بقلم: محمد على نور الدين
القاهرة (زمان التركية)ــ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
منذ أن أمر الله تعالى خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يؤذن في الناس بالحج (والقلوب تهفو إلى هذا البيت وذاك المكان، والوفود تتقاطر وتتوارد عليه من كل فج عميق، تلبية لنداء الله سبحانه).
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج ياتوك رجالا، قال ابراهيم وانى يبلغ صوتي؟ قال: اذن فعليك الاذان وعلينا البلاغ فنادى إبراهيم فوق الجبال وقال: “يا أيها الناس ان الله كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فحجوا، فسمعه ما بين السماء والأرض، وقام الناس قائلين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمه لك والملك لا شريك لك.
وفريضة الحج أوجبها الله تعالى على عباده مرةً في العمر على المستطيع، قال عز وجل: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}.
والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، لقول النبي محمد-ﷺ -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً.
الوقوف بعرفات
روى عن محمد بن المنكدر أنه حج ثلاثا وثلاثين حجة فلما كان آخر حجة فى المره الثالثه والثلاثين رفع يده الى السماء،وقال : اللهم إنك تعلم أنني قد حججت ثلاثا وثلاثين مره الاولى قضيت بها فريضتى والثانية عن امى والثالثة عن أبى والثلاثون لمن وقف بعرفات هذا ولم يتقبل منه فسمع مناديا يناديا من السماءيا ابن المنكدر! أتتكرم على من خلق الكرم أتجود على من خلق الجود؟
إن الله تعالى يقول لك: وعزتي وجلالي لقد غفرت لكل من وقف على عرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام.
الحج يهدم ما قبله
الحج من أعظم أسباب تكفير الخطايا والسيئات، فإذا حج العبد الحج المبرور فإنه يرجع من حجه كيوم ولدته أمه طاهرًا من الذنوب والخطايا؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
وجاء في صحيح الامام مسلم: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل في الإسلام، وأراد أن يشترط على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُغْفَر له ما قد سلف من ذنوبه، التي اقترفها حال الشرك، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمور، كلها تكفِّر ما قبلها من الذنوب والخطايا، يقول عمرو بن العاص : ( لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أبسط يدك فلأبايعك، فبسط فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو ؟ قلت: أشترط، قال: تشترط ماذا ؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله).
قصة الخليل مع ابنه الذبيح عليهما السلام
كان إبراهيم عليه السلام طوال حياته يأمل الولد، حتى إذا بلغ من الكبر عتياً، رزقه الله إسماعيل، فاقرَّ به عينه، ثم ها هو إبراهيم عليه السلام يؤمر بأن يذبح ابنه إسماعيل، ولده الوحيد العزيز! إنه لأمر تنوء بحمله الجبال..استجاب إبراهيم لربه، وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته، فشدَّ الرحال إلى ابنه ليلبي أمر الله فيه، ولم يلبث أن أخبر ولده بما أمره الله به، فقال: {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} ، فبادر الغلام بالطاعة وقال: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين
قال إبراهيم: نعم العون أنت يا بني على أمر الله!
واستسلم الشاب لأمر ربه، وألقاه إبراهيم على الأرض، وأمسك السكين لينفذ أمر الله فيه، وتدفقت عبراته، وتتابعت زفراته، ووضع السكين على حلقه، وأمرَّها على عنقه. ثم ألقاه على قفاه وأعاد الكرة ثانية، فلم تفعل السكين ما هو مطلوب منها، فأدركت الحيرة إبراهيم، وشق ذلك عليه، فتوجه إلى الله أن يجعل له مخرجاً، فرحم الله ضعف الشيخ الكبير، ورحم قلب الشاب الفتي، واستجاب الله دعاء إبراهيم، وكشف غمه، ونودي: {أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين}
وفى ذلك قول الشاعر:
وأمرت بذبحك ياولدى * فانظر فى الأمر وعقباه
ويجيب العبد بلا فزع * افعل ما تؤمر أبتاه
لن نعصى لإلهى أمرا * من يعصي يوما مولاه ؟!!
واستل الوالد سكينا * واستسلم الابن لرداه
ألقاه برفق لجبين * كى لا تتلقى عيناه
أرأيتم قلبا أبويا * يتقبل أمرا يأباه ؟؟
أرأيتم ابنا يتلقى * أمرا بالذبح ويرضاه؟؟
وتهز الكون ضراعات * ودعاء يقبله الله
تتوسل للملأ الأعلى * أرضا وسماءا ومياه
ويقول الحق ورحمته * سبقت بفضل عطاياه
صدقت الرؤيا لا تحزن * يا إبراهيم فديناه