بقلم:-
لواء د. شوقي صلاح، عضو هيئة التدريس بكلية الشرطة
د.حامد محمود، باحث متخصص في شئون إيران والخليج
القاهرة (زمان التركية)- أسفرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، بحصوله على 16.3 مليون صوتا مقابل 13.5 مليون صوتا لسعيد جليلي المرشح المحافظ، وبهذا أكد الشعب الإيراني إلى تطلعه لإصلاحات أهمها: المتعلقة بالحقوق والحريات، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، فقد أرهق الاقتصاد الإيراني كثيرًا من دعم الأذرع الإيرانية الخارجية.. كما عانت إيران من العقوبات الدولية التي فرضت عليها، ولا شك أن بزشكيان سيواجه تحديات من دوائر صنع القرار الإيراني الخاضعة لسيطرة المحافظين المتشددين؛ كما أن التوترات الخارجية المعنية بها إيران تشهد منعطفا حادًا في الآونة الأخيرة، خاصة في الشرق الأوسط بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وقوى المقاومة.
– ورغم أن بزشكيان سبق ودعا خلال حملته الانتخابية إلى «علاقات بنّاءة مع الولايات المتّحدة والدول الأوروبية، من أجل إخراج إيران من عزلتها، إلا أنه صرح بعد فوزه بالانتخابات إلى التأكيد على دعم إيران القوي لحزب الله. وجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية صرحت بأن الولايات المتحدة ليس لديها أي توقع بأن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير جذري في اتجاه إيران، أو احترام أكبر لحقوق الإنسان لمواطنيها، وأشارت إلى أن السياسة الإيرانية يُحدّدها المرشد الإيراني كما قال المرشحون أنفسهم، لكنها قالت “إنها مع هذا ستسعى إلى الدبلوماسية عندما تخدم المصالح الأميركية”.
– هذا وحري بنا تهنئة الرئيس الإصلاحي بزكشيان على توليه رئاسة إيران، وبرقية التهنئة هذه تحمل معها رسالة من الجمهور العربي الذي يتطلع من الرئيس الإيراني اتخاذ مسار تراعي فيه إيران المصالح العليا للدول العربية، لنتجنب الفتن التي تحاك لدولنا من قبل دول مارست من زمن سياسة “فرق تسد”.. لنبدأ عهدا جديدًا لعلاقات حسن الجوار والتعاون الذي تتحقق من خلاله المصالح المشتركة، وقد صرح بزشكيان خلال مناظرة تلفزيونية مع سعيد جليلي، بأن إيران بحاجة إلى استثمارات أجنبية تصل لــ200 مليار دولار، لافتا إلى أن هذه المبالغ لا يمكن جذبها إلا بإعادة تنمية العلاقات الخارجية.. وجدير بالذكر أن الاقتصاد الإيراني يواجه أزمات عديدة، حيث أشار تقرير لمركز الإحصاء الإيراني إلى أن معدل التضخم بلغ 46.2%، بداية العام الحالي، وهى نسبة تضع إيران في مقدمة الدول الأعلى تضخماً في العالم، وبالطبع تلقي نسبة التضخم القياسية بظلالها على الأوضاع المعيشية للمواطنين، لاسيما الفقراء ومتوسطي الدخل، لذا فإن تنمية الاستثمارات الخليجية مع إيران يمكن أن تحقق المصالح المشتركة.. خاصة وأن الرئيس الإيراني يهدف لإذكاء سبل التعاون والتفاهم مع الغرب، بما من شأنه توقف الغرب عن فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.
– هذا، وهدد مؤخرا عبد الملك الحوثي باستهداف موانئ ومطارات ومنشآت نفطية وبنوك سعودية، ما يؤكد على رغبة الأذرع الموالية لإيران في التصعيد والابتعاد عن مسار السلام باليمن، واعتبار المفاوضات مجرد كسب للوقت لمزيد من التسلح.. ونتطلع أن يتم تصويب مثل هذه السياسات العدائية أملاً في:
– ألا تدفع هذه التهديدات الصادرة من أحد حلفاء إيران الخليج للاصطفاف مع القوى الغربية ضد إيران، ولعل الرئيس الجديد يدرك أهمية تبني منهجية دبلوماسية تتسم بالحكمة، فلا داع للجوء لتهديدات علنية تسمم الأجواء.. ولنا وطيد الأمل أن تكون هذه الدبلوماسية هي أهم مسارات النهج الإصلاحي للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
– ونظرًا لأنه؛ يصعب على أي رئيس إيراني إحداث تحول كبير في ملفات بعينها، لعل أهمها: ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، السياسة الخارجية، القضاء، القوات المسلحة، ووسائل الإعلام، إذ يتولى المرشد الأعلى أمر الحل والعقد بشأن هذه الملفات.. وحث خامنئي بزشكيان على مواصلة سياسات سلفه إبراهيم رئيسي، الذي كان محسوبا على غلاة المحافظين.. فهل يستطيع الرئيس إحياء المحادثات مع الغرب سعيا لرفع العقوبات الأميركية الصارمة، خاصة في ظل تزايد الاستياء الشعبي من المشاكل الاقتصادية؟
وحيث تمثل أزمة الاقتصاد الإيراني تحديا لم يستطع رجال الدين الحاكمين مجابهته، فإن الإجابة على السؤال السابق تحتمل أحد سيناريوهين:
الأول: خشية التيار المحافظ من تجدد الاحتجاجات التي اندلعت عام 2017، وهذا ما يدعو خامنئي لإفساح المجال لإحداث حالة من التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وغالبا سيؤجل هذا الملف لما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر عقدها في نوفمبر المقبل.
والثاني: أن يفشل بزشكيان في إحداث اختراق سياسي في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وينتهي به الحال لوضع مماثل لسابقيه الرئيسين الإصلاحيين: محمد خاتمي وحسن روحاني، حيث رفعا معنويات الإيرانيين الطامحين للتغيير، ثم مُنعا في النهاية من القيام بذلك من قبل المحافظين: رجال الدين والحرس الثوري.