بقلم: هيثم السحماوي
أوضحت في المقال السابق ثلاث وظائف للبعثة الدبلوماسية، وهم التمثيل الرسمي للدولة، وحماية مصالح الدولة ومصالح رعاياها، وتعزيز وتقوية العلاقات بين الدولتين. وهنا أتحدث عن المهمتان الباقيتان للبعثة الدبلوماسية وهما التفاوض والمتابعة.
فمن وظائف البعثة الدبلوماسية في الدولة مراقبة الوضع بشكل عام في الدولة التي تعمل بها، بمعنى أن تكون بمثابة عين ولسان وأذن الدولة التي تمثلها.
وهنا أمر هام تثيرها هذه الوظيفة الدبلوماسية وهي مسألة التجسس!
والتجسس له تاريخ في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، حيث أن الدول تعطي صفة دبلوماسية، لمجموعة البعثة الدبلوماسية للدولة، ويحتمون بالحصانة الدبلوماسية، ويكون من مهمتهم الإطلاع على بعض الأخبار بطرق غير مشروعة (التجسس)، مثلما كان أثناء الحرب الباردة . وهنا اشترطت إتفاقية فيينا في هذه الوظيفة للبعثة الدبلوماسية أن تتم بالوسائل المشروعة.
والسؤال الهام هنا في هذه الحالة وهو: اكتشاف دولة معينة أن أحد أعضاء بعثة دبلوماسية تابع لدولة معينة على أرضها يعمل بالتجسس فهل تقدمه للمحاكمة؟
بالطبع لا وكل ما تستطيع فعله هو إعلان بأنه شخص غير مرغوب فيه، وتطرده من الدولة، للحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها، وذلك بخلاف لو كان هذا الشخص الذي يقوم بأعمال التجسس، ليس لديه حصانة دبلوماسية فهنا تستطيع الدولة القبض عليه وتقديمه للمحاكمة.
وما ينبغي الإشارة اليه هنا أن هذه الوظيفة هامة وهي لا تعني مجرد نقل الأخبار فقط، ولا تعني أن تكون البعثة الدبلوماسية مجرد (messenger) لنقل الأخبار الموجودة في الصحف والإذاعة، ولكن لابد فيها من تحرى الدقة، حيث أن دولة البعثة ستعتمد على هذه المعلومات والبيانات لتحديد موقفها تجاه أمر معين أو القيام بإتخاذ إجراءات محددة تجاه هذه الدولة… الخ.
وهذه المعلومات تصدر من البعثة الدبلوماسية لحكومة دولتها في صورة تقارير، يمكن أن تكون شفوية ويمكن أن تكون مكتوبة.
الوظيفة الخامسة التي ذكرتها إتفاقية فيينا هي وظيفة التفاوض. في مسألة أو موضوع بين دولتين أو مجموعة من الدول (التفاوض متعدد الأطراف).
ومسألة التفاوض من المسائل أو الموضوعات الهامة التي تحتاج لفنون ومهارات وأسس للقيام بالتفاوض على أكمل وجه منها ضرورة الإلمام بالموضوع محل التفاوض قبل البدء بالتفاوض فيه ، وتحري الدقة الشديدة .. الخ.
ومن المشاكل ذات الصلة بالموضوع التي يمكن أن أذكرها لحضراتكم هنا تبين أهمية تحرى الدقة والانتباه الشديد من البعثة الدبلوماسية بشكل عام، وبشكل خاص أثناء عملية التفاوض والإتفاقيات. ماحدث في حرب عام 1967 (حرب النكسة)، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي القرار المشهور رقم 242، هذا القرار قد اعتمدته بريطانيا كحل وسط، وفي أحد بنوده ينص على وفقا لنص القرار( إنسحاب إسرائيل من أراض احتلتها مؤخرا) وجاءت الترجمة العربية تقول ( انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية) فهنا دب الخلاف في كلمة أراض والأراضي، أي أن الدول العربية تمسكت بالألف واللام، مما يؤدي إلى انسحاب اسرائيل من كل الأراضي العربية -بما في ذلك فلسطين وسوريا-، بينما تمسكت اسرائيل بعدم وجود الألف واللام بمعنى أنه لا يستلزم عليها الانسحاب من كل الأراضي وإنما يكفي فقط إنسحابها من بعض الاراضي وتبقى أراضي أخرى تحت سيطرتها ..
يسعدني التواصل وإبداء الرأي.