*بقلم: د . حامد محمود
القاهرة (زمان التركية)- بعد مضي أكثر من 19 عاما على مغادرة محمد خاتمي آخر رئيس إصلاحي القصر الرئاسي في طهران، يعود الإصلاحيون إلى سدة الحكم من بوابة الانتخابات الرئاسية المبكرة بدورتها الـ14، التي فاز بها استشاري جراحة القلب والصدر، السياسي مسعود بزشكيان.
وبعد سجال احتدم بين الإصلاحيين والمحافظين طوال 25 يوما خلال فترتي الحملات الدعائية قبل الجولتين الأولى والثانية، وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، صباح السبت، فوز الإصلاحي مسعود بيزشكيان بحصوله على نحو 55% من أصوات الناخبين متفوقا على المحافظ سعيد جليلي، في حين بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات 49.8%.
وأظهرت الحملات الدعائية للمرشحين الإصلاحي والمحافظ، لا سيما المناظرات الثنائية بينهما، أنهما يحملان أفكارا وخططا متباينة تكاد تكون متناقضة في عديد من الملفات الداخلية والسياسة الخارجية، وهو ما يطرح تساؤلات عن تأثير فوز بزشكيان على تلك الملفات.
رفع القيود وضمان المزيد من الحريات
وفي الشأن الداخلي وعد بيزشكيان الإيرانيين برفع القيود المفروضة على الإنترنت، وأعرب عن معارضته “بالكامل” لما يعرف بدوريات شرطة الأخلاق المكلّفة بالتثبت من تقيّد النساء بإلزامية الحجاب. ودعا إلى تمثيل حكومي أوسع نطاقا للنساء وللأقليات الدينية والإتنية خصوصا الأكراد والبلوش. واعدا الناخبين بخفض التضخّم الذي يسجّل حاليا نسبة تقارب 40 بالمئة. واعتبر بيزشكيان خلال مناظرة تلفزيونية مع جليلي، أن إيران بحاجة إلى استثمارات أجنبية بـ200 مليار دولار، لافتا إلى أن هذه المبالغ لا يمكن جذبها إلا بإعادة تفعيل العلاقات مع العالم.
ومما لا شك فيه ان فوز بزكشيان يعد حدث مفصلي ومهم للغاية في تاريخ ايران فعودة الإصلاحيين إلى رئاسة الدولة سوف تترك تأثيرا إيجابيا على شتي الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية.
واكثر التوقعات تفاؤلا تشير الى أن البلاد سوف تشهد بلاد انفتاحا أكبر على صعيد الحريات السياسية والاجتماعية في حقبة بزشكيان، لا سيما بخصوص سياسة تقييد الإنترنت وفرض الحجاب الإجباري، مؤكدا أن هناك فرقا شاسعا بين رئيس للجمهورية ووزير داخلية يعتقدان هذه السياسات وآخرين يرفضانها برمتها.
فالخطط التي قدمها مستشارو الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان خلال فترة الحملات الانتخابية بشأن الملفات الداخلية حظيت بإقبال الناخبين الإيرانيين، وتوقع نجاح التيار الإصلاحي في عقد مصالحة بين السلطة والشعب الإيراني خلال الفترة المقبلة.
وتستند هذه التوقعات المتفائلة الى ان بزشکیان يحظى بتأييد الرئيسَين الأسبقَين الإصلاحيّ محمد خاتمي وحسن روحاني. ودعت شخصيّات معارضة داخل إيران وكذلك في الشتات، إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرة أن المعسكرين المحافظ والإصلاحي وجهان لعملة واحدة.
وعلى الرغم من فوز بيزكشيان بفارق ملحوظ عن منافسه سعيد جليلي فإنه يظل أقل الرؤساء الإيرانيين حصولاً على أصوات للناخبين، وهو ما يجعل شرعيته أو بالأحرى القبول به في الشارع الإيراني على المحك، مما يستدعي منه مجهوداً مضاعفاً للحصول على ثقة المواطنين، إذ حصل رئيسي على 16 مليون صوت فقط، وبنسبة مشاركة في الانتخابات بلغت 49 %، في حين فاز الرئيس حسن روحاني -على سبيل المثال- في انتخابات فترته الرئاسية الثانية بـ23.5 مليون صوت، وبنسبة مشاركة في الانتخابات بلغت 73%. فيما تجدر الإشارة إلى أن الأصوات التي حصل عليها رئيسي في الانتخابات التي أتت به رئيساً للبلاد قد فاقت ما حصل عليه كمرشح في الانتخابات الرئاسية عام 2017، بـ2.2 مليون صوت فقط، حيث حصل آنذاك على 15.7 مليون صوت، بنسبة 38.5% من إجمالي الأصوات.
وفي هذا السياق، أمام الرئيس الجديد فرصة وتحدٍ. وتتمثل الفرصة في إمكانية إقدامه على استثمار خبرة مستشاريه في إدارة المؤسسات الاجتماعية، وإعادة تشغيل المشروعات الإنتاجية، بما يسهم في تخفيف حدة الاحتقان الشعبي بسبب ضغوط الوضع الاقتصادي على الفقراء، ومتوسطي الدخل. فيما يتعلق التحدي بأسلوب تعامله مع الاحتجاجات المنتشرة في عدة مدن في البلاد، بسبب السياسة المائية للنظام، والوضع الاقتصادي، لاسيما في ظل ما ينسب إليه من اتهامات بشأن التوسع في عمليات الاعتقال والعنف ضد المعارضين.
وفيما يتعلق بالملف الاقتصادى حيث يواجه الاقتصاد الإيراني أزمات عديدة، حيث أشار تقرير لمركز الإحصاء الإيراني إلى أن معدل التضخم بلغ 46.2%، بداية العام الحالى ، وهى نسبة تضع إيران في مقدمة الدول الأعلى تضخماً في العالم، فحسب تقديرات صندوق النقد الدولي تأتي إيران بعد السودان وزيمبابوي وفنزويلا وسورينام، في نسبة التضخم عالمياً. وبالطبع تلقي نسبة التضخم القياسية بظلالها على الأوضاع المعيشية للمواطنين لاسيما الفقراء ومتوسطي الدخل.
كما تكشف تقارير مركز الإحصاء الإيراني أيضاً أن أكثر من 1.2 مليون شخص قد فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا، فيما تشير التقارير غير الرسمية إلى تجاوز عدد الفاقدين لأعمالهم بسبب الجائحة الـ5 مليون شخص، الأمر الذي يضع رئيسي في مواجهة وعوده الانتخابية بانتشال الفقراء من مشكلاتهم الاقتصادية ومواجهة الفساد المتسبب في إفقار المواطنين، وضياع أموال دافعي الضرائب، وزيادة نسبة المتهربين منها.
فيما يمثل انضمام إيران إلى “مجموعة العمل المالي” (FATF) أحد أهم الملفات العالقة أمام رئيسي في ظل وضع إيران على القائمة السوداء، التي تمنع النظام المصرفي الإيراني من التبادل النقدي مع الأنظمة المصرفية في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن المناقشات مع رئيسي أثناء حملته الانتخابية كانت قد أوضحت أنه يريد إنهاء هذا الملف لتسهيل التبادل التجاري والمالي مع باقي دول العالم، غير أن أغلب أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام لا يزالوا معترضين على اللوائح الأربعة التي ينبغي لإيران الموافقة عليها للانضمام للمجموعة.
كما ان تدني مستوى الخدمات العامة أحد أسباب تفاقم أزمة الاحتجاجات خلال الاعوام القليلة الماضية ، حيث خرجت عدة مظاهرات رافضة لزيادة رسوم عبور الطرق السريعة، وارتفاع أقساط وخصومات التأمينات، إلى جانب نقص الوقود، والكهرباء، وشح مياة الشرب وتلوثها.
ووعد بيزشكيان أيضاً بإصلاح النظام الصحي، وتحسين جودة الخدمات الطبية، وتقليل تكاليف العلاج. وقد أكد على تحسين الظروف التعليمية وزيادة جودة المدارس والجامعات.
وقال: “سأبذل قصارى جهدي لإصلاح نظام الفلترة غير الفعال وإعادة الآلاف من الشركات النشطة في الفضاء الإلكتروني والتي توظف ملايين الإيرانيين إلى الدورة الاقتصادية”.
وسلط بزشكيان الضوء على القضايا البيئية، متعهداً بتنفيذ برامج شاملة لحماية البيئة والتنمية المستدامة.
كما دعا إلى أن تلعب النساء أدوارًا نشطة ومتساوية في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ووعد أيضاً بتخفيف القيود المفروضة على شبكة الانترنت وبإشراك الأقليات العرقية في حكومته.
وفي السياسة الخارجية، وعد بزشكيان بخفض التوترات الدولية واستعادة الدبلوماسية النشطة والمشاركة البنّاءة مع العالم.
ويجادل منافسوه المحافظون بأنه يهدف إلى مواصلة سياسات إدارة حسن روحاني- التي يرونها فاشلة.
ومن المتوقع انه سيسعى جاهدًا لفتح حوار مع الغرب، ومن ثمّ التخفيف من وطأة العقوبات على بلاده، إذ من شأن ذلك أن يحدث حراكًا للاقتصاد الإيراني، ويدعم أسهمه محلياً، في حين ستواجهه الكثير من التحديات على رأسها أن “الكلمة الحاسمة” في الاتفاق مع الغرب لن تكون له بل للمرشد الإيراني ذاته، فضلًا عن الموقف في الانتخابات الأميركية المقبلة، وكذلك صعود اليمين المتطرف بأوروبا.
بزكشيان كان قد تعهد بتبني سياسة خارجية عملية وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وأنه”سيمد يد الصداقة للجميع , وخلال حملته الانتخابية، أشار الرئيس الإيراني لسعيه لتحسين العلاقات مع الغرب ومن بينها استئناف المحادثات النووية مع القوى العالمية.
ومن المرجح أن ترحب القوى العالمية بالرئيس الجديد ، على أمل أن يبحث عن طرق سلمية للخروج من المواجهة المتوترة مع إيران بشأن برنامجها النووي سريع التقدم .
ويؤكد تلك الاحتمالية وجود شخصية بحجم محمد جواد ظريف، الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة حسن روحاني المعتدلة من 2013 إلى 2021، كمستشار للسياسة الخارجية وعمل كمستشار للحملة الانتخابية له وتعد رسالة للغرب بشأن الموقف المحتمل للسياسة الخارجية الإيرانية مع بزشكيان، والتغيير الذي قد يطرأ عليها.
*كاتب متخصص فى شئون ايران والخليج