بقلم: ماهر المهدى
القاهرة (زمان التركية)ــ الوطن فى كل البلاد واحد، لأن الإنسان فى كل البلاد واحد، والأرض فى كل البلاد أم وأب وليست فندقا ولا استراحة مؤقتة ولا متاعا ينسى أو يباع وهذا معروف مسلم به، إلا عند من يطلقون على أنفسهم “إخوان مسلمون”.
كيف اذا تفكر بعض القوى فى تأييد دول فى دفاعها عن حدودها وتجده فعلا مبررا وطنيا شجاعا وقانونيا، وفى نفس الوقت تساند الانفصاليين الذين يسعون إلى حرمان بلد وشعب من جزء من أرضه فى دول أخرى فى وضح النهار؟ المصالح تبرر حركة الدول وسياساتها وليست مشاعر الصداقة والمودة ولا نوازع الأخلاق. وحماية المصالح مشروعة فى ذاتها، ولكننا إذا تحدثنا عن المشروعية ربما وصلنا الى بوابة الأخلاق والمنطق والقانون التى تقف عندها كل الجنسيات وتحنو رأسها بالضرورة، ليكون هناك قاسم مشترك متفق عليه بين الدول والشعوب من أجل حماية البشر.
فحتى القوي الغني له نقاط ضعفه التى يمكنها أن تسبب له كثيرا من الألم، بحيث لا يمكن لعاقل أن يأمن بوائق الزمان ولو كان أغنى الناس وأقواهم. كما أن الضعف يدب فى عروق الأقوياء فى وقت ما من الحياة، بينما تدب القوة فى عروق الضعفاء فى ذات الوقت والحين.
فكيف يفسر السياسيون الأحرار دعاة الحرية والديمقراطية تناقض التوجهات بهذا الشكل الفج؟ إن منطق الأشياء يقول إن الجرأة على حدود الأخلاق وتجاهل القانون والاعتداء على الضمير الجماعى وعلى المبادىء التى صاغها العالم أجمع وقبلها حكما فوق الجميع عبر السنين والعقود والقرون الكثيرة ليس الإ عملا غير رشيد يطلق عليه الكثيرون ” بلطجة “.
وهو -فضلا عما تقدم- مدعاة لوقوع الصدامات السياسية والتوترات الخطيرة فى الأسواق وربما المواجهات العسكرية. أليس كذلك ؟ والتسميات الأخرى -مثل الواقعية السياسية- قد لا تسعف كثيرا، فالعبرة -فى كل نهاية- بما يوضع على الطاولة حقيقة لا تقبل الإنكار ولا تحتاج إلى شرح.
ان الذين يغادرون الحياة بعدما آذوا الناس يهربون من المساءلة الحضورية أمام الناس بالطبع، ولكنهم يخضعون كل يوم للسؤال والتجريح والإهانة الكبيرة والصغيرة -على مدار السنين والعقود وكلما ظهر أسمهم على سطح نقاش أو على هامش مناسبة- دون أن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم.
فإذا لم يكن لمن يغادر الحياة أحد من بعده يهتم بشأنه ويحرص على مشاعره، فمن المؤكد أن الموتى ليسوا بمعزل عن أخبار الدنيا ، ولا شك أنهم يعلمون أو يحسون -بطريقة ما- بما يمسهم من شر أو خير.
والحساب فى الدنيا مستمر لا ينقطع كما نرى، فكم من مسألة من المسائل الساخنة اليوم -على المستويات الوطنية والدولية- كان منشاؤها منذ سنين وعقود وقرون أيضا.
ثم إن الغالب الأعم من حساباتنا الآن -على مستوى العالم- تخضع للثوابت المعروفة، ولكن من الواضح لكل لبيب أن هذه الثوابت قد تشهد هزات وطفرات -فى أية لحظة- تأتى بنتائج يصعب تصورها .