مباشرًا.
ويعامل المحرض معاملة الجاني المرتكب للفعل المجرم (جريمة التحريض على العنف بين حرية الرأي وخطاب الكراهية – د. ياسر محمد اللمعى – دراسة تحليلية – كلية الحقوق بجامعة طنطا).